المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الثلاثاء 17 حزيران 2025 07:31:50
منذ أن أطلقت إسرئيل حربها على إيران، كان بديهيا أن تنشغل أوساط بيروت الإعلامية والسياسية بسؤال محوري لاستشراف موقف "حزب الله" من هذا التطور المتفجر، وتحديدا هل ينخرط في هذه المواجهة الضارية المفتوحة على كل الاحتمالات الخطرة، إسنادا لطهران؟ أو أنه سيكتفي بالرصد والدعاء لنصرة حليفه التاريخي؟
الإجابة عن هذا السؤال البديهي أتت عاجلة. فبعد أقل من ثلاث ساعات على بدء الحدث، أصدر الحزب بيانا ندد فيه بالعدوان الإسرائيلي على إيران وأعرب عن تضامنه معها، لكن عنصر المفاجأة أن البيان خلا تماما من أي وعد أو تهديد بدخول المواجهة لإسناد إيران، على غرار ما فعله بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على عملية "طوفان الأقصى"، حيث أطلق "حرب إسناده" لغزة، وهي الحرب التي كلفته كما صار معلوما القدر الكبير من الأثمان والتضحيات.
وفي موقف آخر بدّد الغموض واللبس، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر على صلة بالحزب ما مفاده أنه لا يفكر حاليا في الدخول على خط المعركة، وبعدها بوقت قصير ظهر موقف أكثر وضوحا وحسما للحزب على لسان نائبه الذي اعتاد إطلاق المواقف المعبرة حسن فضل الله، إذ قال ما معناه أن إيران لا تنتظر أي دعم من أحد، وهي قادرة على الرد والمواجهة وحدها.
ولا شك في أن كلام فضل الله أخذ من جانب الراصدين على محملين: الأول أن الحزب يقدم لمن يعنيهم الأمر ما يدحض سلفا فرضية انخراطه في الصراع الإقليمي المستجد والمفتوح على كل الاحتمالات الخطرة.
والثاني أن الحزب على ثقة بقدرة حليفه على استيعاب الضربة الأولى التي تلقاها، وهو واثق أيضا بقدرتها على الرد واستعادة قوة الردع.
وعلى أهمية هذه المعطيات، فإن لدى أوساط في بيروت كلاما متصلا له مصدران:
الأول خصوم الحزب الذين ذهبوا في إطلاق فيض من التحذيرات له من مغبة القيام بأي مغامرة على غرار مغامرة "حرب الإسناد"، ما جعله يظهر بمظهر الفاقد للرشد والمغامر الذي لا بد من كبح جماحه عبر الضغط عليه وإحراجه.
كما كان التركيز على عجزه عن نجدة حليفه في الوقت الذي احتاج هذا الحليف إلى من ينصره بعدما فقد "أذرعه" الإقليمية التي كان يتخذها جدارا يقاتل عبرها.
الثاني أن الدولة هي من كبّل يد الحزب ومنعها من الانزلاق في أي مغامرة بفعل ضغوط وتحذيرات مارسها على الحزب وشاركت فيها قيادة الجيش، مما جعله يعطي وعدا قاطعا بأن يظل ساكنا ومنضبطا تحت سقف الدولة.
ورغم تلك المناخات الواعدة، بقي الإسرائيلي على نظرته القلقة والمتخوفة من أداء الحزب، فوضعه تحت مجهر الرصد والتتبع الدقيقين ليفهمه أنه ولو كان مستغرقا في حربه الجديدة فإنه ليس بغافل عنه.
لذا بدا الموقف الإسرائيلي الأول كأن تل أبيب واثقة من أن الحزب ليس في وارد أي مغامرة إسنادا لطهران، بناء على معطيات ميدانية وصلتها، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى ظهر موقف إسرائيلي مغاير حذر بما يشبه التأكيد أن الحزب سيدخل المعركة.
حيال كل هذه الوقائع المتزاحمة، كان لافتا حرص الحزب على تقنين الكلام عن الحرب المستجدة، واكتفى بموقف الراصد لمسار الأمور التي يدرك تماما أنها تمسه وتعنيه مباشرة. لذا بادر الحزب إلى تسمية "خلية أزمة" تصدر تقييما لتطور الأحداث على مدى الساعة، يقينا منه أن المواجهة قد تتعدى "حرب الأيام"، واعتقادا منه أن هجوم إسرائيل على إيران هو ذروة الهجوم الإسرائيلي على محور المقاومة، ظنّا من تل أبيب أن كل ما حققته من إنجازات سيبقى محدود الفائدة إن ظلت إيران قادرة ومتمكنة.
وبالإجمال، كل المؤشرات توحي أن الحزب لن يكون للمرة الأولى حاضرا في معركة إقليمية يخوضها المحور، لكنه حريص على ألا يعطي تطمينات كاملة في هذا الشأن.