المصدر: نداء الوطن
الكاتب: فتات عيّاد
الأربعاء 26 تشرين الثاني 2025 07:21:05
استهدفت إسرائيل عشية الأحد، عمق ضاحية بيروت الجنوبية، بعد أسابيع على المخاوف اللبنانية من تصعيد نطاق الضربات العسكرية، واغتالت الرجل الثاني في "حزب الله" هيثم الطبطبائي.
سبق أن تغنى الأمين العام السابق لـ "حزب الله"، السيد حسن نصرلله، بأن ما أسماها الحزب "حرب إسناد غزة" كانت كلفتها محصورة بأهل الجنوب وبيئة حزب الله، غامزًا من قناة أن الحياة لم تتوقف في بقية المناطق اللبنانية، لكنها سرعان ما توقفت بفعل ضرب إسرائيل عمق العاصمة بيروت مع اشتداد الحرب في حينه.
ومع ضرب الضاحية مجددا، ووضع إسرائيل كل ضرباتها تحت خانة "تدمير بناء ترسانة حزب الله العسكرية"، لم يعد الحديث عن توسع الحرب في لبنان أو شموليتها، بل عن درجات تأثيرها على اللبنانيين "جنوب" و"شمال" الليطاني، وكلفتها ونتائجها عليهم سواء كأفراد أو على الدولة اللبنانية.
فلعل أخطر كلفة يدفعها اللبنانيون "جماعيًا" في الحرب الإسرائيلية اليوم، هو تأجيل قيام الدولة نفسها. ليصبح السؤال: هل تقلب الدولة اللبنانية قواعد اللعبة في العهد الجديد؟
الجنوب يعود لمرحلة ما قبل التحرير!
يمكن قراءة الخوف الجنوبي، من صناديق الدكاكين، في بعض قرى قضاء صور، والتي لا تتجاوز أرباحها 50 دولارًا يوميًا، حيث لا يشتري سكّانها إلّا الخبز من تلك المتاجر، ولسان حالهم "ما حدا بيعرف شو بيصير". فهم لا يسألون إن كانت الحرب آتية، بل إنهم يتكهّنون بتوقيت حصولها. و "مسألة الوقت" هذه، أوقفت حياة الناس هناك بشكل شبه كلّي.
كلّما تعمّقت جنوبًا، استذكرت - لا سيّما إن كنت ممّن عاصروا الجنوب في مرحلة الأعوام 1986-2000 ما قبل التحرير- تلك المرحلة. فوصولًا إلى قرى الشريط الحدودي، منطقة لم تحرق إسرائيل محاصيلها وحسب، بل أحرقت فيها الحياة نفسها، ووحدهم كبار السن صامدون، لأنه لا سبيل لهم للعيش إلّا في قراهم، لكنه عيش تحت سقف احتلال وحرب.
في توصيفها حياة أهلها في حولا، تقول الاختصاصية الاجتماعية رنا غنوي: "هي حياة تحت الاحتلال بكل معنى الكلمة، منزلي لا أستطيع معاينته، بعد أن بات الطريق إليه تحت سيطرة الإسرائيلي قرب موقع العباد، وكمية الرصاص التي عاينتها في باحته، دليل على أي مخاطرة تنتظرني إذا قررت زيارته مجددًا".
الرعب ليس في طريق المنزل "غير المعبّد" اليوم أمام صاحبته، ابنة الأرض، وحسب، بل بمجرّد السكن في بلدة حولا. "ابن مرا بيسترجي يضهر بعد الساعة خمسة بعد الظهر من البيت"، تقول رنا، التي تعيش حالة قلق مستمر على أهلها الصامدين في حولا.
فكبار السن مجبرون، على مواجهة ظروف حرب علنية غير خفية، تضاف إليها شروط الانهيار اللبناني الذي عمّقته الحرب: لا كهرباء إلّا لمن لديهم طاقة شمسية، ولا ماء مع تعطّل شبكة المياه، والمدارس شبه خالية من الطلاب كما القرى شبه خالية من أهلها.
لكن الوضع الأمني أكثر صعوبة من الوضع "اللبناني" الهش بخدمات منقطعة. في السياق، تروي غنوي كيف تعطلت ماكينة الأوكسجين عن خالتها، فأُبلغ الجيش و "اليونيفل" بمجيء سيارة إسعاف من تبنين تنقلها من بلدة حولا، وتسأل: مين الجريء اللي بيقطع وادي السلوقي ليلًا بلا إذن؟ كلّ هذا في ظلّ غياب آليات الصمود البديهية: لا مستوصفات للدولة، لا مخافر، وتشويش على الاتصالات، عدا عن اضطرار أهلها قطع مسافة 4 كيلومترات لجلب الخضار وقوت يومهم.
"بموت رعب ع أهلي بالليل"، تقول رنا، وهي من سكان كفررمان-النبطية، وعملها في صيدا، وتصبح معاناتها مزدوجة كأم، إذ "أعود عند الثالثة والنصف من بعد الظهر لجلب الأولاد من المدرسة، "ولا مرّة بوصل وضربات قلبي طبيعية، لا بل إنني صرت أربط يوم الخميس بالغارات الحربية".
التهجير بات واقعًا، وحدهم من لا يستطيعون الانتقال من كبار السن بقوا في قراهم. الناس نقلوا أشغالهم خارج المنطقة الحدودية: بدءًا ببائع الخضار وصولًا للمزارع الذي يمتلك رخصة زراعة التبغ، حيث انتقل عدد كبير منهم لقرى قضاءي صيدا وصور، ليستأجر أراضي ويستقرّ فيها. أساتذة متعاقدون وثابتون، استقرّوا في جبل لبنان حيث فرزتهم وزارة التربية في مدارس فيها، بل وحتى بعض سكان الضاحية ممّن استأجروا خارجها في الحرب منذ قرابة العام، لم يعودوا إليها إلى اليوم، فيما هناك شقق استؤجرت منذ قرابة الشهر احتياطيًا، تحسّبًا للاحتياج إليها مع تصاعد نطاق الضربات الإسرائيلية.
اقتصاد الجنوب بجزء كبير منه، ضرب اليوم بضربات إسرائيلية أو بفعل التهجير وغياب الاستقرار الأمني: كاقتصاد المفروشات واقتصاد الشاليهات الذي انتعش في السنوات الأخيرة قبل الحرب، فبات التهجير واقعًا، أما من بقي، فحضر "شنطة" الطوارئ، بانتظار فصل جديد من التهجير القسريّ.
المكابرة لا تلغي الخوف
الكاتب والناشط السياسي، محمد عثمان، الذي لم يترك منزله في بعلبك خلال الحرب، لا يخفي أننا "نعيش في دوّامة خوف لم تتوقف منذ 8 أكتوبر إلى اليوم: خوف على المستقبل، وخوف من تجدّد العنف، على وقع أصوات المسيّرات، ونسأل: هل تعود روائح الدم والبارود؟ وإلى متى سنبقى منساقين إلى مصائرنا المجهولة؟". وعن حالة صمت جزء كبير من البيئة الشيعية، يعلّق عثمان: "الجميع خائف، لكن حالة النكران تمنع الإقرار بذلك، خشية من أن يكون إعلان الخوف إعلانًا للهزيمة، على قاعدة أننا دائمًا منتصرون، عدا الخوف من عدم تعويض "حزب اللّه" للمنازل المتضرّرة، فلا أهلها قادرون على الاستمرار بترداد شعار رد "حزب اللّه" على إسرائيل، ولا هم قادرون على المطالبة علانية بحصر السلاح بيد الدولة".
الحرب حربان على الشيعة
الحرب حربان على المعارضين لـ "حزب اللّه" ضمن البيئة الشيعية، نسأل الناشط السياسي محمود شعيب، الذي تعرّض للتهديد مرارًا ومؤخرًا طوّق بيته، عن هذا الواقع، ليعلّق بالقول :"تمّ الاستقواء على زوجتي وبنتين صغيرتين، بعد ممارسات طويلة بالتحريض على قتلي، والحرب على أصحاب الرأي الحرّ، من لديهم رأي مخالف لحزب إيران في لبنان ويرفضون استعمال شيعة لبنان وقودًا لمشاريع إيرانية، لديهم خوفان: خوف من تجدّد الحرب، وخوف من حزب إيران ومرتزقته، وجديدهم كتيبة نساء ترسل الشتائم لمعارضي الحزب. من هنا، نطالب، بل ونصرّ على دخول الجيش اللبناني شمال الليطاني لضبط الأمن من جهة، ومنع تجدّد الحرب من جهة ثانية. فالجنوبيون باتوا على قناعة بأن إيران ورّطتهم بالحرب، ليكونوا خط دفاع أول عن سياسة طهران، وتيقنوا بأن السلاح بات عبئًا عليهم وهم يطالبون بالسلام"، مميزًا بين السلام كحالة عدم قتال والتطبيع المرفوض مع إسرائيل.
اللبنانيون يقلّصون مشاريعهم
اكتسب اللبناني مؤخرًا عادة استسهال التأجيل بحجّة الظروف القاهرة، وهو ما يضرب مبدأ الالتزام، ويطيح بانتظام الأعمال والمشاريع، تقول هالة رمضان، مؤسسة فرقة بيكار بيروت الموسيقية، مضيفة :"الظروف القاهرة في لبنان لا تنتهي".
في أكاديمية بيكار للتعليم الموسيقي مثلًا، تلامذة قد يعتذرون عن المجيء للحصة التعليمية عند أي خضة سياسية خشية من "تطوّرها في الشارع". و "العزوف" قد يصل للانكفاء عن التسجيل "خشية من الحرب". هكذا تصبح الحرب متحكّمة في قرارات اللبنانيين وسياسات صرفهم الماليّ، لتعطل مسار حياتهم، تحت شعار "تأجيل" الحياة نفسها.
وليس الطلّاب أو أهلهم يحسبون لطبول الحرب حسابًا، تقول رمضان، "فنحن كموسيقيين بدنا نعمل فن ونعطي طاقة إيجابية، ونحن أنفسنا نتعرض للتوتر وخشية توسع الحرب، ونتدرب على حفلاتنا الموسيقية على وقع صوت الـMK".
ضريبة الحرب النفسية هذه، وصلت لتأجيل المشاريع الفنية الذي اختبرته رمضان إبّان تصعيد إسرائيل وإيران العسكريّ. إذ "كنا نحضر أمسية للفرح والأمل منذ قرابة العام في بيروت، ونشرع في دفع عربون الحفل، فحصلت الضربات الإسرائيلية-الإيرانية، ليقترح علينا مموّلو الحفل تأجيله نظرًا لضبابية المشهد، وعدم القدرة على حسم أسئلة بلا أجوبة، على غرار "هل تنتهي الضربات في موعد الحفل؟".
ما زلنا لليوم نسمع كلمات مثل، "أجلوا حفلكم لبعد رأس السنة..."، فاللااستقرار اللبناني سيّد الموقف، تقول رمضان، لكن "لا بدّ للحياة أن تستمر، مع تقليل الخسائر، من هنا توجّهنا للتخطيط على المدى القصير لا البعيد، فاستعضنا عن الحفل السنوي الضخم، بسلسلة أمسيات موسيقية صغيرة، نجريها شهريًا، فالفن هو الأوكسجين الذي يجعلنا نتحمّل الظروف الصعبة في لبنان، والتأجيل يعني الإحباط وممنوع الاستسلام له".
ماذا عن إحباط الدولة اللبنانية؟
كل يوم هناك تدمير وقصف وقتل، إن لم تكن هذه حربًا فما هي الحرب؟ يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، جورج نادر، مستخلصًا أننا نعيش حالة حرب غير معلنة. وبالتحليل، يرى نادر أن من مصلحة إسرائيل و "حزب اللّه" معًا، زيادة وتيرة هذه الحرب، التي قد لا تتحوّل بالضرورة إلى حرب شاملة، فتبقي على ضرب أهداف لم تضرب قبلًا، على غرار ضربة اغتيال الطبطبائي في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويعزو نادر عدم إعلان الحرب الشاملة، إلى موقف إسرائيل المحرج دوليًا، ما يجعلها تكتفي بإعلان "ضربات عسكرية". أمّا "حزب اللّه" من جهته، فيشير نادر إلى سقوط فكرة قتال إسرائيل من قاموسه، وتجييشه قدراته العسكرية للداخل، بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
والمثال الصارخ الأبرز، الذي يضربه نادر، هو حادثة صخرة الروشة. فرغم قرار محافظ بيروت مروان عبود وتعميم رئيس الحكومة نواف سلام، سجل "الحزب" نقطة لصالحه فأضاء الروشة بصورة أمينه العام السابق، السيد حسن نصراللّه ليقول إنه ممسك بالقرار السياسي في لبنان، تزامنًا مع إعلانه الدائم عن رفض تسليم السلاح، ورسالته في هذا الشأن للرئاسات الثلاث.
من هنا، يرى نادر "أن أولوية تركيزنا اليوم، وجب أن تكون على نتائج الحرب الواقعة والمعاشة فعلًا، فالأميركي يتعامل مع القوي، وقوة "حزب اللّه" بضعف خصومه وليس بسلاحه"، غامزًا من قناة سعي "حزب اللّه" إلى مؤتمر تأسيسي، مذكّرًا في الوقت نفسه بأننا أساسًا لم نطبق نظامنا الحالي كي نغيّره.
وفي سياق تداعيات الحرب، يفند نادر 3 فرضيات للحل اليوم: "الحل الأمثل وهو اقتناع "الحزب" بأنه فقد وظيفته الإقليمية كميليشيا مسلّحة، ليسلّم سلاحه رأفة بلبنان، ما يسحب فتيل أي عذر بيد إسرائيل، ويجعلها بمواجهة جيش لبنان النظامي ودولة عضو في الأمم المتحدة. والحل الثاني الأقل سوءًا، وهو أن تتصدّى الدولة اللبنانية بدورها وتحزم أمرها، وتكمل خطة حصر السلاح بيدها وحدها، الحلّ الثالث الأكثر سوءًا، وهو الحل الإسرائيلي المدمر"، الذي يحذر نادر من مغبّته، وهو أن يقوم الإسرائيلي بتدمير ترسانة "الحزب" العسكرية بالكامل، وهو حل "بالشروط الإسرائيلية"، وإسرائيل لن تتوانى آنذاك عن استغلال نتيجة حصر سلاح "الحزب"، لصالحها هي، كفرض مساحة جغرافية خالية من السكان جنوبًا وستكون كلفة عجز الدولة اللبنانية عن فرض إيقاعها آنذاك قاسية.
للتخطيط على المدى القصير
الأخصائية الاجتماعية والنفسية لانا قصقص، ترى أن ما يعيشه اللبنانيون اليوم، يعتبر حربًا نفسية إلى حد كبير، في علم النفس السياسي: فالتهديدات والتصريحات والضربات العسكرية، وصوت المسيّرات... تفقد الناس الشعور بالأمان، ويزيد من التعقيد أن الإحساس بالحرب هو مزيج بين واقع أمني حقيقي ومناخ تهديد مستمرّ بتوسع الحرب، وصعوبة التفريق بين الخطر الحقيقي والخطر المتوقع، تضع اللبناني ضمن حالة نسميها hypervigilance أو اليقظة المفرطة والاستنفار الدائم، ما يجعله دائم التوتر، ويولّد لديه إحساسًا بغياب الروتين الطبيعي وباللااستقرار.
أمّا الانعكاسات النفسية، فتتمحور بين نمط فردي ونمط جماعي: حالة قلق عام، توتر دائم، ضعف التركيز، صعوبات النوم، الغضب، غياب الشعور بالأمان، الخوف من مستقبل ضبابي، والتفكير القهري بالهجرة والهروب من البلد، وصولًا للاحتراق الوظيفي وضعف الإنتاجية... وهو ما يتحوّل لنمط جماعي، على شكل آليات دفاعية، كالسهر تحت شعار "حب الحياة"، الذي يشتري من خلاله اللبناني استهلاكيًا، "متعة موقتة" لإنكار الواقع والهرب منه أو تخدير القلق.
وبما أن حياة اللبناني قبل الحرب لم تكن إلّا تراكمًا للأزمات التي أضيفت إليها الحرب وهاجس توسّعها، فهذا التراكم الذي نسميه في علم النفس "وعاء القلق"، عندما يفيض، يؤدّي لاستنزاف نظام التحمل لدى الأفراد، كما قد يؤدي عند البعض إلى اضطراب ما بعد الصدمة.
نسأل قصقص عن عدم اليقين المزمن حول المستقبل اللبناني، فتجيب "بأن عدم اليقين بلا شك يضعف قدرتنا على التخطيط الطويل الأمد، ويجعلنا نؤجل قراراتنا أو نأخذ قرارات متسرّعة، ونبحث عن هجرة وفرص عمل في الخارج"، منوّهة إلى أنه في الحياة اللبنانية، ليس أمرًا طارئًا بل تضاعف بشكل أكبر، مع تصاعد تهديدات الحرب.
ومن الحلول المقترحة للمواجهة، تحضير حقيبة فيها الأغراض الملحة، كجواز السفر، لنشعر بالسيطرة على الوضع قدر الإمكان وبأننا مستعدون لمواجهة تصاعد الحرب، والانكباب على وضع أهداف يومية قصيرة المدى ضمن دائرة سيطرتنا (من أسبوع لعام)، لعجزنا عن وضع أهداف بعيدة المدى (أعوام) أمام مشهد ضبابيّ، لا نستطيع السيطرة عليه، بغية ضمان أماننا النفسيّ.
هل يولّد الإحباط أملًا؟
وللمغتربين الذين يعوّل عليهم كجزء من عملية التغيير، حصّة من اللااستقرار أيضًا، فضبابية عملية انتخابهم، أثرت على مشاركتهم في التسجيل للانتخاب. في السياق، تتحدث قصقص عن "العجز المتعلَّم أو المكتسب learned helplessness تحت شعار أننا "نحن شو ما عملنا ما رح نغير شي"، مع غياب الحافز للإقدام على أي خطوة جدية، إضافة لعامل آخر، هو المسافة النفسية التي بناها المغترب مع البلد، إذ بنى استقرارًا نسبيًا في الخارج وبدأ يخطط هناك للمستقبل، ما جعل تعلّقه العاطفي بلبنان يستثمر عائليًا، ولم يعد يستثمره بالمعنى السياسي".
الكاتبة والناشطة السياسية، د. منى فياض بدورها، تعيد تصويب المعاناة اللبنانية المزدوجة: "فهي كانت قبل الحرب الإسرائيلية، وحتى لو تمّ حصر السلاح بيد الدولة اليوم، وانتهت حالة سلاح "حزب اللّه"، وتوقفت الحرب الإسرائيلية، لن تزول المعاناة بشكل كامل، إن لم يعالج الانهيار اللبناني، ويستردّ المودعون أموالهم، ويبدأ بناء الدولة، وهو ما يتضح بمطالبة المجتمع الدولي لبنان ليس بحصر السلاح وحسب، بل أيضًا بالإصلاحات المالية والاقتصادية".
فروقات تحدّيات الحرب تختلف بين منطقة وأخرى، لكننا جميعنا برأي فياض "لدينا نفس المعاناة، نفس القلق، وعدم الثقة بالمستقبل، وهو قلق وجوديّ أوصلنا لحالة من اللامبالاة القاتلة التي قال فيها الفنان Gilbert Bécaud، في أغنيته L'indifférence: L'indifférence, elle te tue à petit coup، أو بما معناه، اللامبالاة تقتلنا ببطء".
أمّا المرونة resilience التي يتغنى بها اللبنانيون ونجحوا بها على مستويات فردية، فترى فياض أنهم في المقابل عجزوا عن تحويلها لمرونة مجتمعية بناءة، إذ لا تغيير بمعنى التنظيم السياسي بل هناك إحباط وتراكم إحباط وانتحار جماعي، فيما الأمل بالجيل الجديد وحده.
بانتظار استئناف الحياة... والدولة
وإذ كتب هذا المقال، وقد يُقرأ أيضًا على صوت مسيّرة إسرائيلية، فإن "مشروع الحياة" نفسه متوقف على صعيد الأفراد في لبنان، الذي يرصده علم النفس في كوابيسهم وتوقهم للهجرة، أما "مشروع الدولة" فمجمد كالعرض العسكري للاستقلال. فيما عملية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية التي يؤكدها الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام، جنوب الليطاني وشماله، وحدها القادرة على تغيير قواعد اللعبة بشروط لبنانية في العهد الجديد، لتنقل لبنان من حالة "اللااستقرار"، إلى حالة الأمل ببناء دولة.