المصدر: سكاي نيوز
الأربعاء 14 شباط 2024 15:36:23
يواجه لبنان منذ نهاية عام 2019 أزمة اقتصادية حادة، تسببت بانهيار العملة الوطنية، وفرض قيود على سحب الودائع والتحويلات من المصارف.
وعلى مدى أربع سنوات من الأزمة، التي وصفها البنك الدولي بأنها بين أسوأ الأزمات المالية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، عجزت السلطات اللبنانية عن تطبيق إصلاحات جذرية ملحة، تعيد الانتظام المالي وتوحّد أسعار الصرف المتعددة في البلاد.
ويعيش اللبنانيون منذ 52 شهراً أي منذ تاريخ بداية الأزمة الاقتصادية، وسط فوضى كبيرة في تحديد أسعار صرف الدولار مقابل العملة المحلية، فسعر الصرف المعتمد على منصة مصرف لبنان وفي السوق السوداء يقارب الـ 89 ألف ليرة للدولار الواحد، في حين أن سعر صرف الدولار المرتبط بالودائع، التي كانت موجودة في المصارف قبل بداية الأزمة الاقتصادية يبلغ 15 ألف ليرة.
وكان مصرف لبنان المركزي يأمل في أن يقوم مجلس النواب اللبناني، ومع إقرار موازنة عام 2024 بتحديد سعر صرف رسمي، يساهم في توحيد جميع أسعار الصرف في البلاد، ولكن المجلس رفض هذا الأمر، وأعاد الكرة إلى ملعب البنك المركزي والحكومة، فرغم أن موازنة لبنان الجديدة أقرت سعر 89500 ليرة لصرف الإيرادات الدولارية للدولة، إلا أن المجلس النيابي لم يتطرق إلى موضوع تعديل سعر صرف الدولار في المصارف، معتبراً هذا الأمر من صلاحية مصرف لبنان ووزارة المالية.
بدوره يعتبر مصرف لبنان أن إصدار أي تعميم من قبله لتحديد سعر صرف الدولار، وتحديداً الدولار المصرفي، يحتاج لإقرار قانون وهذا الأمر ليس من صلاحياته، بل من صلاحيات مجلس النواب، كون السعر الجديد قد يُخضِع الودائع لعملية اقتطاع ما يعرَف بـ"هيركات"، ما يعني أنه يجب أن يصدر عن المجلس النيابي.
وهذا التقاذف الحاصل في مسؤولية تحديد سعر الصرف الرسمي في لبنان، يدفع المراقبين للتساؤل، عن الجهة المسؤولة فعلاً عن اتخاذ هذا القرار، فهل هو المصرف المركزي أم مجلس النواب أم الحكومة اللبنانية التي تتحضر لإحالة مشروع قانون، لمعالجة أوضاع المصارف، وإعادة تنظيمها إلى المجلس النيابي لدراسته وإقراره.
قانون النقد والتسليف واضح
يقول النائب وعضو لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني الدكتور رازي الحاح، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن قانون النقد والتسليف في لبنان ينص بوضوح، على أن وزير المال بالتعاون مع مصرف لبنان، هما من يمكن لهما تحديد سعر الصرف مؤقتاً، كاشفاً أن تحديد سعر الصرف في لبنان، وبحسب قانون النقد والتسليف لا يزال فعلياً مرتبطاً بمعادلة الذهب، ولكن طالما أن هذه المعادلة غير مطبقة، فقد أعطى القانون وزير المالية، بالتفاهم مع مصرف لبنان حق تحديد سعر الصرف، وبالتالي فإنه من المؤكد أنه لا يحق لمجلس النواب أن يحدد سعر الصرف، خصوصاً أن الأخير ليس لديه الإمكانية ولا التقنية ولا المعرفة العملية ليقوم بهذا الأمر، فالمجلس يقوم بتشريعات عامة، ولا يقوم بأعمال إجرائية مختصة بموضوع سعر الصرف.
وكشف الحاج أن ما حصل في "الربع ساعة الأخير" من جلسة إقرار موازنة عام 2024 في البرلمان اللبناني، كان محاولة تمرير سعر صرف جديد للدولار المصرفي، عبر رفعه من 15 ألف ليرة إلى 25 ألف ليرة فقط، ما يعني شطب القيمة الفعلية للودائع المصرفية، التي يجب أن تحتسب على سعر 89 ألف ليرة لبنانية، وأكد الحاج أنه عارض وتصدّى شخصياً وزملاء له لهذا الطرح، بسبب رفضهم لأن يكون سعر صرف الدولار المصرفي بغير قيمته الفعلية.
ما المطلوب من السلطة النقدية؟
بحسب الحاج فإنه على المصرف المركزي أن يصدر تعميماً يشرح فيه أن القيمة الفعلية لسعر الصرف هي 89 ألف ليرة لبنانية، وأن تسدد المصارف ودائع الناس على هذا الأساس، مع وضع سقف للسحوبات لعدم تدهور سعر الصرف في السوق الموازية، كاشفاً أنه كان من الأفضل ومنذ بداية الأزمة، أن يكون هناك قانون للكابيتال كونترول، علماً أن مفاعيل هذا القانون مطبقة على أرض الواقع، فمنذ أربع سنوات، والمصارف في لبنان تطبق وبشكل غير قانوني، "قيوداً على رأس المال" وتمنع السحوبات وهو ما يعرف بـ "كابيتال كونترول".
الحكومة تسعى إلى شطب ودائع الناس
يرى الحاج أنه على الحكومة اللبنانية مسؤولية إرسال خطتها الواضحة للتعافي الاقتصادي، إلى مجلس النواب، لافتاً الى أن جميع الخطط التي أرسلتها الحكومة إلى مجلس النواب منذ ثلاث سنوات، هدفها واضح يتمثل بشطب ودائع الناس في المصارف، فهذه الخطط المطروحة تركز على أن الأزمة في لبنان، لا يمكن حلها إلا من خلال شطب الودائع، وتسديد جزء قليل من الأموال للناس، متسائلاً عن سبب عدم قيام الحكومة بإعادة هيكلة الدين العام في لبنان، لتحديد المسؤولية المتوجبة على كل من الدولة ومصرف لبنان والمصارف في إعادة الودائع.
الرأي القانوني لتحديد سعر الصرف
من جهته، يقول رئيس مؤسسة جوستيسيا Justicia الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تحديد سعر الصرف في لبنان يتم عبر قانون، وهذا الأمر كان معتمداً تاريخياً في لبنان منذ القرن الماضي، وما زال سارياً حتى اليوم، كونه لم يخضع لأي تعديل، مشيراً إلى أنه في حال أراد لبنان تعديل كيفية صدور سعر الصرف الرسمي في البلاد، يجب على المشرّعين في مجلس النواب، أن يقوموا أيضاً بإصدار قانون، يعدّل الآلية المعتمدة، وإلا سيبقى لبنان بحاجة لإصدار قانون، في كل مرة يتعلق فيها الأمر بتحديد سعر الصرف الرسمي في البلاد.
ويرى مرقص أن طريقة تحديد سعر الصرف في لبنان، هي طريقة غير عملية، فهي تحتاج في كل مرة إلى تدخل تشريعي عبر إصدار قانون، وهذا الأمر يستغرق الكثير من الوقت، لافتاً إلى أن الحل قد يكون بإصدار قانون يضع معايير معينة، أو ينشئ مجلساً معيّناً، يمنح صلاحية تحديد سعر الصرف، الذي قد يكون سعراً متحركاً فإنه من الخطأ انتظار صدور قانون في كل مرة.
استمرار المماطلة بإقرار الإصلاحات المالية
بدورها، تقول رئيسة جمعية الإعلاميين الاقتصاديين في لبنان سابين عويس، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه كان من الواضح أن مصرف لبنان، يحاول أن يرفع عنه مسؤولية تحديد سعر الصرف، من خلال الطلب من مجلس النواب أن يتحمّل مسؤوليته بهذا الشأن، وأن يقر السعر الواجب اعتماده ضمن قانون موازنة عام 2024، وذلك تمهيداً لتوحيد أسعار الصرف في البلاد، بالطريقة التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، أي عبر قانون وليس عن طريق المصرف المركزي.
وترى الكاتبة المختصة بالشأن الاقتصادي سابين عويس، أن موضوع تحديد سعر الصرف كما يُطرح اليوم، يعود إلى وزارة المالية، فهي من ستقوم بتحديد الرقم الذي على أساسه سيتم احتساب سعر صرف الإيرادات الدولارية للدولة، وبالتالي فإنه إذا أرادت أن توقف عملية تعدد أسعار الصرف، وأن تطبق مبدأ العدالة الضريبية، وتحقق العدالة بين الناس، لا يمكن لها اعتماد سعر صرف يبلغ 89500 ليرة للإيرادات، ومن ثم احتساب الرواتب على سعر 15 ألف ليرة، مشيرة إلى أن الخوف اليوم هو أن يستمر ما حدث في السنوات الأربع الماضية، لناحية المماطلة وعدم إقرار القوانين المرتبطة بالإصلاحات المالية، إن كان في مجلس الوزراء أم في المجلس النيابي.
وأكدت عويس أنه بات من الواضح وخلال السنوات الأربع للأزمة، أنه لا نية جدية لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية، لإقرار القوانين الإصلاحية، التي من شأنها أن تحمي أموال المودعين، لافتة إلى أن كل المعلومات، تقول إن مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، وإعادة تنظيمها، الذي تعده الحكومة اللبنانية حالياً، سيشهد اقتطاعات كبيرة من حجم الودائع، التي سترد إلى أصحابها على المدى الطويل، ما يعني استنزافاً تدريجياً للمودعين.