المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
الجمعة 5 أيلول 2025 07:11:13
لطالما كان الجيش اللبناني، خلافاً لكل الجيوش العربية المختلفة الطبيعة والوظيفة والدور والتأثير لكونها غالباً جيوش الأنظمة، المؤسسة الوحيدة في لبنان التي تحظى بتعاطف اللبنانيين واحترامهم حتى في حقبات ضعفه وأزمانها تحت وطأة التجارب التي عصفت به وبلبنان.
أشد ما نال من هيبته وواقعه كنقطة إجماع ورهان على كونه خشبة خلاص لبنان كان في مطالع حرب السنتين، أي في عامي 1975 و1976، حين اعتملت الانقسامات الطائفية الأهلية على وقع الحرب اللبنانية - الفلسطينية التي كانت شرارة حرب لبنان، ولم ينج الجيش للمرة الأولى منذ نشأته من نار الانقسام الطائفي، فراح يتشظى بين بيروت المنقسمة شرقية مسيحية وغربية إسلامية وبين ألوية عسكرية متطيفة التحقت بمناطقها تحت هيمنة أمراء الميليشيات.
ورغم عودة الرهان على وحدة الجيش بعد فجر الطائف، فإن الاعتلال في النظرة إليه ظل مهيمناً بقوة أيام الوصاية السورية، وخصوصاً أن المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة معسكر المناهضين للوصاية اخترقت بأبشع الاختراقات، يوم إسقاط حكومة ميشال عون العسكرية في عملية سورية دموية شكل فيها إميل لحود والجيش - المؤتمِر بإمرته يومذاك - الستار الشكلي الساقط للغزو السوري للقصر الجمهوري والمناطق المحيطة ببعبدا وبعض ضواحي بيروت الشرقية.
بدأت عملية استعادة الثقة الخالصة بالجيش داخلياً يوم اندلعت معركة نهر البارد، ومن بعدها حين تمادت اهتزازات الداخل الخطيرة وسط انقسام معسكري قوى 14 وقوى 8 آذار. وعلى رغم الدم الذي سال في عملية اجتياح "حزب الله" لبيروت الغربية "السنية" في 7 أيار 2008، فإن ذلك لم يشكل ضربة قاصمة للجيش ولو أنه ترك بصمة صادمة حينذاك في نفوس كثير من اللبنانيين.
مفاد هذه الوقائع التي يتعين استذكارها عشية جلسة أخرى توصف بأنها تاريخيّة سيعقدها مجلس الوزراء اللبناني اليوم الجمعة في الخامس من أيلول، أن السلطة السياسية الشرعية مدعوة لأخذ العبر التي تحفر عميقاً في تجارب لبنان وأزماته، حين تقدم على المصادقة على خطة قيادة الجيش اللبناني الآيلة إلى سحب وتجميع ونزع كل سلاح غير شرعي ونزعه وتجميعه، ولا سيما منه تحديداً سلاح "حزب الله" الذي شكل طوال أكثر من ثلاثة عقود أحد أكبر الموانع أمام أحادية سلاح الجيش اللبناني وحصريته، بل تغوّل على سلاح الدولة وصادر منها قرار الحرب والسلم.
ما يتعين تذكره على السلطة السياسية من جهة وفريق الثنائي الشيعي الرافض قرار حصرية السلاح بيد الدولة من جهة ثانية، أن استباحة لبنان للحرب بشقيها، الحرب الأهلية وحرب الآخرين على أرض لبنان، كما استباحته للاحتلالات والوصايات وتحويله أرضاً سائبة لتنفس صراعات الدول ومصالحها، كان سببه الجوهري البنيوي الأول والأساسي كف يد الجيش اللبناني وتحييده عن قمع مطالع الحرب بزعم الخوف من انقسامه، في حين كانت آنذاك ثمة مخاوف على الفلسطينيين من جهات لبنانية تجاوزت أهمية دفن الفتنة في مهدها. ظلت وتيرة رفض نشر الجيش لقمع السلاح المتفلت معاندة حتى انفجر لبنان كله ومن ثم انقسم الجيش بعد شله.
اختلفت طبعاً الظروف الداخلية والخارجية وبات الجيش اللبناني الآن المؤسسة التي لا إجماع داخلياً وخارجياً يضاهي النظرة إليها والآمال والتطلعات المعلقة عليها. وحين سينعقد مجلس الوزراء اللبناني الجمعة لإقرار خطة قيادة الجيش، سيتعين عليه أن يلفظ مرة واحدة وللتاريخ، تلك التجربة الكارثية بما يوازي خطوة تاريخيّة معاكسة لأنها فعلاً لحظة الحقيقة للبنان والجيش والدولة. وكفى اللبنانيين ثلاثيات ورباعيات وشعارات كانت تشكل مؤامرات مبطنة على الجيش.