المصدر: النهار
الكاتب: باميلا شاهين
الخميس 30 تشرين الأول 2025 18:28:21
حوادث يومية، قتلى بالمئات، وجرحى بالآلاف، غالبيتهم دون سن الـ29. تشهد طرق لبنان ارتفاعاً مستمراً في حوادث السير، إذ سُجِّل في أقل من عام 2673 حادثاً حتى تشرين الأول/أكتوبر 2025، وفق دراسة عرضها الخبير في إدارة السلامة المرورية كامل إبرهيم خلال اجتماع اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، برئاسة وزير الداخلية أحمد الحجار، واطلعت عليها "النهار".
الأزمة ليست جديدة، إنما "تأجيل" الحلول وغضّ النظر عن تطبيق قانون السير، وإهمال سلامة الطرق ووقف المعاينة الميكانيكية، وغياب المدارس الفعلية التي تُعلِّم القيادة وفق معايير عالمية، كلها عوامل أدّت إلى ارتفاع نسبة حوادث المرور وتفاقم المشكلة. لكن وزارة الداخلية التي أعدت الدراسة لمصلحتها تبدو جدية في توفير بعض الحلول العملية المبنية على دراسات وأرقام، فلا تكتفي بإجراءات موضعية وموقتة أثبتت عدم جدواها.
وبحسب البيانات، تتصاعد حوادث السير عاماً بعد عام، إذ ارتفع عددها من 2299 عام 2023 إلى 2359 حادثاً عام 2024، لتصل إلى 2673 حادثاً حتى تشرين الأول/أكتوبر 2025. كذلك ارتفع عدد الجرحى من 2654 إلى 3089، بينما انخفض عدد القتلى تسعة أشخاص فقط، وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة بتزايد الإصابات.
وتشير الأرقام إلى أن شهر أيلول/سبتمبر 2025 سجّل رقماً غير مسبوق في عدد الحوادث، إذ وصل إلى 325 حادثاً، مع زيادة في عدد القتلى بنسبة 25% والجرحى بنسبة 35% مقارنة بالأعوام السابقة.
في هذا العام، لوحِظ أيضاً تزايد كبير في عدد القتلى من مستخدمي الدراجات النارية، إذ ارتفعت نسبتهم من 22% إلى 30%، بينما زاد عدد الجرحى من 27% إلى 37%، ثلثهم من غير اللبنانيين. وتُبرز الإحصاءات أن نحو ثلث القتلى من المشاة، في حين تمثّل الفئة العمرية دون 29 عاماً 38% من القتلى و45% من الجرحى.
الأقضية الأكثر عرضة
أما الطرق الأكثر عرضة للصدامات المرورية فتوزّعت بحسب الأقضية على الشكل الآتي:
بعلبك: سجّلت أعلى نسبة قتلى(9.40%).
بيروت: أعلى نسبة جرحى (14.58%).
المتن: سجّل أعلى نسبة قتلى بين مستخدمي الدراجات النارية (11.82%) .
كسروان والمتن: أعلى نسبة قتلى بين المشاة (9.93%) وأعلى نسبة قتلى في فترات الليل بنسبة 11.53% و9.89%.
ما الحلول المقترحة؟
خلال الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوطنية للسلامة المرورية في 28 تشرين الأول/أكتوبر، طُرحت مجموعة من الحلول للحد من هذه الكارثة، ركّزت على تطوير قواعد البيانات لتحديد مسبّبات الحوادث وتعزيز قدرات القوى الأمنية في هذا المجال، بالإضافة إلى تفعيل تطبيق قانون السير عبر تكثيف الدوريات واستخدام رادارات السرعة، ومكافحة القيادة تحت تأثير الكحول والسرعة الزائدة في فترات الليل، لا سيما في بيروت وكسروان والمتن.
أما على المستوى البلدي، فقد شدّدت اللجنة على دور البلديات واتحادات البلديات في تسجيل جميع الحوادث، حتى الطفيفة منها، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة، واتخاذ إجراءات لتهدئة السرعة داخل النطاق البلدي، فضلاً عن توعية المواطنين على مخاطر الطرق، وتطبيق القانون ضمن نطاقها لتخفيف العبء عن القوى الأمنية.
وعلى المستوى الوزاري، شدّدت اللجنة على التعاون مع وزارة الأشغال لدراسة الطرق الأكثر خطورة واتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان السلامة، بما في ذلك زيادة عدد الجسور المخصّصة للمشاة، وإزالة البلوكات الإسمنتية القاتلة عند المخارج والفواصل، وإغلاق الفتحات الخطرة على الطرق السريعة لتقليل الإصابات.
بين الواقع اللبناني والمعايير العالمية
عام 2023، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو مليوني شخص يموتون سنوياً في العالم بسبب حوادث المرور، كما تُعدّ الإصابات الناتجة منها السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال والشباب الذين تراوح أعمارهم بين 5 و29 عاماً، مع تسجيل 92% من هذه الوفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. لذلك، حدّدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة غايات طموحة لخفض الأعداد الكبيرة من الوفيات والضحايا الناجمة عن صدامات المرور إلى النصف بحلول عام 2030، فبدأت دول متطوّرة باتخاذ المبادرات من خلال مشاريع تنموية لتحسين معايير طرقها.
وانطلاقاً من مفهوم "الرؤية الصفرية" (Vision Zero) الذي أطلقته الحكومة السويدية، لا ينبغي أن يُقتل أي فرد أو أن يعاني إصابة مدى الحياة بسبب حادث مروري. إلا أن الوضع في لبنان ما زال بعيداً كل البعد عن هذه النظرية، على أمل أن تكون الحلول هذه المرة جدّية وقابلة للتطبيق، لتعزيز السلامة المرورية وتقليل فرص الموت على الطرق.