المصدر: الشرق الأوسط
الكاتب: نذير رضا
الاثنين 22 كانون الثاني 2024 07:08:02
منذ الاستهداف الإسرائيلي لمحطة توليد مياه الشفة في بلدة طيرحرفا الحدودية في الجنوب في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم تعرب أي جهة رسمية لبنانية عن استعدادها لإعادة تأهيل المحطة، بينما بادر مكتب دراسات يتعاون مع «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) إلى إجراء الدراسات، وفق ما يقول رئيس بلدية البلدة قاسم حيدر، لافتاً إلى أن المكتب قدّم وعوداً بتمويل الـ«USAID» لإنشائها مرة أخرى، وزيارة الموقع عندما تسمح الأوضاع الأمنية بذلك.
ومحطة طيرحرفا التي دخلت العمل في مطلع عام 2023، ودُمرت في خريفه، تعكس صورة معاناة اللبنانيين مع السلطة التي عجزت عن تأمين الخدمات الأساسية للسكان، ما اضطرهم للجوء إلى المبادرات الفردية والمساعدات الدولية لتأمين مياه الشفة والطاقة الكهربائية لتشغيل محطات الضخّ، كما تعجز الآن عن إعادة تأهيل ما دمره القصف الإسرائيلي في المناطق الحدودية في الجنوب، ولم يجدوا أمامهم إلا اللجوء إلى المساعدات الدولية وفي مقدمتها دول «الاتحاد الأوروبي» و«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» لتحسين الخدمات الأساسية، وتأمين وصول المياه إلى عشرات آلاف السكان، وإدارة مياه الصرف الصحي.
ويقول حيدر إن محطة توليد الكهرباء على الطاقة الشمسية لمحطة ضخ المياه في بلدة طيرحرفا، كانت قبل تدميرها تتألف من 200 لوح طاقة شمسية، ومولتها مساهمات أبناء البلدة، قبل أن يكتشف السكان أن المضخة المثبتة على نبع عين الزرقاء في البلدة، لا تكفي احتياجات السكان، فتبرعت الوحدة الإيطالية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل» بتمويل مضخة أكبر تضخ أكثر من 45 متراً مكعباً بالساعة، ودخلت الخدمة في يوليو (تموز) الماضي، وما لبثت أن تعرضت المضخة كما ألواح الطاقة الشمسية «لتدمير كامل إثر قصف إسرائيلي» في 3 نوفمبر الماضي، ما جعل البلدة الآن بلا مياه ولا كهرباء أيضاً، إثر قصف إسرائيلي أدخل من تبقى من السكان في البلدة في العتمة.
دعم محلي ودولي
ويعاني لبنان منذ عام 2020 من تراجع في التغذية الكهربائية، بالتزامن مع أزمة اقتصادية ومعيشية يرزح تحتها قسم كبير من اللبنانيين، وحالت دون قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية؛ ما دفع السكان للبحث عن بدائل. وبينما يسعى الناس لتوفير بدائل متوافرة «ضمن الإمكانات الفردية»، برز دور التدخل الدولي لتأمين الاحتياجات الأساسية، ومن ضمنها ضخ المياه، وتوفير إمدادات الطاقة لمحطات الضخ، ومعالجة مياه الصرف الصحي، إلى جانب خدمات أخرى مثل إعادة تأهيل مراكز الرعاية الصحية والمدارس وتمكين المعلمين، وغيرها من الأساسيات التي تعجز الدولة عن توفيرها.
وبينما لجأ أبناء القرى إلى جمع التبرعات من المتمكنين مادياً، أسهمت المبادرات الدولية في تمويل مشاريع مشابهة لتوفير مياه الشفة للسكان، خصوصاً في البلدات التي تتخطى فيها هذه التكلفة قدرات السكان المحليين، وذلك ضمن استراتيجية دعم اللبنانيين الذين يعانون جراء الأزمة، والمساهمة في رفع أعباء عنهم في ظل استضافتهم للاجئين سوريين.
ويمثل تأمين الخدمات الأساسية مثل المياه وصيانة محولات الكهرباء ومعالجة الصرف الصحي، جزءاً مهماً من تدخلات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) وبعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان. ووضع برنامج دعم المجتمعات في لبنان «سي إي بي (CSP)» الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، خطة استراتيجية بتمويل يبلغ 100 مليون دولار، يجري تنفيذها بين عامي 2018 و2025 لتوفير مجموعة واسعة من الدعم للمجتمعات الضعيفة، ولتحسين تقديم الخدمات الأساسية، وتعزيز الفرص الاقتصادية، وتحسين سبل العيش في مناطق شمال لبنان وجنوبه والبقاع.
وتشمل التدخلات العاجلة، كما يقول القيمون على البرنامج، إصلاح وإعادة تأهيل البنية التحتية وشراء المعدات مثل خزانات المياه والمولدات والمحولات الكهربائية التي تعمل على تحسين الخدمات الأساسية وتوفير الإغاثة للمجتمعات الضعيفة. أما التدخلات طويلة المدى، فتشمل إدارة النفايات الصلبة القابلة لإعادة التدوير، وإدارة مياه الصرف الصحي، وحلول الطاقة الشمسية، والمعدات الزراعية، ودعم سبل العيش، وتنمية القوى العاملة من خلال تحسين التعليم الفني والمهني لثلاثة قطاعات واعدة وتنمية الروابط المستدامة مع فرص التدريب العملي والوظائف داخل القطاع الخاص.
وتشير بيانات برنامج «سي إس بي (CSP)» الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى تنفيذ أكثر من 100 تدخل للمساعدة البلدية والمجتمعية حتى الآن، ويستفيد منها أكثر من مليون شخص في أكثر من 150 قرية.
ونفّذ البرنامج أكثر من 20 مشروع تركيب ألواح الطاقة الشمسية «لتعزيز توفير الخدمات الأساسية مثل الوصول إلى إمدادات المياه والكهرباء المنزلية وإنارة الشوارع»، كما نفّذ بناء 3 خزانات مياه مرتفعة لضخ مياه الشفة لأكثر من 21 ألف مستفيد، فضلاً عن بناء وإعادة تأهيل 3 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، قادرة على معالجة أكثر من 12 ألف متر مكعب من المياه الآسنة يومياً، إلى جانب مشاريع أخرى لتوفير فرص عمل، ومساعدة المتضررين من انفجار مرفأ بيروت.
أما البرنامج الثاني المختص بتوفير مشروع مياه الشفة وإدارة الصرف الصحي، وهو الممول أيضاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، فتبلغ قيمته 44 مليون دولار وينفذ بين العامين 2021 و2024، ويساعد مرافق المياه في البلاد على التعامل مع هذه المشكلة.
وإلى جانب المساعدات الأميركية، خصصت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، جزءاً من مساعداتها لتوفير مياه الشفة ومعالجة المياه الآسنة أيضاً، وبدأت منذ أغسطس (آب) 2020، دعم مؤسسات المياه من خلال ضمان تشغيل وصيانة جميع مرافق البنية التحتية الرئيسية للمياه في البلاد، وذلك لتوفير الحد الأدنى من الخدمات لغالبية السكان في لبنان.
وتشير بيانات بعثة الاتحاد الأوروبي التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، إلى إصلاح أكثر من 700 موقع لضخ المياه في الفترة من 2020 وحتى نهاية 2022، ما يضمن تغذية لفترة تتراوح بين ساعة وساعتين من المياه يومياً لنحو 500 ألف شخص شهرياً.
وتقول بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، إن هذا التدخل كان أساسياً لضمان الحد الأدنى من جهود الحدّ من انتشار مرض «الكوليرا». وتشير البيانات إلى أنه منذ يونيو (حزيران) 2023، كثف الاتحاد الأوروبي دعمه لاستمرارية تشغيل 11 محطة رئيسية لمعالجة مياه الصرف الصحي في لبنان. وسيجري تقديم هذا الدعم «لقطاعي المياه والصرف الصحي حتى نهاية خطة الوزارة الخمسية لتعافي القطاع (2021 - 2026)».
ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذا الدعم لقطاع المياه فقط (من أغسطس 2020 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2026) نحو 70 مليون يورو (أُنْفِق 35 مليون يورو بالفعل)، كما تتوقع أن تبلغ تكلفة هذا الدعم لقطاع الصرف الصحي فقط (من يونيو (حزيران) 2023 إلى ديسمبر 2026) نحو 50 مليون يورو.
وإضافة إلى هذا الدعم للعمليات، قدم الاتحاد الأوروبي المساعدة الفنية والاستثمارات في البنية التحتية لتحسين أداء مؤسسات المياه، ومن ضمنها جرى تزويد بعض محطات الضخ بالطاقة الشمسية.
وموّل الاتحاد خلال السنوات الثلاث الماضية 22 محطة عاملة بالطاقة الشمسية لاستخراج وضخ المياه في لبنان. وبهدف تأمين الاستمرارية، سيجري تنفيذ مشاريع بنية تحتية عدة تهدف إلى تحسين الأداء، وخفض تكاليف العمليات، بما في ذلك 12 مشروعاً للطاقة الشمسية، بقيمة مالية تقارب الـ30 مليون يورو. كما سيجري تنفيذ مشروع لتحسين إدارة الموارد المائية بتمويل يناهز الـ17 مليون يورو.