لقاء عون- الشرع يشرّع باب تنقية العلاقات

جمعت القمّة العربية الاستثنائية التي عُقدت في الدوحة قادة الدول العربية. وأدّت الضربة الإسرائيلية إلى وحدة في الموقف العربي. ويُنتظر ترجمة مقرّرات هذه القمّة مزيدًا من التعاون العربي.

انعقدت قمّة قطر ومعظم الدول العربية عادت إلى موقعها الطبيعي. سوريا "الممانعة" والتابعة للمحور الإيراني سقطت وولدت سوريا الجديدة. ولبنان تخلّص من قبضة "الممانعة" وتحرّر ولم يعد الناطق الرسميّ باسم هذا المحور أو منفّذ سياساته.

ويعتبر ما يحصل إنجازًا تاريخيًّا. فتحرّر سوريا من الهيمنة الإيرانية قطع خطّ الإمداد بين طهران والضاحية الجنوبية. والأهمّ من هذا كلّه، لم يعد "حزب اللّه" مُسيطرًا على القرار الاستراتيجي والخارجي اللبناني.

ويرسم رئيس الجمهورية جوزاف عون خطًا سياسيًا جديدًا للسياسة الخارجية، يقوم على الالتزام بسيادة لبنان من جهة، وإعادة وصل علاقات لبنان مع الدول العربية وخصوصًا مع دول الخليج بعدما مرّت بأزمات سابقة نتيجة سيطرة محور "الممانعة" على القرار اللبناني.

وأتى لقاء عون مع الرئيس السوري أحمد الشرع ليفتح سجلًّا جديدًا في العلاقات اللبنانية السورية. كان نظام "البعث" بقيادة آل الأسد يعتبر لبنان محافظة سورية، وكان له أعوان وحلفاء في الداخل، وأتت التغيّرات لتسقط نظام الأسد في 8 كانون الأوّل من العام الماضي ولتفتح صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية - السورية.

كان لبنان يعاني تاريخيًا من الأطماع السورية والتي تجسّدت بدخول القوات السورية إلى لبنان تحت يافطة قوات الردع العربية لتتحوّل لاحقًا إلى احتلال، لكن العقلية السورية الجديدة تبدّلت.

ويستفيد لبنان من هذا التغيير ليسترجع بعضًا من حقوقه. وبعد حديث عن إمكانيّة زيارة الشرع إلى بيروت، أتى الاجتماع مع عون في قطر ما يعني التواصل على أعلى المستويات بين القيادات اللبنانية والسورية.

وبمجرّد حصول اللقاء، يمكن وصفه بالإيجابيّ. والجدير ذكره أن الشرع بعد تسلّمه مقاليد الحكم في دمشق وقبل انتخاب رئيس جمهورية في لبنان، قال إنه يرحّب بانتخاب عون رئيسًا إذا كان لبنان يريد ذلك.

مواضيع كثيرة عالقة بين لبنان وسوريا تمّت مناقشتها، من ملف الموقوفين السوريين في لبنان، إلى أزمة النزوح ومسألة الحدود وضبطها وصولًا إلى بحث النقاط العالقة.

لا يستطيع مثل هذا الاجتماع معالجة كلّ المسائل، لكنّه يفتح الباب على الحلول خصوصًا أن النوايا موجودة ولا أحد يريد التصعيد أو المواجهة، بل الغاية تصحيح الخطأ التاريخي والجرح الذي سبّبه نظام البعث.

ويمكن القول إنه جرى وضع أطر لحلّ مسألة الموقوفين والنازحين ومعظم الملفات، وهذا الأمر لا ينتهي عند هذا اللقاء، بل يجب متابعته من أجل الوصول إلى الحلّ المنشود بما فيه مصلحة البلدين، وبالتالي سيكون هذا الأمر من مهمّة اللجنة التي تشكّلت واللجان التي تتابع بقيّة المواضيع كلّ حسب اختصاصه.

ويفتح هذا اللقاء الباب أمام تطوير العلاقات اللبنانية - السورية، والتخلّص من المعاناة السابقة، فكلام الشرع الأخير كان إيجابيًا عن لبنان وأكّد أنه لا يريد الانتقام حتى من "حزب اللّه" الذي قتل وهجّر آلاف السوريين.

ويأتي هذا اللقاء، وسط وجود رعاية عربية من أجل تنقية العلاقات اللبنانية - السورية. وتشير المعلومات إلى عقد لقاء لبناني - سوري قريب برعاية الرياض من أجل متابعة الملفات الأمنية والسياسية العالقة بين البلدين. وتساهم المظلّة العربية في تسريع الخطوات الإيجابية وتدلّ على أن هذا الملف ليس متروكًا، ولبنان وسوريا يحظيان برعاية عربية مهمّة.

وتجتمع العوامل نحو تثبيت لبنان سيادته واستقلاله، فأطماع نظام "البعث" سقطت إلى غير رجعة ولم يعد هناك من نظام يطمح إلى ابتلاع لبنان في أيّ لحظة يرى الفرصة سانحة. ومن جهة ثانية، هناك فرصة تاريخية أمام لبنان لترسيم حدوده وضبطها وتثبيت سيادته، وكلّ ذلك يحصل تحت رعاية عربية ودولية.