ماذا وراء "منطقة ترامب الاقتصادية" على الشريط الحدودي اللبناني مع اسرائيل؟

تَنْشَدّ بيروت إلى مَحطتيْن بالغتيْ الأهمية من شأنهما تحديد المنحى الذي سيَسلكه الوضعُ في لبنان الذي يكاد أن يختزله عنوانُ سلاح «حزب الله» بعدما كرّس قرارُ حكومةِ الرئيس نواف سلام بتفكيكه أنه بات على «الطاولة» ولا مجال لسحْبه عنها داخلياً ولا خارجياً، في مقابل استمرار «تَمَرُّد» الحزب على هذا المسار وفق شعار «كأنه ما كان»، وبـ «إسنادٍ» متمادٍ ومستمرّ من إيران التي كررتْ أن تقديم الدعم له سيستمرّ «كما كان».

وتتمثّل المحطةُ الأولى في زيارة الموفديْن الأميركييْن توماس براك ومورغان أورتاغوس غداً لبيروت (ولمدة ثلاثة أيام) التي تَنْشُدُ الردَّ الإسرائيلي على «ورقة الإعلان المشترك» (اللبنانية - الأميركية) حول تنفيذِ اتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر) بمرتكزيْه اللذين يتمحوران حول سحْب سلاح «حزب الله» وانسحاب تل أبيب من التلال الخمس. 

أما المحطةُ الثانية فهي جلسةُ مجلس الأمن لتجديد ولاية قوة «اليونيفيل» (تنتهي في 31 الجاري) والتي كان مُقَرَّراً عقدها غداً ولكنها أرجئت إلى الأربعاء أو الجمعة، في انعكاسٍ لعدم نضوج التفاهمات الدولية على كيفية توفير «هبوط ناعم» لقرارٍ بات واضحاً بإنهاء مهمّتها وتقوده واشنطن وتل أبيب، ولكن مع تَبايُن مع عواصم أوروبية حول هل يكون ذلك وفق جَدْولةٍ زمنية من ضمن التمديد لـ «سنة أخيرة» أي أن يحصل خلالها، أم يبدأ السحبُ «المُمَرْحَل» للقبعات الزرق - التي تتولّى «حراسة» القرار 1701 - بعد 31 أغسطس 2026.

ولم يَعُدْ خافياً الربطُ التلقائي الذي بات قائماً بين استحقاقِ التمديد لـ «اليونيفيل» وبين إطلاق مَراحل تنفيذِ ورقة براك المُلَبْننة، والتي تحدد خريطةَ طريقٍ على مراحل لانتهاء عملية سَحْبِ سلاح «حزب الله» (والسلاح الفلسطيني) بحلول نهاية 2025 أو أوائل السنة الطالعة، ومن ضمن مسار شامل يعني بلوغُه «خطَّ النهاية» تطبيقَ القرار 1701 وليس فقط اتفاق 27 نوفمبر.

ويَعكس هذا الربط في جانبٍ منه أن تأخيرَ جلسةِ التمديد لـ «اليونيفيل» لِما بعد زيارة براك وأورتاغوس - والأخيرة على تماس مباشر مع مسألة التجديد للقوة الدولية انطلاقاً من مهمتها في بعثة بلادها لدى الأمم المتحدة - هو في إطار محاولةِ زيادةِ منسوبِ الضغط على بيروت لملاقاةِ ما سيَحمله الموفدان الأميركيان في ما خصّ الجواب الإسرائيلي على مقترح واشنطن الذي أقرّتْ حكومةُ سلام أهدافه الـ 11 بعد إدخال تعديلاتٍ عليه وقامت بالخطوة الأولى من مراحله التنفيذية باتخاذ قرار سحْب السلاح بحلول نهاية السنة وكلّفت الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية قبل 31 الجاري على أن يناقشها مجلس الوزراء في جلسةٍ تُعقد في 2 سبتمبر المقبل مبدئياً.

وعشية عودةِ براك وأورتاغوس ومعهما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وعدد من مستشاري الإدارة الأميركية، تَزاحَمَتْ المعلوماتُ والتقاريرُ حول ردّ تل أبيب على محاولةٍ واشنطن انتزاع «مُقابِلٍ» منها يُلاقي «الخطوة الأولى» اللبنانية ويسهّل مسعى المضيّ بتطبيق الورقة على قاعدة «الخطوة خطوة»، وبما يعكس موافقة إسرائيل على مَضامين المقترح الشامل الذي يستوجب أيضاً انضمام سوريا لإعلان السير به، هو الذي يتضمّن فصليْن يعنيان دمشق مباشرة: الأول حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين والثاني يتناول محاربة الاتجار بالمخدرات وفق آليات مشتركة، الأمر الذي يفترض أن يكون محور زيارة وفد سوري لبيروت مرجّحة هذا الأسبوع.

ونقلت قناة «الجديد» أن الردّ الإسرائيلي على ورقة براك جاء بالموافقة على بعض بنودها ورفْض بعضِها الآخر بشكل يُسقطها في خلاصة المفاوضات، وأن ما وافقت عليه تل أبيب «مبدئياً» هو وقف تدريجي للغارات والاغتيالات إضافة إلى الانسحاب التدريجي من بعض النقاط المحتلة والانتهاء من ملف الأسرى، لكن الإسرائيلي طلب أن يكون الشريطَ الحدودي من القرى المدمّرة غير آهل بالسكان، على أن تكون المنطقة اقتصادية بمعنى إنشاء معامل ومصانع تابعة للدولة اللبنانية وتكون فاصلة بين القرى اللبنانية المأهولة والجانب الإسرائيلي أي أن تكون المنطقة العازلة صناعيةً وخاليةً من السكان.

وإذ تحدثت مصادر دبلوماسية عن أن براك طلب في التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بالانسحاب من عدد من النقاط من جنوب لبنان بما يُعطي دفعاً لقرارات الحكومة اللبنانية بحصر السلاح وللعمل وفق تَزامُن الخطوات، نَقَلَ موقع «أكسيوس» عن مصدرين قولهما إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلبتْ من إسرائيل تقليص عملياتها العسكرية «غير العاجلة» في لبنان، لتشجيع الحكومة اللبنانية على تنفيذ قرارها بالشروع في نزع سلاح حزب الله.

ووفق الموقع، فقد بحث براك خطة بهذا الصدد مع الحكومة الإسرائيلية تتضمن تقليص الضربات الجوية على لبنان لأسابيع، بحيث تكون خطوة أولى للتجاوب مع جهود الحكومة اللبنانية، كما طلب من تل أبيب أن تنظر في إمكان الانسحاب من إحدى التلال الخمسة التي تحتلها في جنوب لبنان، مقابل خطوات عملية من الحكومة اللبنانية لنزع سلاح الحزب.

«منطقة ترامب الاقتصادية»

ونقل «أكسيوس» أيضاً أن الخطة الأميركية تتضمن إنشاء «منطقة ترامب الاقتصادية» في أجزاء من جنوب لبنان بمحاذاة إسرائيل، وأن دولاً في المنطقة «وافقت على الاستثمار في إعادة إعمار مناطق اقتصادية في جنوب لبنان بعد اكتمال الانسحاب الإسرائيلي منه».

ويَشي تَقاطُعُ المعلومات، الأميركي – الإسرائيلية عن «المنطقة الاقتصادية» في الشريط الحدودي المدمّر على طول الحدود الجنوبية (بعمق ما بين 3 و5 كيلومترات)، بعد تقارير عن نية تل أبيب ضمّ هذا الشريط، بأن مصير هذا الشريط بات واقعياً بين خياريْن أحلاهما مُر، كونهما يتماهيان عند عدم عودة سكان هذه البلدات إليها، وهو ما يشي بمزيد من التعقيدات في ملف سحب السلاح الذي يَرفع حزب الله من وتيرة ممانعته للسير به.

«قرار تصادمي»

وبعدما كُشف أن رئيسَ كتلةِ نواب «حزب الله» محمد رعد أَبلغ إلى مستشار رئيس الجمهورية العميد السابق أندريه رحال، الذي زار الأول في الضاحية الجنوبية لبيروت إن حصر السلاح «بقرار تصادمي كالذي اتخذتْه الحكومة يعني «إنو رايحين ع تصادم، غير هيك، نحنا جاهزين وحاضرين للتعاون على أعلى مستوى وقد نفاجئكم بمدى تعاوننا»، شدد نائب الحزب علي المقداد على أنّ «سلاح المقاومة لن يُسلَّم، وهو ضمانة لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي وكل محاولات النيل من دوره ومكانته لن تفلح».

وأضاف «أرضنا كربلائية، والمقاومة باقية ما دام الاحتلال قائماً، ومن يراهن على تسليم السلاح فهو يفرّط بكرامته ووجوده».

وكان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الذي زار لبنان أخيراً أعلن «أن المقاومة في المنطقة رأسمال إستراتيجيّ ونحن بحاجة إلى دعم حزب الله كحاجته لنا»، مؤكداً مواصلة دعم الحزب كما في السابق.

وقال «الآن، يُمارس ضغطٌ شديد على حزب الله في لبنان لإلقاء سلاحه، وهو ما فشل الإسرائيليون في تحقيقه في حرب عسكرية مباشرة»، لافتاً إلى أنّ «قضايا لبنان تُحلّ بالحوار الداخلي، وإيران لا تفرض شيئاً على حزب الله، فهو ناضج ويأخذ قراراته بنفسه».