ما السبيل إلى علاقات طبيعية وندية بين لبنان وإيران؟

في الوقت الذي تنفي إيران تدخلها بالشأن اللبناني، يؤكد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي، أن إيران تؤدي دوراً سلبياً في لبنان والمنطقة. الأمر الذي يطرح مجدداً مصير العلاقات بين البلدين بعد دخولها في مرحلة دقيقة. ويصف ديبلوماسيون مطلعون، بأن ما يحصل من أداء إيراني تجاه لبنان يمثل أزمة صامتة. السلطة اللبنانية ومنذ اتفاق وقف النار تطلب من إيران عدم التدخل في الشأن اللبناني. فيما إيران تقول أنها لا تتدخل، لكنها ما تلبث أن تؤكد دعمها لـ”حزب الله” وتنقلب على موقفها المعلن عدم التدخل في الشأن اللبناني.

وقال مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، أن “حزب الله” “بالنسبة إلى اللبنانيين أهم من الخبز والماء” ، وأن سلاحه هو حاجة لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
وتسجل المصادر جملة مواقف إيرانية، لا تريدها الدولة اللبنانية، وهي:

– استخدام لبنان منصة لتوجيه الرسائل الإيرانية إلى الولايات المتحدة، بأنها لا تزال تملك نفوذاً في لبنان والمنطقة، وأن أية تسوية في الشرق الأوسط لا تمر إلا عبر القبول الإيراني. وأن إيران تتعامل مع لبنان كورقة من أوراق التفاوض مع واشنطن.

-يجب على إيران أن تفسر للبنان عدم تدخلها، في الوقت الذي يُقتل فيه العدد الكبير من الخبراء العسكريين الإيرانيين في لبنان، والموجودين إلى جانب قيادة ” حزب الله” والذين تغتالهم إسرائيل تباعاً، وآخرهم هيثم طبطبائي.

-لماذا تمتنع إيران عن تشجيع “حزب الله” على الوقوف إلى جانب الحكومة اللبنانية في تأييد خطة حصر السلاح بيد الدولة، وهي التي زودت الحزب بأسلحة ثقيلة منها الصواريخ البالستية؟ وهي لا تزال تؤكد دعمها المالي والعسكري للحزب.

-وكيف يمكن تفسير عدم موافقة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على تسليم سلاحهما الذي لا يزال موجوداً في المخيمات الفلسطينية حتى الآن؟ ولماذا لا تترك إيران حرية الخيار لكافة الفصائل في تسليم سلاحها للدولة اللبنانية؟ ان لبنان تحرك مع كل من مصر، التي لديها خط مفتوح مع إيران. ومع سلطنة عمان التي استضافت المفاوضات الاميركية-الايرانية وعملت على التقارب بين الطرفين، لتأمين موافقة إيرانية على تسهيل عملية تسليم السلاح، لكن حتى الآن لم تظهر أي نتيجة إيجابية.

-إن الزيارات الإيرانية لبيروت مستمرة على الرغم من كل علامات الاستفهام لدى السلطات اللبنانية، ذلك إنهم يحضرون دون دعوات رسمية، ويلتقون مسؤولي “حزب الله” والمسؤولين الأمنيين الإيرانيين الذين يعاونون قيادة “حزب الله”، وقيادات التنظيمات الفلسطينية المسلحة التي تدور في فلكهم، فضلاً عن نواب الحزب في البرلمان.

– إيران أرسلت اسم سفير جديد تقترحه ليكون معتمدًا في لبنان. ولم يبلغ لبنان بعد جوابه إلى طهران حول القبول بهذا السفير او الرفض. السؤال هل يعمد لبنان في سياق الأزمة الصامتة بين البلدين إلى التأخير في رده لأشهر؟ ان تأخير الرد في المعنى الديبلوماسي والسياسي له خلفيته، أي عدم القبول بالسلوك الإيراني حيال لبنان. لبنان لا يريد قطع العلاقات، لكنه يريد علاقات ديبلوماسية طبيعية مثل كل العلاقات بين دولتين تتبعان احترام سيادة كل دولة للثانية.

ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نورث كارولاينا ستايت البروفيسور خضر زعرور، أنه كلما استمر وضع لبنان ضعيفاً، و”حزب الله” مسلحاً، لن تعطي إيران للبنان أهميته الديبلوماسية في العلاقات بين البلدين. ان السبب وراء حرب 2006، كان البرنامج النووي الإيراني، حيث أراد المفتشون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدخول لتفتيش منشآتها النووية بناء على طلب الدول الغربية، قام “حزب الله” بخطف الجنديين الإسرائيليين وكان هذا العمل أدى إلى اندلاع الحرب آنذاك، الذي أبعد الأميركيين عن معرفة تفاصيل النووي. ولا يستبعد زعرور، أن تعمد إيران إلى تسليح جهات أخرى في لبنان. وإذا استمر السلاح مع الحزب، وبقيت لديه هيمنة على المجلس النيابي، فإن إيران لن تتعامل مع لبنان كدولة صديقة عبر إعادة النظر بالعلاقات كما هي حالياً. وهناك شروط عدة يجب توافرها لخلق علاقات طبيعية مع إيران وعلاقات من دولة إلى دولة، أبرزها:

– اذا جرى إضعاف إيران من جانب كل من إسرائيل أو الولايات المتحدة عبر حرب جديدة مثلاً، وهي غير مستبعدة. عندها يضعف الحزب، وعندها تبدأ الأمور تأخذ منحىً جديداً أكثر ميلاً نحو التهدئة.
– إذا جفّت الأموال الإيرانية، والأموال التي تموّل فيها “حزب الله”، عندها تتغير العلاقات اللبنانية -الإيرانية.
-إذا حاول الغرب تغيير النظام في إيران، عندها تبدأ إيران بالتعامل مع لبنان، مثلما كانت إيران تعامله قبل الثورة. في كل الأحوال إن الحرب بين إيران وإسرائيل لم تنتهِ بعد.
– إذا بدأ لبنان بفرض سيطرته على كامل أرضه، على مساحة ١٠٤٥٢ كلمتراً مربعًا، وحصر السلاح بيد الدولة. بذلك ينهض لبنان سياسيًا واقتصادياً.
-ان أي تقارب بين لبنان وسوريا يشكل أحد العوامل المهمة لإضعاف سلطة إيران على لبنان وسيطرتها.
-إذا حصل سلام بين لبنان وإسرائيل هذا يضعف إيران، ويجعل سلطتها تتراجع.
-ان إضعاف “حزب الله” يؤدي حتماً إلى إضعاف النفوذ الايراني في لبنان.
إيران لا تزال دولة مؤثرة، وإضعاف نفوذها في لبنان، يكون إما بإضعافها هي، أو بإضعاف “حزب الله”، وفق ما يقوله زعرور. إيران تتعامل مع لبنان مثلما تتعامل معها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. إنما يمكن للبنان اللجوء إلى المجتمع الدولي والقرارات الدولية لفرض سلطته وسيادته، ومعالجة أي أمر متصل بهما.
إلا أن المصادر الديبلوماسية، تؤكد وجود ازدواجية في مواقف إيران المعلنة بالنسبة إلى مساندتها “حزب الله” ، وإلى دعم سيادة لبنان على أراضيه. لكن لبنان يملك فعلياً ما يكفي من الأدلة التي تثبت تدخل إيران في شؤونه الداخلية.