لبنان.. وظائف "الدولار" تطغى على "المهن البريستيجية"

بدّلت الأزمات الاقتصادية في لبنان العديد من المُعادلات والمفاهيم الاجتماعية المُتعارف عليها خصوصاً في عالم الوظائف والأعمال، ولم يُعد السّؤال الأشهر في لبنان "ماذا تعمل؟"، بل أصبح بكلّ بساطة: هل تقبض بالدولار أو الليرة اللبنانية؟

 

قبل الأزمة وتحديداً في نهاية عام 2019، كان اللبنانيّون يتباهون بتحصيلهم الشهادات العليا في مجالات عدّة يحوزوا من خلالها ألقاباً مرموقة في المجتمع كـ"مهندسٍ" و"مصرفيّ" و"طبيب"، و"أستاذ" وغيرها، ويتقاضون رواتب "مُحترمة" مقابل سنوات دراستهم الطّويلة.

 

نجّار"، "منَجِّد"، "حَدّاد"، "كَهربائي"، "مصلِّح أدوات كهربائيّة"، "سمكري"(سباك)، "ميكانيكي سيارات"، "دهّان"، مهن كانت قد اقتربت من الانقراض في لبنان، الا أنها عادت بعد الأزمة الاقتصادية لأنّ مدخول أصحاب هذه المهن، وعددٌ كبير منهم من العمّال الأجانب، أصبح بالدولار على عكس عددٍ كبير من الوظائف الأخرى.

 

يقول محسن محمد (38 سنة) لموقع سكاي نيوز عربية "أنا خريج جامعة عريقة في بيروت، درست التمريض، إلا أنني أبحث عمن يعلمني تصليح السيارات حالياً لأن اختصاصي لا يطعمني الخبز."

 

ويقول عادل وهو رب أسرة في بيروت "أصبح طلب بدل الخدمات المهنية بالدولار من الشروط الأساسيّة تفرض قبيل الشروع في العمل."

 

ويضيف عادل: "على سبيل المثال أصبح فني الكهرباء، يطلب بدل عمله يوميّاً بالدّولار كـ 50 دولاراً مثلاً، وهو ما يوازي حوالي مليون ونصف مليون ليرة، وهو راتبُ شهرٍ كامل للمدرس، أو حتى أساس راتب موظّف في مصرف!

 

"الشّغل مهما كان مش عيب"!

وتقول أم راتب (40 سنة) كثيرةٌ هي الدروس التي نتعلمها من واقع ما نعيشه في لبنان في الوقت الراهن، قد يكون أبرزها أنّ من يسعى لمهنة أو شهادة من أجل "البرستيج" لا يعني أنه سيعيش في بحبوحة".

وتضيف أم راتب: " أحمل شهادة في علوم الأحياء وانا مدرسّة في مدرسة رسمية راتبي لم يعد يكفي لوجبة غداء واحدة في مطعم".

وقالت: "أعتقد أن التّوجيه هو أسمى مادّة يُمكن أن تدرّس في المؤسسات التربوية في مثل هذه الظروف".

وتابعت: "عدت إلى الخياطة، مهنة أمي التي كنت أساعدها فيها أثناء وقت الفراغ، وبدأت أدخر الأموال لأزيد راتبي وأحياناً اتقاضى بدل تصليح الثياب بالدولار".

 

الأولوية للمهن اليدوية

وتقول الأخصائية في علم الاجتماع دارين حلال: "مع تبدل الظروف وبعد ما حلّ بلبنان من أزمات مُختلفة، بات أصحاب الشهادات يعانون بشكلٍ كبير، حتّى فضّل قسمٌ كبيرٌ منهم الهجرة إلى بلدان تُقدَّر فيها الشهادات ماديّاً ومعنوّياً."

وتضيف الأخصائية في حديث لموقع سكاي نيوز عربية "اللاّفت أن مهنة الخياط والسمكري وغيرها من المهن التي تعيد ترتيب الحاجيات الضرورية هي التي تلقى رواجاً في البلاد حالياً فالحاجة أصبحت كبيرة لهذه المهن في وقتٍ يتعذّر فيه على اللبنانيّين شراء أيّ جديد خصوصاً ضمن نطاق حاجات وأساسيّات المنزل أو السيارة، واللّجوء إلى خيار أقرب إلى الواقعيّة هو تصليح الموجود هرباً من دفع الكثير من المال."

وتستطرد حلّال: "من جهة أخرى لم ينتظر أصحاب هذه المهن الضّوء الأخضر لتعديل تسعيرتهم وبدل أتعابهم، فباتوا يطلبون أجرهم بالدّولار أو على سعر الصّرف في السوق الموازية، فضلاً عن أنّ القطع المُستعملة أو المطلوبة في عملية التصليح تُسعَّر بالدولار أيضاً."

 

مهن جديدة

ومقابل هذا الواقع، تضيف حلّال" نمت مهنٌ أخرى، لم تكن تحظى باهتمامٍ كبيرٍ من قِبَل اللبنانيّين وخصوصاً الفئات الشابّة التي اختارت اختصاصات "بريستيج" تُحقّق لها مكانة مُعيّنة في المجتمع، في وقتٍ كان السّوق اللبناني، ولا يزال يعاني من شحٍّ كبيرٍ في مهنٍ قد تُعتبر تقليديّة، ولكنها ضروريّة لضمان استمرارية عجلة الحياة، خصوصاً عندما حلّ الانهيار الاقتصادي بالبلاد.

 

ظاهرة

ويقول أحد العاملين في قسم شؤون الطلاب في إحدى جامعات لبنان الخاصة لموقع سكاي نيوز عربية: "اللافت في هذا العام من خلال الطلبات التي وصلت إلى الجامعة أن آباء الطلاب الجدد يمتهنون مهناً معظمها في مجال الأعمال الحرة والمهن اليدوية والصيانة والتصليح بعيداً عن مهن الطب والهندسة والتعليم".

ويضيف: " تبين أن معظم الأطباء والمهندسين تركوا لبنان، وأن العديد من المهن الأكاديمية لم تعد رواتبها تكفي لدفع الأقساط الجامعية للطلاب نتيجة عدم تقاضي الرواتب بالدولار الكاش".