لبنان: لا حلول سياسيّة وتحذيرات أمميّة بتوسّع الحرب..

‏تقاطعت مؤشّرات عدّة في الأيام الأخيرة متّصلة بشكل مباشر بالجبهة اللبنانية. في بكين، كانت المصالحة الفلسطينية تتمّ، وهي الأولى من نوعها بعد 7 أكتوبر الماضي، لكنّ تحدّي تطبيقها يبقى هو الأهمّ، في ضوء فشل تجارب مماثلة سابقاً. ذلك لأنّ أيّ مصالحة فلسطينية ستنعكس إيجاباً في الواقع على غزة، واستطراداً على جنوب لبنان، حيث جاء إطلاق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تحذيره من خطر انزلاق الوضع في لبنان إلى حرب أكبر، وأنّ أيّ سوء تقدير من أيّ طرف يمكن أن يجرّ المنطقة إلى الأسوأ، بمنزلة جرس إنذار أمميّ جدّي.

من غزة إلى لبنان، كلّ الحلول السياسية لا تجد لها مكاناً ولن تجد إلا بعد خفض ضجيج المعركة. وحيال كلّ ذلك، بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقع قوّة بعد خطابه في الكونغرس، مساء الخميس، متسلّحاً بتجاوز عدد مرّات تصفيق الحضور 58 مرّة، قبل العودة إلى تل أبيب، إمّا لإبرام صفقة تبادل الأسرى، أو استنباط طريق جديد للهروب إلى الأمام كما فعل دائماً.

مصالحات بانتظار تطبيقها

بانتظار خطوة نتنياهو تجاه غزة وتالياً لبنان، لم تكن مصالحة بكين الفلسطينية الأولى من نوعها، إذ سبقتها محطّات أخرى في القاهرة وموسكو والجزائر، لكنّها ظلّت في سياق المصالحات والبيانات العامة من دون قيمة فعليّة لها. هي بنود وُضعت على أمل تنفيذها يوماً ما. تتحدّث مصادر في منظمة التحرير الفلسطينية عن أن لا إجراءً تنفيذياً لها إلا بعد انتهاء حرب غزة. ولإنهاء الحرب يجب على قيادة حماس العسكرية إلقاء السلاح لمنع سقوط مزيد من الضحايا. أمّا إذا أصرّت حماس على استكمال المعركة فلا جدوى من أيّ كلام عن حلّ سياسي.

تتطلّع منظمة التحرير إلى ما يحصل في الضفة الغربية على أنّه مخطّط نتنياهو لتهجير الفلسطينيين لمنع قيام دولة فلسطينية. صيغة الحلّ بالنسبة إليها هي التمسّك بالأرض وتشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات تكنوقراط لتحكم غزة والضفة معاً. أمّا الانتخابات فلا مكان لها سوى القدس أيضاً. لذا تقول مصادر المنظمة إنّ الانتخابات مؤجّلة وإنّ حماس لا يمكن أن تقرّر وحدها مصير الانتخابات.

وسط هذه المرحلة من الانتظار لوقف الحرب، يتخوّف الفلسطينيون وتحديداً منظمة التحرير من شبح صفقة القرن التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب في عهده. لذلك كان من اللافت أيضاً أن تتضمّن مصالحة بكين إقرار الفصائل كافّة بحلّ الدولتين والاعتراف بفلسطين دولة مستقلّة ضمن حدود 1967. وتسلّحت حركة فتح أخيراً برسالة ترامب للرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي جاء فيها: “محمود. لطيف للغاية. شكراً لك. كلّ شيء سيكون على ما يرام. أطيب التمنيّات”، وذلك ردّاً على رسالة عباس للرئيس الأميركي السابق بعد نجاته من الاغتيال. أمّا حماس فتقول مصادرها إنّ وضعها لا يزال جيّداً في القتال، وإنّ كلّ الكلام عن اغتيال محمد الضيف غير صحيح وإنّه لا يزال على قيد الحياة.

من جهة أخرى، تتحضّر حماس للدخول في هدنة لتبادل الرهائن بعد عودة المفاوضات في المقبل من الأيام. نتنياهو بدوره يتحضّر لهدنة ليحرّر نفسه من عبء الرهائن. فهو الذي استعرض تعاطفه معهم في الكونغرس، معلناً استعادة 5 جثث لرهائن قُتلوا في 7 أكتوبر. بعد ذلك يبدو أنّ نتنياهو ذاهب إلى مزيد من التصعيد باتجاه تحقيق أهدافه بتصفية قيادات حماس في غزة.

مناورات جوّيّة فوق لبنان

في السياق، نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية عن الجيش قوله إنّه أبلغ المستوى السياسي استعداده للقيام بمناورات جوّية في لبنان، قبل أيّ مناورة برّية. وفي ذلك مؤشّر إلى جدّية التحضيرات الإسرائيلية لمهاجمة لبنان، على الرغم من تتالي فيديوهات “هدهد” الروسي التي ينشرها الحزب، في إطار تأكيده جهوزية خوضه معركة دفاعية تستهدف العمق الإسرائيلي في أيّ حرب واسعة. لكنّ خطوة الجيش الإسرائيلي، التي تلت خطاب نتنياهو في الكونغرس، توحي بأنّها مقدّمة لتوسيع الحرب في لبنان، على الرغم من أنّه لا أحد يمكنه أن يجزم، إلا أنّ نتنياهو حدّد سقفه: الأولوية في الشمال هي للحلّ الدبلوماسي، لكنّنا مستعدّون لحلّ أمني كما أكّد في كلمته أمام الكونغرس حين قال إنّ وضع الحدود مع لبنان يجب أن يستقيم.

ما يوحي بأنّ الجبهة اللبنانية ستبقى مفتوحة هو تأكيد نتنياهو الاستمرار في معركة غزة حتى “النصر الكامل مهما تطلّب من الوقت”. وفي هذا مؤشّر إلى أنّ الترابط بين لبنان وغزة مستمرّ حتى إشعار آخر، وربّما قد ينسحب على العام الدراسي المقبل، بعد إلغاء إسرائيل الدراسة لموسم 2024 – 2025 في الشمال الفلسطيني المحتلّ.