المصدر: المدن
الكاتب: جنى الدهيبي
الثلاثاء 20 شباط 2024 11:55:21
مرّ عام على الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، والذي وصلت ارتداداته إلى لبنان، ولا سيما في طرابلس، حيث آلاف الأبنية القديمة مهددة بالانهيار في أي لحظة.
في طرابلس القديمة، وتحديدًا في أحياء ومناطق ما يعرف بـ"طرابلس النهرية"، وهي تطل على نهر "أبو علي" الذي شهد أعنف فيضان سنة 1955، تضمر المباني قصص تاريخ من الكوارث والحروب والزلازل. وذلك عبر تشققات الأبنية المتراصة فوق بعضها البعض، وانهياراتها الجزئية، وآثار الرصاص والقذائف على جدرانها.
ومنذ عقود، لا تستجيب الدولة بمؤسساتها المعنية لكل نداءات أهالي طرابلس في هذه الأبنية الهشة، وهم من الأسر الأكثر فقرًا، خصوصًا أن حوادث الانهيارات تتوالى وتهدد حياتهم. وحتى قبل زلزال تركيا العام الماضي، لم ينس هؤلاء سقوط سقف مبنى قديم في إحدى مدارس جبل محسن، تسبب بقتل طالبة داخل صفها، وكذلك سقوط مبنى سكني على رأس طفلة أدى إلى مقتلها في منطقة "ضهر المغر"، وغيرها من الحوادث.
ناقوس الخطر
وفي تقرير تحت عنوان ""لسنا بأمان هنا.. الحكومة تخذل سكان المباني الآيلة للسقوط في طرابلس"، صدر عن منظمة العفو الدولية اليوم الثلاثاء 20 شباط، تعلن فيه: "بعد مرور عام على الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا في شباط 2023، والتي شعر بها لبنان بشدة، لا يزال الناس في طرابلس يعيشون في منازل معرضة لخطر الانهيار، على الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة في أعقاب الزلازل. لقد تواصل سكّان هذه البيوت مع السلطات المحلية لطلب الدعم، لكنهم لم يتلقوا سوى "إنذارات بالإخلاء"".
ومن خلال مسحها، أكدت المنظمة على ما هو معروف في طرابلس، بأن آلاف الأشخاص في مدينة طرابلس يعيشون في أبنية غير آمنة، تشكل خطرًا على حقهم في سكن لائق وحقهم في الحياة، وسط لامبالاة الحكومة، بعد مضي أكثر من سنة على وقوع الزلازل المدمرة التي هدّمت أجزاء واسعة من تركيا وسوريا والحقت أضرارًا بأبنية في لبنان.
وبيّن تقرير المنظمة بأنه حتى قبل وقوع الزلازل، كان السكان في طرابلس قد دقوا ناقوس الخطر بشأن حالة مساكنهم المروّعة، والناجمة عن عقود من الإهمال، وعدم تقيّد المقاولين بأنظمة السلامة..
ألف مبنى
وقالت سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية، إن "الحكومة اللبنانية لم تتحمل مسؤوليتها في حماية الحق بالسكن الآمن. فلم تُعدّ خطة واضحة لإصلاح الأبنية المتضررة، ولم تُبدِ حرصًا جديًا على تقديم الدعم للسكان، ومن ضمن ذلك التعويض والسكن البديل". يأتي ذلك، على الرغم من أن المسوح الميدانية البلدية، الجزئية وغير المكتملة، أوضحت أن الأبنية غير آمنة بالفعل ويمكن أن تنهار في أي لحظة.
ففي الأشهر الستة الأخيرة وحدها، قُتل ثمانية أشخاص في لبنان بعد انهيار الأبنية التي يسكنون فيها، وفق رصد المنظمة. آخرها، كان قبل أيام في 11 شباط 2024، حيث انهار مبنى مؤلف من خمسة طوابق في الشويفات جنوبي بيروت. وقد بدأ المبنى بالاهتزاز لمدة 15 دقيقة قبل أن ينهار، ما منح السكان وقتًا لإخلائه على عجل.
وفي مسح ميداني أُجري عام 2022، خلصت بلدية طرابلس إلى أن هناك 236 مبنى مهددًا بالانهيار. وفي آب 2023، بعد مرور ستة أشهر على وقوع الزلزال، قالت البلدية إنها حددت 800-1000 مبنى مهدد، وهذا أعلى بأربعة أضعاف من عددها قبل وقوع الزلازل.
وفي هذا الإطار، قام باحثون من منظمة العفو الدولية بزيارات ميدانية إلى أحياء التل والزاهرية والسوق القديمة والقبة، وضهر المغرّ في طرابلس في نيسان 2023، وأجروا مقابلات مع 13 عائلة تعيش في أبنية صنّفتها البلدية المحلية بأنها معرّضة لخطر الانهيار. كما قابلوا ممثلين عن الحكومة والبلدية، وكذلك مع ممثلين عن منظمات مجتمع مدني ناشطة في مجال الحق بالسكن.
وبعد مرور سنة، قال جميع هؤلاء السكان بأنهم واصلوا العيش في منازل تعرّضت لأضرار جسيمة، لأنهم غير قادرين على تحمُّل تكلفة إصلاحها أو إيجاد مساكن بديلة. وأشارت المنظمة إلى أن الحكومة لم تُكمل المسح الميداني للمباني غير الآمنة، وكان شخص واحد فقط أجرت منظمة العفو الدولية مقابلة معه على علم ببدل الإيواء البالغ ثلاثين مليون ليرة (حوالى 320 دولارًا أميركيًا). وهو مبلغ كان الحكومة قد حددته العام الماضي عقب الزلزال، "كبدل إيواء" للأشخاص الذين يعيشون في أبنية غير آمنة لتغطية بدل الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، على أن يتم خلال تلك الفترة إصلاح منازلهم أو إيجاد حل أكثر استدامة، على نفقتهم الخاصة، وهو ما لم يحصل.
وذكّرت منظمة العفو مجددًا، بأن طرابلس هي إحدى أكثر المدن تهميشًا في لبنان، وتضم عددًا كبيرًا من الأبنية غير الآمنة في البلد. ففي 18 أيلول 2023 مثلًا، انهار مبنى تاريخي غير مأهول مكوّن من ثلاثة طوابق في حي الزاهرية. وفي حزيران 2022، قُتلت جومانة ديكو البالغة من العمر 5 سنوات عندما انهار مبنى في ضهر المغرّ بطرابلس. وفي تشرين الأول 2021، توفيت الشقيقتان صباح وحياة الزعبي بعدما انهارت شرفة بيت عائلتهما القديم في حي القبة. وغيرها الكثير من الحوادث.
تاريخ الإهمال
وواقع الحال، تتفرد طرابلس القديمة بمزيج عمارتها الذي يبدو خليطاً هندسياً من حقبات مرت عليها، كالرومانية والبيزنطية والأموية والعباسية والفاطمية والصليبية وصولاً إلى العثمانية. غير أن معظم هذه الأبنية باتت مهددة بالسقوط، بفعل اهمال الدولة لقيمتها التاريخية، مع الإشارة إلى أن معظم هذه الأبنية جرى إنشاؤها في الحقبتين المملوكية والعثمانية، كما شيدت آلاف الأبنية مطلع السبعينيات، قبل الحرب الأهلية.
وعلى مدار عقود، نشأت مئات الطبقات المخالفة فوق هذه الأبنية الفريدة وقربها، مما ضاعف الخطر عليها. في حين، تشكو آلاف الأسر من رفض مالكي الأبنية تكبد تكاليف الترميم الباهظة، ولا سيما الأبنية التراثية، التي يحتاج ترميمها إلى مسار معقد بإذن وإشراف مديرية الآثار. وهذا واقع الكثير من الأبنية القديمة في لبنان عمومًا.
وكان لبنان قد أصدر في العام 2013، مرسوم السلامة العامة، وجرى تعديله لاحقا لفرض شروط إضافية على عمليات البناء. لكن معظم الوحدات السكنية في لبنان، تم بناؤها قبل 2013، ونسبة كبيرة منها غير مطابقة لمواصفات السلامة العامة.
وقبل سنوات، أشارت جمعية "شبكة سلامة المباني" غير الحكومية، إلى أن أكثر من 16 ألفًا و200 مبنى آيل للسقوط في لبنان. ووفقها، يتمركز حوالى 10 آلاف و460 منها في بيروت وضواحيها، وتليها محافظة الشمال التي رصدوا فيها نحو 4 آلاف مبنى، وباقي الأبنية موزعة بين البقاع وجبل لبنان والجنوب.