لبنان والسلاح "آخِر الشهر... أول الاختبار الأصعب"

ليست المرة الأولى يبدو لبنان وكأنه يَسير على «حبل رفيع» فوق «أفواه البراكين»، داخلياً وإقليمياً، ولكن هذه المشهدية الخطيرة تقف أمام «نسخةٍ» هي الأكثر تعقيداً وحساسية في ضوء وضْعها «بلاد الأرز»، بين إما الخروجِ من الهوة التي رُميتْ فيها بفعل اقتيادها طويلاً، «شبه مخفورة»، إلى «عين» صراعات الإقليم وحروبه، وإما الانزلاقِ إلى قعرٍ جديدٍ في «الجحيم» الذي فُتحت «بواباته»، في المال والاقتصاد مع انهيار 2019، ثم في الأمن الذي تفجّر مع «حرب الإسناد» لغزة.

وتَعتبر مصادر واسعة الاطلاع في بيروت أن الأيام العشرين المقبلة، يخيّم فوقها شَبَحُ «الأحلام التي لن تتحقق» بسحْب سلاح «حزب الله»، كما «حسمتْها» إيران، والكوابيس التي يُخشى أن تَحلّ إذا توقّف مَسارُ استعادة الدولة اللبنانية مقوماتها أو سلك قرار حصر السلاح بيدها طريق «التنفيذ القيصري»، مشيرةً إلى أن نهاية الشهر الجاري بات بهذا المعنى موعداً تتقاطع على انتظاره 3 جهات وإن لاعتبارات مختلفة:
الخارج «الناظر»... يترقّب

- المجتمعان الدولي والعربي بوصفه اختباراً لحكومة الرئيس نواف سلام ومدى قدرتها على المضيّ بما أطلقتْه في 5 ثم 7 أغسطس حين وَضَعَتْ قرار سحب سلاح «حزب الله» على السكة مع تحديد نهاية السنة موعداً لإنجاز المهمة وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذية بحلول نهاية الشهر الجاري.

وتشير معطياتٌ عدة إلى أن الخارجَ الذي وفّر للبنان «الإطار الناظم» لقرار حصْر السلاح عبر مقترح الموفد الأميركي توماس براك الذي تبّنتْ حكومة سلام الأهداف الـ 11 الواردة في مقدّمته بعدما صار بمثابة «الناظر» الدولي لمدى التزام بيروت بتعهداتها ببسط سيطرتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصراً، يتهيأ لإعطاء أول الإشاراتِ التي تترجم نياته بدعم «بلاد الأرز» على مختلف المستويات و«الأخذ بيد الدولة» خروجاً من الهوة السحيقة، بما يَرْفدها بسرديةِ أن «الطريق المختصر» للإعمار والازدهار يكون عبر الشرعية وحاضنتها الدولية - العربية.

ولم يقلّ دلالةً الاحتضان من غالبية الدول العربية وعواصم القرار للجيش اللبناني بعد الانفجارِ الذي وَقَعَ خلال محاولة عناصر من فوج الهندسة يرافقهم آخرون من اللواء الخامس معالجة مَخزن ذخائر يعود لـ «حزب الله» في جنوب لبنان ما أدّى إلى سقوط 6 عسكريين تم تشييعهم أمس، وسط عدم تبدُّد الارتيابِ من «قطبة مَخفية» أو «صندوق أسود» لحادثٍ لم تتوانَ وسائل إعلام لبنانية وخصوم لـ «حزب الله» عن اعتبار أن «ساعة توقيته» مضبوطة على قرار سحب السلاح.

وقد تلقى الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون اتصالاً من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قدم خلاله تعازيه «باستشهاد العسكريين الستة في الحادثة الأليمة التي وقعت في وادي زبقين في قضاء صور».

وأبلغ رئيس الجمهورية «وقوف الأردن إلى جانب لبنان وجيشه»، مبدياً استعداد بلاده «لتأمين الدعم اللازم للجيش اللبناني في هذه الفترة الدقيقة لتمكينه من القيام بدوره في حفظ استقرار لبنان وسيادته وسلامة أراضيه».

إيران... إلى قمرة القيادة

- إيران التي تَرَكَتْ مقعد «دَفْعِ المركب من الخلف» وانتقلت إلى «قمرة القيادة» في ما خص مستقبل سلاح «حزب الله»، بتنفيذها «إنزالات» يومية «خَلْف خطوط» الأعراف والقواعد الدبلوماسية، معلنةً بـ «الفم الملآن» أن نزع ترسانة ذراعها الأقوى لن تمرّ وهي في إطار عمليةٍ «متعددة المسار»، تشمل الحشد الشعبي في العراق ولا تنتهي بـ«جسر ترامب» الذي يُراد منه «خنْق» طهران في جنوب القوقاز وفتْح نافذة للأميركيين على حدود «الجمهورية الإسلامية».

وفي هذا السياق جاء كلام أمين المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية علي باقري كني الذي أكّد تعليقاً على «جهود أميركا وإسرائيل لنزع سلاح حزب الله»، أنّ «هذه الجهود لن تفضي لشيء، والمقاومة في لبنان تشكّلت جذورها بسبب العدوان الصّهيوني، وطالما بقي العدوان ستستمر المقاومة»، جازماً «أن محاولة نزع سلاح حزب الله لن تنجح».

وفي الوقت الذي عَكَس كلام المسؤولين الإيرانيين أن القرار بالضغط «على زناد السلاح» أو تسليمه هو في طهران، وأن على المجتمع الدولي، خصوصاً واشنطن، التحدّث معها في ملفّ بات بمثابة «حائط صدّ» أساسي أمام «الإطباق» المتعدد الجبهة عليها كما على مشروعها الذي ينتقل من ضمور إلى آخر، فإن «حزب الله» يبدو مترقباً تاريخ 31 أغسطس، الذي «يربط نزاعاً» معه عبر الاحتجاجات اليومية الليلية، التي يحوطها الجيش بإجراءاتٍ مشددة تمنع تمددها إلى مناطق «حساسة»، والتي يريدها الحزب أن تكون أشبه بـ «تمرينٍ» لِما قد يكون في حال مضت الحكومة نحو ترجمة حصر السلاح وانتقلت إلى وضعية التنفيذ بعد نهاية الشهر.

وفي السياق، تشير معطيات إلى أن الحزب، الذي انسحب وزراؤه ووزراء حركة «أمل» من جلسة إقرار «أهداف براك» من دون أن يَنسحبوا حتى الساعة من الحكومة، يترقّب ما سيقدّمه الجيش في خطته، وهل سيرهن قابليّتها للتطبيق بقبولها من الحزب، بما لا يجرّ البلاد إلى صِدام، أم سيكتفي بوضع الخطة طبقاً لِما طُلب منه وتحت سقف المراحل الواردة في مقترح الموفد الأميركي (تُنتظرعودته إلى بيروت خلال 10 أيام)؟ وهل ستعمد الحكومة، في ضوء إعلان الحزب بالصوت الأعلى «الموت ولا تسليم السلاح» والتلويح بأن السلم الأهلي بات مكشوفاً في ضوء قرارات مجلس الوزراء، إلى تفعيل «زر التنفيذ» أياً تكن العواقب؟

وبحسب المصادر المطلعة، فإن لكل سيناريو «محاكاة» له من «حزب الله» الذي يَعتبر أنه أمام «معركة وجود» هي انعكاس لإعلاء طهران «جرس الإنذار» من أي تمادٍ تجاه سلاحه، ولكن وسط اقتناعٍ بأن خيارات الحزب باتت ضيّقة وكلّها تضعه أمام احتمالاتٍ بالغة الصعوبة، خصوصاً أن أي انجرارٍ للاصطدام بالجيش اللبناني أو تنفيذِ عملية عسكرية، على غرار 7 مايو 2008 وأكثر، لوقف مسار سحب ترسانته ستعني أنه سينزلق إلى «ملعب نار» تريده إسرائيل التي ربما لن تكتفي «بالتفرج عليه» يَغرق في اقتتال داخلي بل قد تستغلّ ذلك لانقضاضٍ جديد يستفيد هذه المرة من سقوط نظام بشار الأسد ووجود جيشها على بُعد نحو 20 كيلومتراً عن المصنع اللبناني (البقاع) وانقطاع «خطوط الإمداد» البري.

نتنياهو... يَنتظر

- أما المنتظِر الثالث لـ 31 أغسطس اللبناني، فهو إسرائيل التي كرّس رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في إطلالته حول غزة حصة للبنان، معلناً «أن حربنا في لبنان ساعدت الحكومة في مَساعي نزع سلاح حزب الله وما يَحدث في هذا البلد حالياً سببه إسرائيل».

وبدا هذا الموقف إشارةً إلى أن تل أبيب ربما لن تقوم بما هو أوسع من العمليات الموْضعية اليومية التي تنفذها ضدّ كوادر من «حزب الله»، في انتظار ما ستقوم به الحكومة اللبنانية، من دون أن يُعرف إذا كان كلام نتنياهو ينطوي أيضاً على «تريّثٍ» لزوم ملاقاة مناخات أميركية وفرنسية تحضّ تل أبيب على إبداء مرونة كافية حيال إمكان التزامها بوقف النار وسائر المندرجات التي تعنيها من مقترح براك (الانسحاب من التلال الخمس وإطلاق الأسرى).