المصدر: نداء الوطن
الكاتب: راكيل عتيِّق
الخميس 31 آب 2023 06:56:37
بمعزل عن نسبة تملُّك السوريين في لبنان، وعن طرُق هذا التملُّك، سواء بالقانون أو بالتحايل عليه، يعتبر كثيرون أنّه يجب الحدّ من هذا التملُّك، انطلاقاً من المخاوف والهواجس الناتجة من النزوح السوري الكثيف إلى لبنان ومن «نيّة» المجتمع الدولي المضمرة بدمجهم في المجتمع اللبناني أو تسهيل «إقامتهم» و»وجودهم» ما يُشجّعهم على البقاء في لبنان وعدم العودة إلى بلادهم.
على رغم أنّ جهات عدة رفعت الصوت تجاه هذا التملُّك في مختلف المناطق، إلّا أنّ الدولة اللبنانية لم تأخذ حتى الآن أي إجراء لمعالجة هذا التملُّك أو تنظيمه والحدّ منه بنحوٍ يبدّد المخاوف من «البقاء الأبدي» للسوريين في لبنان.
البعض يعتبر أنّ تملُّك السوريين يخالف الدستور الذي ينصّ على عدم التوطين، فـ»عدم التوطين» غير مُحدّد أو محصور بأي جنسية أجنبية. وبالتالي حين يكون هناك خطر توطين يجب منع تملّك الجهة الأجنبية التي تتملّك بصورة كبيرة أو هناك خشية من أي يشكّل تملّكها باباً للتوطين.
في هذا الإطار يشرح المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك لـ»نداء الوطن»، أنّه «بالعودة إلى مقدمة الدستور، يتبيّن جلياً أنّ الدستور ينصّ بصراحة ووضوح على أنّ أرض لبنان واحدة غير قابلة لا للتقسيم ولا للتجزئة ولا للتوطين. وبالتالي لا يُمكن توطين أي شعب كان، سواء أكان فلسطينياً أو سورياً أو أي شعب أجنبي، وبأي طريقة من الطرق». أمّا بالنسبة إلى اللاجئين أو النازحين، فيعتبر مالك أنّ «الوسائل التي تُتبع بهدف التوطين، إن من جهة تملّك عقارات أو من جهة تسهيل أمور هؤلاء أو تعديل القوانين بما يسمح لهم بالعمل داخل لبنان ضمن شروط مسهّلة، تُعتبر باباً من أبواب التوطين. وبالتالي، إنّ الإجازة للسوريين بالتملّك في لبنان تقع ضمن هذه الخانة ويقتضي الوقوف بوجهها لمخالفتها أحكام الدستور لا سيما منها مقدمته».
وإذ يخضع تملّك الأجانب في لبنان إلى قانون مُحدّد، يشدّد مالك على ضرورة العمل بأحكام هذا القانون. وبالتالي، إنّ محاولات الاحتيال التي يلجأ إليها البعض عن طريق الشراء بأسماء مستعارة هي التي يجب الوقوف في وجهها. لذلك، يرى أنّ معالجة هذا الموضوع ليست في حاجة إلى تشريعات بقدر ما تحتاج إلى تطبيق التشريعات النافذة، فالقانون يمنع تملّك الأجانب الّا ضمن قيود وشروط محدّدة وضيقة جداً. وبالتالي يجب معالجة الممارسات الجارية.
لكن بالرغم من أنّ هناك قانوناً ينظّم تملُّك الأجانب في لبنان، يشير مالك إلى أن لا مانع من تعديل أي نص قانوني أو تقديم اقتراح قانون من نائب أو أكثر أو مشروع قانون من الحكومة، فيُصار إلى تعديل قانون تملُّك الأجانب بطريقة تجعله أكثر قساوة وأكثر حصرية في التملُّك. وإذ يعتبر مالك أنّ موضوع النزوح السوري عامةً سياسي ويجري التعامل معه ضمن أُطر السياسة الدولية والإقليمية، يرى أنّ جزءاً من الحلّ الداخلي يكمُن في التشدُّد ضمن الإطار القانوني سواء تنفيذاً أو تعديلاً.
أي حكومة لبنانية من حكومات ما بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011 وما نتج عنها من نزوح سوري إلى لبنان، لم تقارب موضوع تملُّك السوريين، ولا مجلس النواب بادر بأي تشريع على هذا المستوى، فيما لا يظهر أنّ هذا الموضوع يشكّل أولوية على أجندة بعض الأحزاب السياسية، ومن بينها «حزب الله» الذي قيل إنّه من أهداف «الإبقاء» على النزوح السوري في لبنان، دولياً، تشكيل ضغط على «الحزب».
حكومة تصريف الأعمال غائبة عن هذا الموضوع، وإذ يتعذّر أن تتخذ قراراً كبيراً بمنع تملُّك السوريين في ظلّ الشغور الرئاسي وامتناع وزراء عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، إلّا أنّها لم تعمد أساساً إلى ذلك حتى قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. وترى مصادر قريبة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى درس معمّق، خصوصاً أنّ هناك تبادل بالمثل بين سوريا ولبنان على هذا المستوى، بحيث أنّ اللبناني يمكنه التملُّك في سوريا أيضاً. وتعتبر أنّ تعديل قانون تملُّك الأجانب أو أي إطار لوضع حواجز على تملُّك السوريين بطريقة واسعة، مُناط بمجلس النواب، خصوصاً أنّ هناك جوانب عدّة على المستوى القانوني واللوجستيات وآلية التطبيق تتطلّب درساً متأنياً وصيغة حلّ قانونية متوازنة.
من جهتها، تعتبر مصادر متابعة لملف النزوح، أنّ قرار منع تملُّك السوريين يفتح باباً على مشكلات كبيرة، إن مع سوريا أو مع المجتمع الدولي والجهات المانحة التي «تغذّي» وزارات وإدارات وفئات لبنانية من باب دعم النازحين والمجتمع المضيف. وبالتالي لن «تجرؤ» الدولة على اتخاذ قرار كهذا في وقتٍ تسعى الحكومة وجهات سياسية عدة إلى «تعزيز» التواصل مع سوريا وإلى الحصول على أكبر دعم مالي ممكن من الخارج مقابل استضافة النازحين وتكلفة النزوح.