لقاء العشائر والإدارة السورية الجديدة على الحدود خرقٌ للسيادة... مؤسسات الدولة فوق كل اعتبار

على هامش أخبار التشكيلة الحكومية المأزومة، خبر غير اعتيادي يمر من دون أي ترددات على رغم خطورته كونه يهدد سيادة لبنان ويعطي العشائر وعصابات السرقة والتهريب والخطف على الحدود الشرقية صفة "الناطق بإسم الدولة اللبنانية".

في سطوره ورد ما يلي:" دعت الإدارة السورية الجديدة إلى عقد اجتماع عاجل مع ممثلين عن العشائر اللبنانية، بهدف وضع حد للتفلت القائم على الحدود، وإنهاء ظاهرة تمادي عصابات المهربين في 17 معبراً حدودياً غير شرعي، وضبط السلاح المتفلت في المنطقة....وقد أدى غياب حرس الحدود عن النقاط الحدودية التي كان يشغلها عناصر "الهجانة" التابعة للنظام السوري السابق، وعدم تسلم عناصر أمن عام النظام الجديد، للنقاط والمراكز الحدودية، إلى فراغ أمني جديد على امتداد  170 كيلومتراً من الحدود الفاصلة بين البلدين في شمال شرقي لبنان، تبدأ من أطراف بلدة عرسال في البقاع الشمالي، وصولاً إلى منطقة وادي خالد".

قد يجوز هذا "اللقاء" الذي دعت إليه الإدارة السورية الجديدة لو افترضنا أن الدولة غائبة. لكن في ظل العهد الجديد وبعد انتخاب رئيس للجمهورية واستمرار عمل حكومة تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة ففي الأمر انتهاك فاضح للسيادة اللبنانية ودور الجيش اللبناني المولج في حماية الحدود والقوى الأمنية .

ما يحصل على الحدود الشرقية وتحديدا بعد سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول الماضي، كشف الستارة عن الفراغ الأمني الحاصل بين القرى اللبنانية والأخرى السورية التي يسكنها لبنانيون في شمال الهرمل. فعلى مدى الشهرين حصلت عمليات خطف متبادل بين الطرفين اللبناني والسوري مقابل فدية مالية وتهديد بالتصفية الجسدية في حال عدم دفعها، إضافة إلى عمليات تهريب من الداخل السوري إلى لبنان والعكس أيضا، واشتباكات بين عصابات التهريب أدت إلى إصابة عدد من العسكريين في الجيش اللبناني، آخرها في منطقة حوش السيد علي بين مسلحين على الحدود السورية-اللبنانية أدت إلى سقوط قتيل وجريح من الجهة السورية. ولم تخلُ تلك الانتهاكات من تهديد ووعيد باقتحامات وأسر تحت قوة السلاح.

عشائر وأهالي بعلبك الهرمل يؤكدون في بياناتهم " أن ما يحصل من اشتباكات في بعض القرى الحدودية على الحدود اللبنانية-السورية لا يمت إليهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد. وطالبوا بضبط "العناصر غير المنضبطة".

إثر الإشتباك المسلح أوفدت الإدارة الجديدة السورية مندوبا التقى ببعض زعماء العشائر وتم الاتفاق على عقد لقاء موسع يجمع ممثلين عن العشائر اللبنانية مع ممثلين عن الإدارة السورية الجديدة، برعاية مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، بحضور ضباط من الأمن العام السوري، وذلك لسدّ الفراغ الأمني الحدودي الحاصل من الجهة السورية، على أن يعقد الاجتماع، الخميس، في بلدة السماقيات السورية التي يسكنها لبنانيون في الداخل السوري.

الإجتماع تم اليوم بمبادرة من الجهة السورية ممثلة بالإدارة السورية الجديدة وممثلين عن الأمن العام السوري وصدر بيان أكد فيه الجانب السوري" رفضه المطلق لأي اعتداء يمكن أن يحصل تحت ستار طائفي". واعتبر أن "العشائر هي الضمانة للسلم الأهلي في المنطقة، وحدودنا مشتركة، وآن الأوان لوضع حد للفوضى والسلاح المتفلت ووضع حد للاعتداءات وعمليات الخطف والقتل على الهوية".

الكاتب السياسي خالد زين الدين يعتبر أن اللقاء بين مندوب عن الإدارة السورية الجديدة ووفد يضم ممثلين عن عشائر بعلبك الهرمل "يمثل إنتهاكاً فاضحاً لقرار الدولة اللبنانية ويعيدنا إلى مشهدية "البلطجة " وزمن الماضي حيث كانت تُحَلّ المشاكل على طريقة العشائر في ظل تغييب ممنهج لدور الدولة اللبنانية وأجهزتها العسكرية وعلى رأسها الجيش اللبناني. كما يمثل إنتهاكاً للأمل الذي عاد إلى اللبنانيين على خلفية خطاب القسم،  ويعيدنا إلى الحكم الظالم وغير العادل الذي كان نهجاً واضحاً في غياب الدولة وحل الأمور عشائرياً وحزبياً".

ويتابع" الدولة اللبنانية بما تمثله والمؤسسات هي المخولة الوحيدة في حل مشاكل الحدود حصراً وعلى الإدارة السورية الجديدة أن تتعامل حصراً مع الدولة وفي حال وقوع أي إشكال أمني أو أي إنتهاك لحدودها يجب أن تكون صارمة بمعاقبة المخلين بالأمن والعابثين بأرواح الناس".

واستطراداً يسأل:" بأي حق تتعاطى الإدارة السورية الجديدة مع العشائر وهي تعلم أن المبادرة تقوّي دور العصابات والميليشيات على حساب الدولة؟".

ودرءاً للنتائج التي تترتب على خطوة خرق السيادة والقفز فوق القوانين الديبلوماسية المعتمدة بين دولتين، يرى عز الدين أن من الضروري أن تبادر الدولة اللبنانية إلى رفع شكوى لدى رئيس الجمهورية السورية المؤقت أحمد الشرع والتوضيح لمن يعنيه الأمر لدى الإدارة الجديدة، أن اللقاء الذي حصل يعطي عصابات التهريب الذين كانوا من أوائل المتضررين من عملية إقفال الحدود بسبب توقف عمليات الإتجار بالبشر وسرقة السيارات والخطف مقابل فدية صفة "الشرعية" لاستكمال ما يريدون استكماله. وقد هالهم حتما أن سوريا التي كانت مرتعا لعصابات السرقة والتهريب والقتل دخلت مرحلة جديدة لكن يجب على الإدارة الجديدة التعامل وفق الأصول الديبلوماسية مع لبنان".

 " ما حصل على الحدود الشرقية يشكل ضربة للعهد والقضاء والأمن وأيضاً للإدارة السورية الجديدة". ويختم عز الدين مناشدا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون "بإسم الوطن والعدالة أن يكون حاسماً في مسألة انتهاك سيادة لبنان والتحرك سريعا لمنع أي شخص من التحدث بإسم الدولة اللبنانية مع أي جهة خارجية أياً كان مركزه أو صفته المدنية أو الروحية ".