المصدر: المدن
الأحد 9 كانون الثاني 2022 06:39:54
يستعد محمد حرب لإخلاء منزله بالقرب من منطقة وطى المصيطبة، في العاصمة بيروت، بعدما أنذره مالك البناء بضرورة تسديد قيمة الإيجار بالدولار. "لا يوجد أي مكان للانتقال إليه، فقررت وزجتي، أن ينتقل كل منا مؤقتاً إلى بيت أهله حتى نجد حلاً مناسباً". بهذه الكلمات بدأ حرب حديثه لـ"المدن".
يضيف: "انتهى عقد الإيجار الذي تم توقيعه نهاية 2018 الشهر الماضي، وكنت أسدد ما قيمته 400 دولار. لكن السعر اختلف بعد الأزمة، وطلب مني مالك البناء دفع 100 دولار نقدي شهرياً لتجديد العقد، أو تسديد أربعة ملايين ليرة شهرياً، وهو مبلغ يوازي ضعفي راتبي".
ارتفاع غير مبرر
يعكس واقع حرب، قصص مئات اللبنانيين الذين باتوا في وضع لا يسمح لهم بتسديد قيمة إيجار المسكن نتيجة الأزمة الاقتصادية، وانهيار قيمة العملة اللبنانية.
قبل العام 2019، كان متوسط إيجار الشقق (الشقق العادية أو ذات مساحة لا تتعدى 120 متراً) يتراوح ما بين 400 و800 دولار في العاصمة بيروت، ويقل السعر في الضواحي. إذ يتراوح ما بين 400 و600 دولار، أي ما كان حينها يوازي ما بين 600 ألف ومليون و200 ألف ليرة.
لم تكن هذه الأسعار تشكل معضلة كبيرة، أو أزمة بالنسبة لفئات كثيرة من المجتمع، إذ لم تكن قيمة إيجار المسكن تشكل أكثر من 30 في المئة من أساس الراتب. بعد الأزمة، انهارت قيمة العملة، ولم يعد حتى الموظف المتوسط الحال قادر على دفع الإيجار بالدولار، لأن راتبه الأساسي وفي أفضل الأحوال لا يتعدى مليوناً ونصف المليون الليرة، ما يوازي الآن نحو 50 دولاراً.
بالأرقام، تتعدى قيمة المسكن أكثر من 70 في المئة من أساس الراتب. وعلى اعتبار أن إيجار الشقة وإن كان لا يتجاوز 750 ألف ليرة كمعدل وسطي، إلا أنه بات يوازي 75 في المئة من قيمة راتب الموظف في القطاع العام، الذي يتقاضى مليون ليرة تقريباً.
ارتفاعات بالجملة
يوسف ياسين، موظف في إحدى الشركات الخاصة لبيع السجائر، يتقاضى مليوناً و500 ألف ليرة، ما يوازي اليوم أقل من 50 دولاراً. يسكن وزوجته وأولاده في منزل متواضع في منطقة عائشة بكار، بإيجار مليون و200 ألف ليرة. رفع المالك، الإيجار مرتين منذ بدأ الأزمة. يقول "لا يوجد أي معيار لزيادة الإيجارات، ويفاجئني مالك الإيجار برفع القيمة". ويضيف" لا أعلم ماهي الآلية التي يتبعها المالك في رفع قيمة الإيجار. فالرواتب على حالها، وبات إيجار الشقة يستنزف أكثر من نصف راتبي".
ترى المستشارة القانونية للجنة الأهلية لحماية المستأجرين، المحامية مايا جعارة، أن رفع قيمة الإيجارات في لبنان قد يكون أمراً غير مبرر، على اعتبار وجود أزمة اقتصادية. ولكن من الناحية القانونية، لا يوجد أي رادع يمنع المالك من رفع قيمة الإيجارات. ومن هنا، فقد تكون المسؤولية واقعة على عاتق المشرّع لإيجاد صيغة ترضي الطرفين في ظل الأزمة الحاصلة.
لا تخفي جعارة مخاوفها من نتائج رفع أسعار الإيجارات، في حديثها لـ"المدن"، وتقول: "من المرجح أن نشهد أزمة اجتماعية ذات أبعاد مختلفة، تتضمن إعادة تغيير الكثير من المفاهيم الراسخة في المجتمع اللبناني، ومن أبرزها الاستقلالية، حين سيلجأ الكثير من المستأجرين إلى السكن إما مع أهاليهم أو العكس، يلجأ الأهالي للسكن في منازل أبنائهم، أو حتى قد نشهد نوعاً مختلفاً من الهجرة الداخلية وما ينتج عنها من اختلافات ديمغرافية".
إلى الريف
يختلف الوضع بالنسبة إلى معروف الخطيب الذي يعمل في السلك العسكري، لأن الأخير ينتهي عقد الإيجار الخاص به في آذار المقبل. وقّع الخطيب عقد الإيجار قبل ثلاث سنوات، وخلال هذه المدة، لم يرفع المالك من قيمة الإيجار. ولكن الوضع قد يتغير في الفترة المقبلة حسب تعبيره. يقول: "طلب المالك تسديد قيمة الإيجار بالدولار، أو قد أضطر إلى إخلاء المنزل". بالنسبة إلى الخطيب، فإن تسديد قيمة الإيجار بالدولار قد تكون كارثة، وعلى افتراض أن المالك فرض 50 دولاراً فقط شهرياً بدل سكن، فإن هذا المبلغ قد يتغير تبعاً لسعر الصرف، فقد يصل إلى أكثر من مليوني ليرة، فيما لو ارتفع سعر الدولار إلى 40 ألف، وهو أعلى من ما يتقاضاه.
لم يبق أمام الخطيب سوى ترك المنزل والاتجاه إلى قريته للسكن في بيت العائلة، ولكن قد يكون هذا الخيار مكلفاً جداً. وحتى مع الانتقال إلى قريته، قد يواجه صعوبة في التوجه إلى عمله، بسبب ارتفاع تكاليف النقل، والتي باتت تشكل أكثر من 60 في المئة من أساس الراتب. يقول "سعر تنكة البنزين أكثر من 300 ألف ليرة، ما يعني أن الموظف يحتاج ما لايقل عن تنكتي بينزين شهرياً للانتقال من البيت إلى العمل ضمن العاصمة، فكيف يمكن تأمين البنزين من أجل قطع مساحة 60 كيلومتراً للانتقال من القرية إلى العاصمة".
آليات للمساعدة
ترى جعارة، أنه في ظل الانهيار الحاصل، لا بد من وجود خطة طارئة، تتناول تجميد الإخلاءات إلى حين صياغة تشريع أو إيجاد آلية ترضي الطرفين، أو حتى تنظيم سوق الإيجارات وتحديد بدلات عادلة وفق معايير واضحة.
وكانت اللجنة الأهلية لحماية المستأجرين، قد أصدرت بيانات سابقة، طالبت فيها، بضرورة إقرار تأمين بديل سكني، عبر تفعيل دور السلطات العامة، والتعامل مع الاخلاءات كملاذ أخير، وتأمين سكن بديل، مع إقرار برامج دعم المالكين والمستأجرين من ذوي الدخل المحدود.
في ظل الواقع الحالي، ومع ترك السلطات في الدولة جزءاً كبيراً من مهامها، وفشلها في تأمين الحماية الاجتماعية والاقتصادية لفئات كبيرة من اللبنانيين، قد يكون من الصعب التدخل لتنظيم ملف السكن، ما يجعل المستأجر أمام خيارين، إما الإخلاء أو التسديد بالدولار "الطازج" Fresh Dollar.