المصدر: الراي الكويتية
الخميس 4 كانون الاول 2025 01:09:04
... هل يؤدّي «إحراج» لبنان لإسرائيل برفْعه مستوى التمثيل في لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية «الميكانيزم» إلى مستوى مدني - دبلوماسي يقوده السفير السابق سيمون كرم وتدشينِ مباحثاتٍ هي الأولى من نوعها «وجهاً لوجه» بين الجانبين، وإن في حضرة ممثلين عسكريين أميركيين وفرنسيين وأمميين، إلى «إخراج» سيناريو الحرب الجديدة على «بلاد الأرز» وحزب الله من على الطاولة؟
... أم أن «الديبلوماسيةَ الذكية» التي اعتمدتْها بيروت وشكّل قاطرتَها رئيسُ الجمهورية العماد جوزف عون وبـ «دَفْعٍ ثلاثي» أَكْمَلَه الرئيسان نبيه بري ونواف سلام ستُحْبِطُها «برمجياتٌ خبيثة» من تل أبيب التي أوفدت المدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي يوري رسنيك إلى اجتماع "المكيانيزم" الأربعاء، في الناقورة، وذلك على قاعدة فصْلِ المسار الحربيّ «السالِك» عن «المناقشاتِ السياسية والعسكرية» عبر «الميكانيزم المعزَّزَة» وتالياً التأسيس لـ «اليوم التالي» لطي صفحة النزاع لمرة واحدة وأخيرة؟
سؤالان دَهَما بيروت ويؤشّران إلى سيناريويْن بدا من الصعب الإجابة عنهما أو تحديد «الغَلَبة لِمَن» ستكون بينهما، من دون أن يُسْقِطَ ذلك الأهميةَ الـ ما فوق عادية للارتقاء الذي حَصَلَ من جانب لبنان في مقاربته مسألةً حساسةً كانت على مدى أكثر من 42 عاماً بمثابة «المحرّمات» لجهة الانخراط في مفاوضاتٍ مع إسرائيل خارج الإطار التقني - المدني والعسكري - الأمني الذي طَبَعَ مسار الترسيم البحري الذي أُبرم خريف 2022 واجتماعات الناقورة الناظمة للقرار 1701 منذ صدوره صيف 2006 عقب حرب الـ 33 يوماً.
وما أن أعلن القصر الجمهوري ما بدا «أمر اليوم» الدبلوماسي بالكشف المفاجئ عن تكليف الرئيس عون «السفير السابق المحامي سيمون كرم، ترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات الميكانيزم" وتأكيده أن هذا التطور حصل «تجاوباً مع المساعي المشكورة من حكومة الولايات المتحدة التي تتولّى رئاسة اللجنة التقنية العسكرية للبنان" و«بعد الاطلاع من الجانب الأميركي على موافقة الطرف الإسرائيلي ضمّ عضو غير عسكري إلى وفده المُشارِك في اللجنة المذكورة، وبعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة»، حتى تَطايرتْ علاماتُ الاستفهام حول مَفاعيل هذه الخطوة وهل يخفض رَفْعُ مستوى التمثيل منسوب التصعيد العسكري، وماذا يَعني فَتْح بابِ المُحادثات شبه المباشرة، وماذا وراء الإغراق الإسرائيلي لانطلاقتها بـ«حمولةٍ زائدة» سياسية - اقتصادية؟
إصابة عصفورين
وفي هذا الإطار اعتبرت أوساط متابعة أن لبنان الرسمي أصاب عبر تكليف كرم عصفورين بحجر واحد:
- الأوّل حَشْرُ إسرائيل التي كانت قابلتْ استعدادَ لبنان بلسان عون لمفاوضاتٍ لحلّ المشاكل العالقة من دون تحديد طبيعتها وشكلها، بلا مبالاةٍ، مُعْلية صوت طبول الحرب التي لا تنفكّ تَقرعها تحت عنوان أن الدولة اللبنانية عاجزة عن سَحْبِ سلاح «حزب الله» وفق القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس نواف سلام، وأنها أعجز من أن تُنْجِزَ ذلك بحلول 31 ديسمبر، التاريخ الذي تشيع أن واشنطن حتى باتت تعتمده كموعد نهائي لتفكيك ترسانة الحزب جنوب الليطاني وشماله.
وبنجاحِ لبنان، في تكوين ممر آمن لعبورِ قرارٍ بمستوى الانتقال إلى مباحثاتٍ أكثر من مدنية وأقلّ من دبلوماسية - وإن حرصتْ بيروت على إعلاء الطابع «المدني» على الإضافة «المعزَّزة» إلى لجنة الميكانيزم - يكون وفّر لواشنطن أداةً قد تشكل عنصر ضغط على تل أبيب لـ «سَكْبِ مياه باردة» على الرؤوس الحامية فيها المندفعة نحو جولة قتال جديدة مع «حزب الله» وربما تستهدف الدولة اللبنانية أيضاً، على قاعدة منْح الجيش اللبناني فرصة إكمال مَهمته جنوب الليطاني حتى نهاية السنة وربط ما بعده بمسارٍ تُبنى أرضيته عبر الميكانيزم «المدعَّمة».
- والثاني تصحيحُ الصورةِ التي اهتزّتْ عن لبنان الرسمي خصوصاً الرئيس عون وقيادة الجيش في واشنطن وعبّرت عن نفسها عبر إلغاء لقاءات الجنرال رودولف هيكل في العاصمة الأميركية قبل نحو أسبوعين، على وقع مآخذ على المؤسسة العسكرية في ما خص مآل عملية سَحْبِ سلاح الحزب.
«شراهة» نتنياهو
ولكن الخطوة اللبنانية التي قوبلتْ بارتياحٍ خارجي وداخلي كبير في ضوء ما عكستْه من استعادة الدولة قولاً وفعلاً بقرار الحرب والسلم ورسم مستقبل البلاد وتَمَوْضعها الإستراتيجي، سرعان ما استدرجتْ «نقزةً» تسبَّبت بها إشاراتٌ صدرت من إسرائيل التي «التهمت» هذا التطور بمسارٍ دلّ على «شراهةِ» نتنياهو الذي انقضّ على المبادرةِ وقَفَزَ بعيداً وسريعاً لإسقاطِ أبعادٍ ما فوق عسكرية وأمنية وحتى سياسية عليها، لتطلّ على جانبٍ تطبيعيّ اقتصادياً، وهو الأمر الذي تم تفسيره:
- إما على أنه إشارة إلى أنه بات هناك مساران يَحكمان جبهة لبنان، واحد سياسي – لوجستي«وأخواتهما» تُعنى به الميكانيزم المعزَّزة ويرسم لِما بعد صمت المدافع نهائياً، وثان حربيّ يسلك طريقاً آخَر، وربما تُبْعِدُه خطوة لبنان «المحبوكة» وتؤخّره من دون أن تبدّده بالكامل.
وهنا تشير الأوساط إلى أن رفع مستوى التمثيل في اللجنة لدرجة جلوس مدني بـ «نجوم دبلوماسية» من جهة لبنان وآخر من رتبة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وجهاً لوجه، وإن من دون كلام مباشر، لا يمكن أن يكون لبحث جوانب تقنية بحت كان الميكانيزم يناقشها، مثل تفتيش المنازل وغيرها، بل يعكس ارتقاءً في مواضيع التفاوض.
- وإما أنّ تل أبيب تَجتذب محاولةَ إحراج مضادّ للبنان الرسمي أمام واشنطن عبر جرّه إلى«مزيدٍ»تدرك أنه لن ينزلق إليه، وذلك لتبرير إضافي لِما تَحوكه حربياً والذي تكررت الإشارات إليه عبر تقارير بعضها أفاد يأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأن اتفاق وقف النار في الشمال يقترب من الانهيار وأنها تتجه نحو التصعيد، مع احتفاظها بحق تحديد توقيته منفردة.
وكان مكتب نتنياهو أعلن أنه أصدر «توجيهات لمدير مجلس الأمن القومي بالإنابة لإرسال ممثل عنه للاجتماع مع مسؤولين حكوميين واقتصاديين في لبنان»، واضعاً ذلك في إطار «محاولة أولية لوضع أساس لعلاقة وتعاون اقتصادي بين إسرائيل ولبنان» اللذين لا يزالان في حالة حرب رسمياً.
وبعدها قالت الناطقة باسم الحكومة شوش بدرسيان «لا شك أن هذا الاجتماع المباشر بين إسرائيل ولبنان قد تم نتيجة لجهود رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لتغيير وجه الشرق الأوسط»، معلنة عن «مباحثات مباشرة هي الأولى منذ عقود جرت بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين لبنانيين»، في موازاة إعلان إعلام عبري أن نتنياهو قرر تفويض مبعوثين للقاء مسؤولين حكوميين في لبنان من أجل تعزيز العلاقات.
التفاهم مع «الجيران»
في السياق ذاته، أشار وزير الاقتصاد والصناعة إلى أن «إسرائيل تريد التفاهم مع الجيران إذا نجحت الحكومة اللبنانية في القضاء على حزب الله وأرادت إقامة علاقات اقتصادية معنا».
وقال «سندرس إقامة علاقات اقتصادية مع لبنان بشكل إيجابي لكن الأولوية هي التأكد من إزالة التهديد الأمني».
سلام
وهذه الاندفاعة الإسرائيلية الملغومة تَنَبّه لها سريعاً سلام، الذي أعلن«أننا مستعدّون لمفاوضات فوق عسكرية مع إسرائيل»، معتبراً «أن خطوة ضمّ دبلوماسي لبناني سابق إلى اللجنة محصَّنة سياسياً وتحظى بمظلة وطنية»، ولافتاً إلى أن نتنياهو «ذهب بعيداً في توصيفه لهذه الخطوة».
وإذ قال«لسنا بصدد مفاوضات سلام مع إسرائيل، والتطبيع مرتبط بعملية السلام»، أكد أن على «حزب الله»تسليم سلاحه«وهذا من أهمّ عناوين مشاركته في مشروع بناء الدولة، وسلاح الحزب لم يردع إسرائيل ولم يحم لبنان، والدولة استعادت قرار الحرب والسلم». وأضاف «لن نسمح بمغامرات تقودنا إلى حرب جديدة ويجب استخلاص العبر من تجربة نصرة غزة».
وأشار إلى «أن تقييم الموفدين الذين زاروا بيروت أن الوضع خطير وقابل للتصعيد، وقد وصلتْنا رسائل إسرائيلية عن تصعيد محتمَل، لكنه غير مرتبط بمهلٍ زمنية».
ولاحقاً، اعتبر أن المحادثات الاقتصادية ستكون جزءاً من أي عملية تطبيع مع إسرائيل، والتي يجب أن تتبع اتفاقية سلام.
وأوضح سلام للصحافيين، بحسب «رويترز»، أنه إذا التزمت الدولتان بخطة السلام العربية لعام 2002، «فسيتبع ذلك التطبيع، لكننا مازلنا بعيدين»، مضيفاً «آمل أن تساعد مشاركة المدنيين في الآلية على تهدئة التوتر».
واعتبر أنه «إذا لم تنسحب إسرائيل من المناطق التي لاتزال تحتلها، فإن المرحلة الأولى من حصْر السلاح في يد الدولة لن تكتمل»، مؤكداً «أن لبنان منفتح على أن تتحقق قوات أميركية وفرنسية من المخاوف بشأن مستودعات أسلحة حزب الله المتبقية في الجنوب»، ومرحّباً بعرض مصر المساعدة في خفض التوتر بين لبنان وإسرائيل.
السفارة الأميركية
ولم يقلّ دلالة وأهمية البيان الذي أصدرته السفارة الأميركية حول اجتماع الميكانيزم والذي شاركت فيه الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي حضرت من تل أبيب حيث اطلعت على تقارير عسكرية واستخباراتية فحواها محاولة "حزب الله" التعافي.
وجاء في البيان «أن كبار المسؤولين عقدوا الاجتماع الرابع عشر للجنة التقنية العسكرية للبنان في الناقورة لتقييم الجهود الجارية للتوصل إلى ترتيب دائم لوقف الأعمال العدائية في لبنان».
وأضاف البيان في إشارة إلى طبيعة الإطار الجديد للميكانيزم المعزَّزة «دَعْماً للسلام الدائم والازدهار المشترك لكلا الجانبين، انضمّ السفير اللبناني السابق سيمون كرم والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور يوري رسنيك إلى المستشارة أورتاغوس في اجتماع الأربعاء كمشاركين مدنيين. ويعكس انضمامهما التزام الميكانيزم تسهيل المناقشات السياسية والعسكرية بهدف تحقيق الامن والاستقرار والسلام الدائم لجميع المجتمعات المتضررة من النزاع».
وتابع «رحّبت جميع الأطراف بالمشاركة الإضافية باعتبارها خطوة مهمة نحو ضمان أن يكون عمل الميكانيزم مرتكزاً على حوار مدني مستدام بالإضافة إلى الحوار العسكري. وتتطلّع اللجنة إلى العمل بشكل وثيق مع السفير كرم والدكتور رسنيك في الجلسات المقبلة والى دمج توصياتهما فيما تُواصِل الميكانيزم تعزيز السلام الدائم على طول الحدود».
وعلى وقع هذا التطور برز صمت «حزب الله» الذي كان جاهر برفض كل مسار التفاوض من مبدئه، وسط اعتقاد أوساط سياسية أن سكوته لا يَعني موافقةً بقدر ما يؤشر إلى عدم قدرة على الرفض في ضوء العصا الإسرائيلية الغليظة المصلتة على البلاد، وفي ظل اعتقاد أن شريكه في الثنائية الشيعية، بري لم يغطّ تكليف كرم ويتجاوز صراع الماضي معه في إطارِ مواجهةٍ مع الحزب بقدر ما أن الأمر في سياق «حرية الحركة» الممنوحة لبري لاحتواء المخاطر والعواصف.
«أمر اليوم» الدبلوماسي
هكذا أعلن لبنان تكليف السفير السابق سيمون كرم، ترؤس وفد لبنان الى اجتماعات «الميكانيزم» في بيان بالصوت والصورة تلته الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية نجاة شرف الدين:
«التزاماً بقسمه الدستوري، وعملاً بصلاحياته الدستورية، من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه ومصالحه العليا، وتجاوباً مع المساعي المشكورة من قبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية، التي تتولى رئاسة اللجنة التقنية العسكرية للبنان، المنشأة بموجب إعلان وقف الأعمال العدائية، تاريخ 27 نوفمبر 2024، وبعد الاطلاع من قبل الجانب الأميركي، على موافقة الطرف الاسرائيلي ضمّ عضو غير عسكري إلى وفده المشارك في اللجنة المذكورة، وبعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ورئيس الحكومة الدكتور نواف سلام، قرر رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، تكليف السفير السابق المحامي سيمون كرم، ترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات اللجنة نفسها.
كما تم إبلاغ المعنيين بذلك. وعليه يشارك السفير كرم بهذه الصفة، في اجتماع اللجنة المقرر اليوم 3 ديسمبر 2025، في الناقورة».
سيمون كرم... الدبلوماسي العنيد
من مواليد جزين جنوب لبنان عام 1950، محامٍ وناشط حقوقي. كان محافظاً لمدينة بيروت ولمنطقة البقاع، وعُيّن سفيراً في واشنطن بين عامي 1992 و1993 قبل ان يستقيل اعتراضاً على ما عُرف حينها بـ «وحدة المسار والمصير» بين لبنان وسورية.
برز اسمه ضمن أطر سياسية سيادية. وكان عضواً في لقاء قرنة شهوان الذي مهّد لتأسيس حركة 14 مارس (ثورة استقلال 2005) بوجه سورية، وعُرف بمواقفه الحادّة تجاه النفوذ السوري في لبنان والسلاح خارج الدولة. وهو من أول الداعين إلى تنفيذ اتفاق الطائف.
واستُحضرت إطلالة أخيرة له في يوليو الماضي خلال ندوة في جامعة القديس يوسف (USJ) عُقدت إحياءً لذكرى المفكر والكاتب حبيب صادق، حيث كانت لكرم مداخلة أثارت جدلاً واسعاً داخل القاعة وفجرت غضبة مناصري «حزب الله» الحاضرين وبعض اليساريين الذين رفضوا مضمون خطابه وأحدثوا فوضى في القاعة قبل أن ينسحبوا احتجاجاً.
وتناول كرم في كلمته تداعيات «حرب الإسناد» على لبنان، قائلاً «إن شروط إنهاء الحرب جاءت أفدح من الحرب، وما يزيد الأمور بشاعة أن الذين أذعنوا لوقف نارٍ من طرف واحد مع إسرائيل، يطلقون ناراً سياسية وأمنية كثيفة على الداخل، يهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسي، وهو الوحيد المتاح بعد النكبة؛ والجيش بحجة أنه عاجز عن حماية البلاد والناس، والقوة الدولية لسعيها تنفيذ القرارات الدولية؛ وسائر اللبنانيين إذا قالوا لهم كفى».