لبنان يتخوف من تكرار سيناريو "الإشكال النقابي" في الاستحقاق النيابي

كتب طوني بولس في "اندبندنت عربية"، في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية اللبنانية، باتت لنتائج الانتخابات الطلابية والنقابية أبعاد تعكس تغير مزاج الرأي العام ضد المنظومة السياسية التي تحكم البلاد، وباتت الأحزاب السياسية تخشى الخسارة في النقابات والجامعات، لما لها من أثر معنوي سلبي على مؤيديها، ولذلك أصبح كل منها يتبع تكتيكاً خاصاً يجنبها إحراج الخسارة من ناحية، ويعطيها في المقابل المفاعيل المعنوية في حالة الفوز من ناحية أخرى.

 

وكانت لافتة الإشكالات التي طبعت انتخابات نقابة أطباء الأسنان خلال عملية فرز الأصوات، والتي أشعلت فوضى عارمة وسط تضارب بالأيدي وتحطيم صناديق الاقتراع على خلفية شكاوى من عدم شفافية الفرز، ما أدى إلى إلغائها، الأمر الذي أشاع توتراً جدياً في الواقع النقابي عموماً، وفي مختلف النقابات التي ستشهد انتخابات في المرحلة المقبلة. وفتحت المجال للتخوف من تكرار المشهد في المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية، ويكون مؤشراً جدياً إلى إمكانية تطييرها، لا سيما أن الأحزاب الحاكمة مأزومة بشكل كبير، وقد تلجأ إلى تأجيل الانتخابات النيابية بأقل تقدير لحماية وجودها في المجلس النيابي.

 

محاكاة المشهد النيابي

وفي هذا السياق، يرى رئيس جهاز الإعلام في "حزب الكتائب" اللبناني، باتريك ريشا، أن الانتخابات الطلابية والنقابية تشكل معياراً لقياس مزاج الرأي العام وأهوائه، موضحاً أن "هذا الأمر برز في عام 2005 حين أظهرت الانتخابات الطلابية حينها النفس السيادي الرافض للاحتلال السوري، أما اليوم فإن النتائج تعكس معياراً للجو الطامح للتغيير في البلد". أضاف أن "استرداد النقابات من يد المنظومة هو أحد المطالب والخطط التي تضعها المجموعات التغييرية والكتائب أيضاً، لأن الحركة الشعبية موجودة دائماً بيد النقابات التي هيمنت عليها بعض أحزاب المنظومة، وهذا ما نسعى إلى تغييره".

 

وحول أهمية هذه الانتخابات بالنسبة للأحزاب، شدد ريشا على أنها جزء من المجتمع ونسيجه، بالتالي تعتبر الأحزاب الانتخابات النقابية وسيلة لاستقطاب مناصرين ومنضوين جدد، كما أنها مناسبة لتحقيق مشاريعها الاجتماعية والسياسية، خصوصاً النقابات ذات الطابع السياسي، حيث تطمح الأحزاب أن تكون هذه النقابات رأس حربة للدفاع عن الحريات ولترسيخ سياسات اجتماعية.

 

تزوير وفوضى

وحول ما حدث في انتخابات نقابة الأسنان من فوضى واعتداءات على صناديق الاقتراع ما أدى إلى إلغاء نتائجها، يقول ريشا، "كنت موجوداً في مقر اقتراع أطباء الأسنان، وشاهدت ما حدث بأم العين"، وهناك أسباب كثيرة أدت إلى حدوث ذلك، منها سوء التنظيم من قبل النقابة الحالية التي تولت عملية الفرز في القاعة الكبيرة أمام مئات الأشخاص، ولم يتم التدقيق بهوية الذين يدخلون القاعة وإن كانت لديهم صفة تسمح لهم بذلك، كما حدث تأخير كبير بالفرز التقني، فخلال ساعة تم فرز ثلاثة صناديق فقط. وتابع، "شهدت عملية الفرز تخبطاً، إذ تم فتح ملفات، ومن ثم إغلاقها، وإجراء تعديلات في الخانات، عن سوء أو حسن نية لا نعرف".

 

لبنان خسر "القوة الناعمة" ويدفع ثمن "القوة الصلبة"

ويوضح أن عملية الفرز توقفت عند الصندوق الرابع نهائياً، كما تم تسجيل أخطاء عدة، مثلاً في أحد الصناديق صوت 79 طبيباً، إلا أن النتيجة أظهرت قرابة 40 صوتاً فقط، الأمر الذي خلق عدداً من التساؤلات، وعلت الأصوات التي تتهم بحصول تزوير، وتطالب بإلغاء الانتخابات. وبالتزامن، سادت أجواء من الهرج والمرج، واعتدى عدد من الأشخاص على صناديق الاقتراع وعلى الموظفين المكلفين القيام بعملية الفرز على مرأى من شاشات التلفزة، كما أن وجوه المخربين وتصرفاتهم ظاهرة بوضوح من خلال الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيونات.

 

الاحتساب اليدوي

وفي تفاصيل أعمال الشغب وتكسير صناديق الاقتراع، تؤكد معلومات أنه بعد الانتهاء من عملية التصويت وبدء الفرز في الصندوق الخامس من أصل عشرين، اعترض بعض الأطباء على إجراءات الفرز، وحدث تلاسن بين الموجودين في القاعة، ثم عرضت إحدى الطبيبات أن تتم عملية الفرز عبر الاحتساب اليدوي للأصوات، ما زاد حدة التوتر ودفع بثلاثة أشخاص تبين لاحقاً أنهم من غير الأطباء لاستغلال الموقف والهجوم عليها ورمي الأوراق منها.

 

وعندها قرر النقيب المنتهية ولايته روجيه ربيز، إلغاء نتائج التصويت، مؤكداً أنه سيناقش في أسرع وقت ممكن مع مجلس النقابة تحديد موعد جديد للانتخابات بحسب نظامها الداخلي، كاشفاً عن أنه سيدعي على مجهول بسبب ما حصل، آملاً أن تكون كاميرات المراقبة قد وثقت ذلك، وباستطاعتها كشف المعتدين.

 

وعن الحديث عن وجود أشخاص لا ينتمون إلى مهنة طب الأسنان في قاعة الفرز، قال، "لا يمكن ضبط هذا العدد الكبير من الأشخاص في القاعة"، إلا أنه من ناحية ثانية انتقد عديد من الأطباء ما اعتبروه "سوء إدارة النقابة للعملية الانتخابية" من البداية واختيار فريق تقني غير كفء، ما أدى إلى هذه النتيجة غير المستحبة.