المصدر: المدن
الكاتب: طارق الحجيري
الخميس 14 آب 2025 01:59:54
يشهد لبنان منذ مطلع الأسبوع موجة حر استثنائية، تشتد في منطقة البقاع، حيث ارتفعت الحرارة إلى مستويات قياسية تجاوزت الـ 42 درجة مئوية في عدد من مدنه وبلداته، ما جعل الحياة اليومية أشبه بصراعٍ مع الشمس وحَرِّها، أرهق البشر والأرض معًا.
وبحسب مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية، سجلت بعلبك 41 درجة مئوية. وفي الهرمل وصلت إلى 44 درجة. وأمّا في زحلة فلامست الحرارة 47 درجة، وهي من أعلى المعدلات خلال العقد الأخير. وترافقت هذه الموجة مع رياح ساخنة وجفاف حاد، فازدادت معدلات التبخر، واشتعلت الحرائق في الأعشاب اليابسة على أطراف بعض القرى.
مناخ يتغير بسرعة
هذه الموجة ليست حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة ظواهر مناخية متطرفة تضرب المنطقة في السنوات الأخيرة، في انعكاس مباشر لتسارع وتيرة تغيّر المناخ عالميًا، نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض والاحتباس الحراري.
ويشرح المهندس البيئي زياد أبي شاكر، أن أسباب موجة الحر الحالية ناجمة عن ارتفاع الضغط الجوي، في مرتفعات في نقطة ما فوق الأرض، ما يمنع تَشكّل الغيوم كواقٍ، وهذا يسمح بوصول أشعة الشمس بدرجة أعلى، ونتيجته تكون ارتفاع الحرارة بشكل غير معهود.
ويؤكد أبي شاكر "أنّ أضرار الموجة آنية، بمعنى أنه لا يمكننا الحديث عن ضرر مستقبلي، لكونها تمتد لثمانية أيام فقط. أما الضرر المباشر فيلحق بالمزروعات التي تستوجب الري أكثر، كما تتسبب في اشتعال الحرائق بشكلٍ أكبر، ما يتطلب وعياً أعلى وإرشادات يومية للمواطنين، في الوقاية والحماية".
تلف المزروعات
"لا نستطيع العمل بعد التاسعة صباحًا، حرارة الشمس لا تُحتمَل، تحرق الأرض كما تحرق أجسادنا". يقول المزارع أبو أحمد الأطرش في مشاريع القاع. ويضيف في حديث إلى "المدن" إنَّ محصول البندورة والفليلفة بدأ يذبل قبل أوانه بسبب الحرارة المرتفعة ونقص المياه.
بدوره المهندس غازي ناصر الدين، رئيس مصلحة الزراعة في الهرمل، أوضح أنَّ المواسم الزراعية خصوصًا الخضروات والبطاطا، تتعرض لضغوط متزايدة. فالحرارة المرتفعة تسرّع نضوج المحاصيل، قبل وقتها وقبل اكتمال حجمها، ما يزيد من احتمالات خسائر المزارعين.
ويشير إلى أن استمرار هذه الظروف لأيام إضافية قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج بنسبة تتجاوز 30 بالمئة في بعض المحاصيل. أمّا موسم الزيتون فتعرّض لضررٍ كبير سيظهر لاحقًا. وعن احتمالات التدّخل الإغاثي لوزارة الزراعة، أشار إلى أن الموضوع عند الوزير والحكومة وليس عندنا كمصلحة زراعية.
الكهرباء والماء.. أزمة مضاعفة
تزامنت موجة الحر مع انقطاع شبه متواصل للكهرباء، ما حرم الأهالي من تشغيل المراوح والمكيفات. وأما محطات ضخ المياه فتعجز عن توفير الكميات المطلوبة بالوتيرة نفسها، وسط استهلاك مضاعف في القرى البقاعية سواء لري المزروعات، أو الشرب والاستهلاك المنزلي، كما يؤكد سكان المنطقة.
وسجّلت مستشفيات المنطقة ومراكزها الصحية، ارتفاعًا في حالات الجفاف وضربات الشمس، ناتجة معظمها عن موجة الحر، كذلك بعض الحالات العصبية والإسهال والغثيان وتشنجات العنق والحرارة المرتفعة وفقدان الوعي أحياناً. وأكدت مصادر في وزارة الصحة قدرة مستشفيات المنطقة على التعامل مع هذه الحالات، دون أي طارئ استثنائي.
من جهتها المديرية العامة للدفاع المدني، دعت في بيان لها المواطنين إلى الإكثار من شرب الماء، وتجنب الشمس في ساعات الذروة، وارتداء ملابس فاتحة، ومراقبة علامات الإجهاد الحراري.
كما شددت على عدم إشعال النار في الأعشاب اليابسة، وحرق النفايات، والإبلاغ عن أي حريق فورًا. وخلال الأمطار الغزيرة، قبل يومين، نصحت بتوخي الحذر على الطرق والابتعاد عن مجاري السيول.
بدورها عممت وزارة البيئة بعض الإرشادات الخاصة بموجة الحر داعية السكان إلى التنبه لها. وكذلك أصدرت البلديات بيانات تحذيرية، دعت فيها السكان إلى اتباع الارشادات الصادرة عن الدفاع المدني والجهات المختصة. وطالبت وزارة الصحة والدفاع المدني بزيادة الجهوزية في المستشفيات والمراكز الصحية، وتجهيز سيارات الإسعاف والإطفاء لمواجهة أي طارئ.