ما بعد ترشيح أزعور ليس كما قبله

بعد مرور ٢١٨ يوماً على دخول لبنان في نفق الفراغ الرئاسي، وبعد مفاوضات شاقة وإجتماعات مكثفة ومناقشات مطولة، أضاءت المعارضة شعلة أمل بالأمس من دارة رئيس حركة الإستقلال النائب ميشال معوض ومعها التيار الوطني الحر، معلنةً الإتفاق رسمياً على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية فارضةً معادلاتٍ جديدة إستطاعت من خلالها خرق الجمود الرئاسي وتحقيق مكاسب وإنجازات عدّة.

ممّا لا شكّ فيه أن ترشيح أزعور سيؤدي حتماً إلى تراجع أسهم الوزير السابق سليمان فرنجية الذي تربّع كمرشحاً وحيداً لثنائي حزب الله - أمل لعدّة أشهر، ولم يستطع معهم حشد تأييد ٦٥ نائباً ولا موافقة خارجية تمكنّه من الإنتقال من بنشعي إلى قصر بعبدا.

إعلان الأمس تضمن في سطوره نعياً غير رسمي للمبادرة الفرنسية ومعادلة فرنجية - سلام، هذه المبادرة التي لم تعد سرّاً على أحد بعد أن سمع بها كل من زار العاصمة الفرنسية أو إلتقى المسؤولين الفرنسيين، ولن تستطيع فرنسا المُضي قدماً بها حيث وضعت نفسها في مواجهةٍ مباشرة مع المعارضة والمسيحيين.

إنجازٌ إضافي حقّقته خطوة الأمس، وساهمت بتأمين توافق معظم قوى المعارضة لا سيما كتل الكتائب، الجمهورية القوية وتجدد بالإضافة إلى عددٍ من النواب التغييريين والمستقلين على مرشح موحد لخوض الإستحقاق الرئاسي وتخطي الإختلافات والتباينات والبناء على النقاط المشتركة.

صحيحٌ أن هذا الإتفاق يحمل طابعاً وطنياً بإمتياز، إلا أنّه يحمل في طيّاته شبه إجماع مسيحي حول المرشح جهاد أزعور، تجسّد من خلال إتفاق أحزاب الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وبالتالي باتت إرادة المسيحيين مؤيدة لمرشح واحد يصعب على أحد تخطيها.

ولعل المتضرر الأكبر من هذا التوافق والمحرج منه هو رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري الذي حمّل مسؤولية الفراغ بطريقة غير مباشرة إلى الموارنة، ودعا مراراً وتكراراً الفريق المعارض إلى الإتفاق على مرشح ليدعو إلى جلسة إنتخابية، فتحققت "أمنايته" وباتت الكرة اليوم في ملعبه والأنظار متجهة نحو فتح أبواب المجلس ودعوته للإنعقاد في أقرب وقت ممكن تفادياً للعقوبات التي قد تفرض في حال التمنع عن الدعوة.

إذاً قالت المعارضة كلمتها بالأمس، على أمل أن تلقى أذان صاغية لدى حزب الله وفريقه السياسي، ليدرك أن زمن الإستقواء ولّى وزمن السيطرة على المؤسسات الدستورية إنتهى وما تم تكريسه على وزارة المالية لن يَصُح على رئاسة الجمهورية ولا إمكانية لفرض أي مرشح خلافاً لإرادة المسيحيين وجزء كبير من اللبنانيين بالقوة بعد الآن، ولكن يبقى الإنجاز الأكبر والأهم هو عقد جلسة لمجلس النواب قريباً تؤدي إلى إنهاء الفراغ الرئاسي القاتل وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية.