لماذا يتصدّر برّي المشهد في المفاوضات؟

تشكل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار قضية حساسة في المشهد السياسي اللبناني، إذ تثير جدلاً حول الصلاحيات الدستورية والأدوار المؤسسية. ففي ظل غياب رئيس الجمهورية، برز دور رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما أثار تساؤلات حول مشروعية هذا الدور في غياب تفويض دستوري واضح. وبينما تستند هذه المفاوضات إلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، يواجه لبنان واقعاً سياسياً معقداً يتجاوز النصوص الدستورية. فمن هي الجهة القانونية المسؤولة عن ملف التفاوض؟ ولماذا يتصدر الرئيس بري المشهد؟

في حديثه لـ"النهار"، أكد المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، أن التفاوض في عقد المعاهدات وإبرامها يعود إلى رئيس الجمهورية بالتنسيق مع رئيس الحكومة وفقاً للمادة 52 من الدستور، لا إلى رئيس مجلس النواب الذي يقتصر دوره على إدارة مجلس النواب كمؤسسة تشريعية ورقابية على الحكومة، وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

وأضاف أن رئيس الحكومة لا يملك صلاحية النطق "عن الحكومة"، بل ينطق "باسم الحكومة"، ويجب عرض العروض التفاوضية أمام مجلس الوزراء لاتخاذ القرار الجماعي المناسب استناداً إلى المادة 65 من الدستور، نظراً إلى أن قرارات الحرب والسلم تُعدّ من المواضيع الأساسية التي تتطلب موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة. وأشار مرقص إلى أن "هذا هو المبدأ والأصل، إلا أن العمل بالدستور والأصول في لبنان معلق حالياً حتى تتم استعادة الدولة لسلطتها بدلاً من الأحزاب، وهو أمر يبدو قريباً ولا مفر منه في النهاية".

من جانبه، تناول الدكتور عادل يمين، المحامي والأستاذ الجامعي، في حديثه لـ"النهار"، المفاوضات غير المباشرة الحالية مع إسرائيل. وأشار إلى أن الدور البارز لرئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا السياق لا يستند إلى صلاحيات دستورية، حيث يقتصر تمثيل الدولة في الخارج على رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه قانونياً. إلا أن القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة، تتعامل مع بري باعتباره شخصية محورية في المشهد السياسي اللبناني، خاصة أنه مفوّض من "حزب الله" وعلى تنسيق مع رئيس الحكومة ومتوافق مع الكثير من الأطراف المحلية.

وأوضح يمين أن أي تفاهم قد يتوصل إليه بري مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بشأن وقف إطلاق النار مع إسرائيل لا يتطلب توقيع وثيقة قانونية، إذ يستند إلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي يشكل الإطار القانوني لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بوقف الأعمال العدائية. وأكد أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، قد التزمت مسبقاً بهذا القرار، وبالتالي فإن أي خطوات لتنفيذه تقع ضمن مسؤوليتها دون أن يعني ذلك مشاركة الحكومة أو الدولة اللبنانية مباشرةً في نتائج تفاوض غير دستوري أو إثارة إشكالات قانونية حول شرعيته.

وأشار يمين إلى أن التفاهم الحالي لا يحتاج إلى معاهدة رسمية، بل يقتصر على إعلانات سياسية تصدر عن الأطراف المعنية. وأشار إلى أن دور المبعوث هوكشتاين ينحصر في الإعلان عن النقاط المتفق عليها كنقاط تفاهم غير مباشر، ما يعفي الدولة اللبنانية من اتخاذ أي تدابير قانونية أو دستورية إضافية. وبهذا، يصبح التزام الأطراف بالقرار 1701 مؤطراً بإعلانات سياسية تعكس الإرادة لتنفيذه دون إشكالات قانونية.