المصدر: العربية
الثلاثاء 1 تشرين الأول 2024 10:09:10
منذ 7 تشرين الأوّل الفائت وحتى اليوم، تلقى حزب الله في لبنان ضربات كبيرة كان آخرها اغتيال أمينه العام حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي بأكثر من 80 قنبلة ضخمة على مقر القيادة للحزب في حارة حريك بالضاحية الجنوبية.
3 محاولات فاشلة
ولعل تلك الضربات وجهت الأنظار حول عمق الاختراق الأمني الذي تعاني منه الجماعة ليحدث ما حدث، إلا أن تقريرا بريطانيا جديدا كشف مزيدا من التفاصيل.
فقد أكدت المعلومات أن عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية ساعدت إسرائيل على تحويل مسار الأمور ضد الجماعة اللبنانية، وفقا لصحيفة "فايننشال تايمز".
ولفت التقرير إلى أن إسرائيل في حربها مع حزب الله عام 2006، حاولت اغتيال حسن نصر الله 3 مرات، ولم تنجح بأي منها.
ففي واحدة، أصابت الغارات الجوية هدفها، لكن زعيم حزب الله كان غادر المكان في وقت سابق.
أما الغارات الأخرى ففشلت في اختراق التعزيزات الخرسانية لمخبئه تحت الأرض، وفقاً لشخصين مطلعين على محاولات الاغتيال.
إلا أنه وفي ليلة الجمعة، استطاع الجيش الإسرائيلي إصلاح هذه الأخطاء، فتتبع نصر الله إلى مخبأ بُني على عمق كبير تحت مجمع سكني في جنوب بيروت، وألقى ما يصل إلى 80 قنبلة للتأكد من مقتله، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
"تباهي وثقة"
وبعيد العملية، قال قائد طائرة إف-15 آي الحربية التي قال الجيش الإسرائيلي إنها أسقطت الحمولة القاتلة على مكان نصرالله، "سنصل إلى الجميع، في كل مكان"، وذلك بعد أن دمّر 6 مبان سكنية على الأقل.
إلا أن التباهي الواثق الذي تتحلى به المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، التي وجهت خلال الأسابيع القليلة الماضية ضربات مدمرة ثابتة إلى أحد أكبر منافسيها الإقليميين، يخفي حقيقة غير مريحة.
إذ لفت التقرير إلى أن إسرائيل لم تتمكن حقا من تغيير مسار الأمور إلا في الفترة الأخيرة، وذلك بعدما يقرب من أربعة عقود من القتال ضد حزب الله.
ولكن ما تغير، كما قال مسؤولون حاليون وسابقون، هو عمق ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي استطاعت إسرائيل الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بدءاً من اغتيال فؤاد شكر، أحد مساعدي نصر الله، في 30 تموز، أثناء زيارته لصديق ليس بعيداً عن موقع التفجير الذي وقع يوم الجمعة.
وقد وصف هؤلاء المسؤولون إعادة توجيه واسعة النطاق لجهود إسرائيل في جمع المعلومات الاستخباراتية عن حزب الله بعد الفشل المفاجئ لجيشها الأكثر قوة في توجيه ضربة قاضية ضد الجماعة المسلحة في عام 2006، أو حتى القضاء على قياداتها العليا، بما في ذلك نصر الله.
وعلى مدى العقدين التاليين، قامت وحدة الاستخبارات الإشارية المتطورة 8200 في إسرائيل، ومديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لها، والتي تسمى "أمان"، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة للميليشيات سريعة النمو في "الساحة الشمالية" لإسرائيل.
بدورها، أفادت ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة، بأن هذا تطلب تحولاً جذرياً في نظرة إسرائيل إلى حزب الله، الحركة اللبنانية المسلحة التي استنزفت إرادة إسرائيل وقدرتها على التحمل في احتلالها لجنوب لبنان الذي دام 18 عاماً.
وقد انتهى هذا بالنسبة لإسرائيل في عام 2000 بانسحاب مخزٍ، مصحوباً بخسارة كبيرة في جمع المعلومات الاستخباراتية.
بدلاً من ذلك، كما تقول إيسين، وسعت الاستخبارات الإسرائيلية نطاق رؤيتها لحزب الله برمته، حيث نظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري إلى طموحاته السياسية واتصالاته المتنامية مع الحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصر الله مع الرئيس السوري بشار الأسد.
كذلك أضافت "يتعين عليك أن تحدد، بهذا المعنى، ما الذي تبحث عنه بالضبط. وهذا هو التحدي الأكبر، وإذا تم ذلك بشكل جيد، يسمح لك بالنظر إلى الأمر بكل تعقيداته، والنظر إلى الصورة الكاملة"، لافتة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تشير منذ ما يقرب من عقد من الزمان إلى حزب الله باعتباره "جيشاً إرهابياً"، وليس جماعة إرهابية "مثل أسامة بن لادن في كهف".
وكان هذا التحول المفاهيمي سبباً في إجبار إسرائيل على دراسة حزب الله عن كثب وعلى نطاق واسع كما فعلت مع الجيش السوري على سبيل المثال.
الحرب في سوريا
ومع تنامي قوة حزب الله، بما في ذلك نشر قواته في سوريا في عام 2012 لمساعدة الأسد، فقد أتيحت لإسرائيل الفرصة لاتخاذ قرارها.
وكانت النتيجة "صورة استخباراتية" كثيفة ــ من كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقيات، ومن كان فاسداً، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة.
في حين اكتسب مقاتلو حزب الله خبرة القتال في الحرب الدائرة في سوريا، حيث كانت قوات الجماعة المسلحة تنمو لمواكبة الصراع الطويل.
كما أدى هذا التجنيد إلى جعلهم أكثر عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون عملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين.
من جهتها، أفادت رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، بأن سوريا كانت بمثابة بداية لتوسع حزب الله. وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب أمام التسلل على مستوى كبير".
كما خلقت الحرب في سوريا نافورة من البيانات، معظمها متاح للعامة لجواسيس إسرائيل ــ وخوارزمياتهم ــ لكي يهضموه.
وكان نعي القتلى الذين قضوا في سوريا، في هيئة "ملصقات الشهداء" التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من هذه النوافير، التي كانت تتخللها قطع صغيرة من المعلومات، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما الجنازات التي كانت أكثر كشفا، فكانت تجتذب أحيانا كبار القادة من الظل، ولو لفترة قصيرة.
إلى ذلك، رأى سياسي لبناني رفيع المستوى سابق في بيروت أن اختراق حزب الله من قبل الاستخبارات الإسرائيلية أو الأميركية كان "ثمن دعمهم للأسد".
وقال "كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سوريا"، حيث اضطرت المجموعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين.
وأضاف يزيد صايغ، مسؤول مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن عناصر الجماعة تحولوا من كونهم منضبطين للغاية ومتشددين إلى مكشوفين في سوريا.
وكان هذا بمثابة انحراف عن النهج الذي تنتهجه جماعة كانت تفتخر بقدرتها على صد البراعة الاستخباراتية التي تتباهى بها إسرائيل في لبنان، خصوصا بعد أن فجر حزب الله مقر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) في صور ليس مرة واحدة بل مرتين في السنوات الأولى من احتلال إسرائيل لجنوب لبنان.
وفي مرحلة ما في أواخر التسعينيات، أدركت إسرائيل أن حزب الله كان يختطف بث طائراتها بدون طيار غير المشفرة آنذاك، فتعرف على أهداف وأساليب قوات الدفاع الإسرائيلية، وفقًا لشخصين مطلعين على هذه القضية.
إلا أن التركيز الإسرائيلي الموسع على حزب الله في المنطقة مصحوبا بميزة تقنية متنامية، عبر أقمار التجسس، والطائرات بدون طيار المتطورة، وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة استماع، أدى إلى جمع الكثير من البيانات حتى أنها لديها مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات من الصور المرئية للعثور على أي تغيير مهما كان بسيط، على أمل تحديد جهاز متفجر مرتجل على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.
وبمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، يتم سحبها من أجهزة قد تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه.
كذلك يمكن التعرف على هذه المعلومات من مصادر مختلفة مثل طائرة بدون طيار تحلق فوق رأسه، أو من بث كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من صوته المسجل على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وفقًا لعدة مسؤولين إسرائيليين.
إلى ذلك، أوضح مسؤول سابق بأن إسرائيل تمتلك الكثير من القدرات، وكميات كبيرة من المعلومات الاستخباراتية المخزنة في انتظار استخدامها، وكان بوسعها أن تستخدم هذه القدرات منذ فترة أطول أثناء هذه الحرب، لكنها لم تفعل.
وبعد أن قتلت إسرائيل بضع مئات من عناصر حزب الله من ذوي الرتب الدنيا منذ 7 أكتوبر، ظنّ حزب الله أن وقف إطلاق النار في غزة مع حماس، يسمح له بوقف إطلاق النار مع إسرائيل.
نتنياهو استغل الموقف
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر الاستفادة مما جمعه طوال سنوات الحرب في سوريا عن حزب الله وأطلق العنان للقدرات الهجومية الأكثر تقدماً لدى إسرائيل، وفقاً لمسؤولين مطلعين على العمليات، لإحداث نصر على الجماعة.
فبدأ بعمليات اغتيال القادة، ثم التفجير غير المسبوق لآلاف أجهزة الاتصال المفخخة قبل أسبوعين، ما أدى إلى إصابة الآلاف من أعضاء حزب الله بالأجهزة ذاتها التي اعتقدوا أنها ستساعدهم على تجنب مراقبة إسرائيل.
إلى أن بلغت هذه الأحداث ذروتها يوم الجمعة باغتيال الأمين العام حسن نصر الله، وهو الإنجاز الذي وافق عليه سلف نتنياهو، إيهود أولمرت، في عام 2006، وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه.
ليتبين أن إسرائيل في الأشهر الأخيرة، قد نجحت تقريبا في إتقان تقنية سمحت لها، بشكل متقطع على الأقل، بتحديد مكان نصر الله، الذي كان يشتبه في أنه كان يعيش في الغالب تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.