المصدر: اساس ميديا
الأحد 6 أيلول 2020 09:25:35
ا هي ورقة الإصلاحات المقترحة، لا بل المفروضة من قصر الإليزيه، تتضمّن بنداً متكاملاً عن قطاع الكهرباء، في نقطتين أساسيتين: الأولى هي تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، لكن من دون تعديل القانون 462، والثانية إسقاط معمل سلعاتا، وفق الصيغة التي أتى بها.
هاتان الملاحظتان تعنيان بشكل أو بآخر نسف خطة "التيار الوطني الحرّ" التي ترتكز على بناء سلعاتا "لتأمين الكهرباء على مدار 24 ساعة" - بحجة أنّ معملي دير عمار والزهراني فيما لو بُنيا لن يكونا كافيين لتأمين التيار بشكل متواصل - وعلى تعديل القانون قبل تعيين الهيئة الناظمة.
في الواقع، وقعت حكومة حسان دياب في التخبّط طوال أشهر بفعل المعادلة القاتلة التي فرضها "التيار الوطني الحرّ": دجاجة تعيين الهيئة الناظمة قبل بيضة تعديل القانون أم العكس. هكذا، لم تُعيّن الهيئة بفعل الإصرار على الذهاب إلى مجلس النواب لإجراء التعديلات اللازمة، تحت حجّة أنّه لا يجوز تعيين هيئة تُناط بها مسؤوليات كبيرة قبل أن تتمتع بالخبرة والجهاز البشري المتكامل الذي يسمح لها باتخاذ قرارات مهمة.
أما معمل سلعاتا فأقيمت له الدنيا ولم تقعد لأّن الحكومة استبعدته من مرحلة التنفيذ الأولى، فعاد رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب إلى البحث عن صيغة توافقية تجمع بين رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافض كلياً لمبدأ إدراج معمل سلعاتا على قائمة المعامل المنوي بناؤها، وبين رئيس "التيار الوطني الحرّ" الذي يصرّ على أنه لا كهرباء من دون معمل سلعاتا. ووعد دياب أنه في حال قبلت أي من الشركات العالمية التي عرضت عليها تلزيمات البناء، أن تبني معمل سلعاتا، فلن تقف الحكومة في وجهها. لكنّ الحكومة طارت فيما الشركات العالمية تراجعت عن حماستها بسبب عدم قدرة لبنان على تأمين حصّته من التمويل، وبسبب إصرار صندوق النقد الدولي على إصلاح هذا القطاع قبل منح موافقته على برنامج الدعم، فيما أصرّت الدول الراغبة في المساعدة على "فيزا" صندوق النقد.
اليوم، مع الوصاية الفرنسية المباشرة على سير عمل الحكومة العتيدة، بات قطاع الطاقة تحت أنظار المجتمع الدولي الذي يراقب كلّ تفصيل قد يشهده هذا الملف في ضوء توصيات الورقة الفرنسية. ومع ذلك، تقول أوساط وزير الطاقة المستقيل ريمون غجر إنّ الورقة الفرنسية سياسية وليست دراسة علمية يمكن البناء عليها، مشيرة إلى أنّ البنك الدولي يعدّ دراسةً مفصّلة مع شركة كهرباء فرنسا EDF بناء على طلب الجهة الأولى وتمويلها لتقييم مدى حاجة لبنان إلى معامل، لافتة إلى أنّ النتيجة الأولية للدراسة يفترض أن تظهر خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتتساءل: ماذا لو أوصت الدراسة ببناء ثلاثة معامل؟ ماذا سيكون موقف الإدارة الفرنسية؟
أما بالنسبة للهيئة الناظمة، فتكشف الأوساط أنّ البنك الدولي كما صندوق النقد اقتنعا مؤخراً مع الوزارة بأنّ تجيير صلاحيات الوزير لصالح هيئة ناظمة معينة حديثاً بلا أيّ خبرة ولا كادر بشري قادر على تأمين الدراسات اللازمة، من شأنه أن يعرقل عملها ويجعلها غير ذات فائدة. لذا من الضروري تحديد مرحلة انتقالية بعد تعيين الهيئة تكون بمثابة مرحلة انتقالية وتحضيرية قبل رفدها بالصلاحيات. وهذا بند يفترض إدخاله على القانون الحالي.
وفي هذا السياق، تقول المحامية والخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر، المتخصّصة في شؤون الطاقة، إنّ الإصلاحات الحقيقية تستدعي وضع استراتيجية واضحة متكاملة لكلّ قطاع الطاقة تحدّد كيف، وأين نبدأ، وأين، ومتى ننتهي، مشيرة إلى أنّ الأزمة الحاصلة تفرض حصول شراكة واضحة بين القطاعين العام والخاص بناء على معايير وأسس علمية، واستبدال الفيول بالغاز لأنّ معاملنا مجهّزة لاستخدام الغاز كونه أقل كلفة وأكثر احتراماً للمعايير البيئية.
ولفتت إلى ضرورة تطبيق كامل القانون 462 كما هو بلا أيّ تعديلات، الذي لا ينص فقط على تعيين هيئة ناظمة مستقلة وفق معايير شفافة علمية تختار أصحاب الكفاءات وذات صلاحيات تقريرية، وإنما ينصّ أيضاً على إعادة هيكلة قطاع الكهرباء وتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل يحفظ حقّ الدولة وحقّ القطاع الخاص وحقّ المواطن، ويشجع الشركات المحترمة على الاستثمار في دولة تعاني من أزمة مالية وفساد في إداراتها وانهيار في قطاع الكهرباء، وإعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان بشكل يسمح للقطاع الخاص بدخول مجالي توزيع وانتاج الطاقة.
وأشارت والخبيرة القانونية إلى أنّ الحديث عن تحويل صلاحيات الوزير إلى الهيئة الناظمة بشكل مطلق ليس في محله، لأنّ القانون شهد الكثير من التعديلات، وقد وزّعت الصلاحيات بين الوزير ومجلس الوزراء. وقد أظهرت التجربة أنّ هذه التعديلات لم تؤدّ غرضها، إذ إنّ إسناد هذه الصلاحيات إلى مجلس الوزراء هو أمر غير صحيّ وغير سليم لأنّه من الضروري فصل السلطة التنفيذية عن السلطة الإدارية، خصوصاً في ما يتعلّق بمنح التراخيص.
وأكدت أبي حيدر أنّ معمل سلعاتا ليس ضمن الأولويات لأنّ الدولة لا تملك لا ترف الوقت ولا ترف المال لصرفها على معامل غير مجدية، مشيرة إلى أنّه يكفي بناء معملين بطريقة مدروسة وشفافة ووقف الهدر حيث يمكن للبنانيين أن يلمسوا الفرق لفرض زيادة التعرفة على الكهرباء، لافتة إلى أنّ الورقة الفرنسية اقترحت زيادة التعرفة بشكل تصاعدي وفق مدخول المستهلكين إلا أنّ لا وزارة الطاقة ولا مؤسسة كهرباء لبنان لديهما داتا يمكنها التمييز بين المستهلكين، لفرض زيادة في التعرفة بشكل تصاعدي، كاشفة أنّ هناك العديد من الدراسات التي وضعت حول مدى الحاجة إلى معامل إنتاج، وبعضها متناقض تماماً.
ورأت ختاماً أن البنك الدولي سبق له أن وضع دراسات غير متجانسة لا سيما في ما خصّ تعديلات القانون، وأحياناً متناقضة لذا لا يمكن الاتكال فقط على رأيه في هذا المجال، بدليل إسقاط تمويل سدّ بسري بعدما كان البنك الدولي أبرز الداعمين له.
إلى جانب أزمة المعامل والتمويل، طرأت أزمة جديدة على ملف الكهرباء تتصل بانتهاء عقد شركة سوناطراك [CC1] نهاية العام الحالي، التي ترفض طبعاً التجديد بعد الاتهامات بالفساد، فيما الأزمة المالية قد تحول دون التوقيع مع شركة جديدة وفق الشروط المسهّلة التي كانت تؤمّنها الشركة الجزائرية... ما يعني أنّ لبنان مقبل نهاية العام على أزمة كهرباء مستعصية أكثر من السابق على الحلّ!