ما بين التضخم في أسعار الغذاء وشَرَه التجّار "شَعْرة".. والمواطن "كبش محرقة"

ضاق اللبنانيون ذرعاً من عبارات يتم تردادها على مسامعهم يوميا وعلى مدار 24 ساعة، على غرار "ازمة اقتصادية غير مسبوقة، "الانهيار التاريخي"، "السقوط"، "الآتي أعظم". يتلقف المواطن هذه التهويلات مجبراً، من خلال ما يبث عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، او عن طريق التحليلات التي تنشر في الصحف اليومية، وتلك المذاعة ضمن نشرات الاخبار. حتى بات يحاول التأقلم على واقع لا يشبهه، كما ان مقومات الحياة فيه لا تقتصر على التقشف، بل تتعداه لتطال الغاء معظم الاحتياجات الأساسية والضرورية في الحياة. والاقتصار الذي طال متطلبات الأطفال الملحّة، انعكس على نموهم وأدى الى ارتفاع نسبة التقزم بينهم بمعدل بلغ 12 في المئة، والمراهقين 8 في المئة.

فئة استغلت شريحة من غير المقتدرين

يقول خالد .ع. لـ "الديار" "لم يكن أحد ليصدق ان سعر صرف الدولار سوف يتجاوز عتبة الـ 100 ألف ليرة لبنانية، والأمور ذاهبة نحو مزيد من التدهور، والمواطن اضحى بين "شاقوف" تجار "الشنط" وارتفاع أسعار السلع". أضاف "السبب يعود الى الاستمرار بالسياسات النقدية ذاتها، وغياب الحلول العملية التي من شأنها ان تضع حدا للمناكفات السياسية والقضائية والخارجية كممر للجم السقوط السريع لليرة، وحماية القطاعات الحياتية الحيوية المتبقية في البلد من الانهيار. ولبنان على أبواب موسم الصيف، تأتي السياحة في المقدمة كونها أساس انتعاش الاقتصاد، كما وأنها تشغّل عشرات المئات من المواطنين، ولكن الصلة ما بين الضمير الوطني والمسؤولين مقطوعة".

الازمة تتعقّد لتتوسّع!

وفي سياق متصل، فإن العقدة تكمن في فئة من التجار وأصحاب "السوبرماركات" واستغلالهم للأوضاع الراهنة. فلم تعد المشكلة في الارتفاع المضطرد لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، وانما في الافراد الذين قرروا الاستفادة بأي ثمن "لتحويش" ما أمكن من الدولارات حتى اضحى "الدليفري" والبائع والتاجر والأستاذ والموظف في القطاع العام وحتى الخاص يزاول مهنة "الصرافة الحرة"، ناهيكم عن "تجار الشنط "السوداء سواء لبيع وشراء العملة او لترويج الادوية المهربة والمزورة وحتى المنتهية الصلاحية. اما أصحاب "الشيكات المصرفية" فيحتاجون الى فصل منفرد للتحدث عن الفوائد الجمّة التي حصدوها من خلال عملية التبادل.

هنا، لا بد من التذكير ان افراداً استغلوا جائحة كورونا، عندما باعوا المصابين ادوية زهيدة الثمن بمبالغ فاقت مئات الدولارات. والسؤال اين كانت الدولة يومذاك؟ بالطبع لا جواب، وان كان يوجد فدائما المبررات حاضرة، لان اغلبية "حيتان السوق" على صلة برؤوس سياسية كبيرة، وبالتالي لا حساب ولا من يحاسبون.

بالمقابل، هذا الواقع الشديد يشكل وفق الخبراء والمراقبين تهديدا ضروساً للأمن الغذائي والاجتماعي، ان لجهة الدولرة الشاملة لأسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية والخدمات، مقابل انعدام قيمة العملة الوطنية، وتدني مداخيل الاسر، وانبساط دائرة البطالة، وانتشار الفقر المتعدد الاشكال والابعاد، الذي بات يطال شريحة واسعة من الشعب اللبناني تتجاوز الـ 80 في المئة. وهذا يدل على ازدهار السوق غير الشرعي، نتيجة انحلال الرقابة الفاعلة من قبل أجهزة الدولة ومؤسساتها.

"كبش المحرقة"

مما لا لبس فيه، ان المواطن هو "كبش الفداء"، لان الزعماء لا يمكنهم التنازل عن عروشهم ولو على حساب الشعب والوطن. وفي هذا الإطار، أخبر وسام ن. "الديار" "انه في فصل الصيف يميل الانسان الى الترويح عن النفس، فيقصد المقاهي القائمة على البحر ليلتمس الهدوء. ولكن هذه السنة من الصعب جدا ان يدلّل الفرد نفسه بسبب استغلال أصحاب الأكشاك المواطنين". وقال "هناك اكشاك صغيرة تبيع فنجان القهوة بـ 50 ألف ليرة لبنانية، وأخرى تبيعه بـ 150 ألف ليرة، وفي محلات وصل سعره الى 250 ألف ليرة، والنارجيلة بعد ان كان سعرها بـ 100 ألف ليرة أصبحت اليوم بـ 1,500,000".

أضاف "هذه التفاصيل تعتبر مهمة بالنسبة للمواطن اللبناني العادي الذي يحب السهر والمرح والترفيه عن الذات. ويسعى التاجر والموظف وصاحب "الكشك" الصغير والكبير والمطعم و "السناك"، الى التلاعب بالناس واستغلال الواقع الراهن لتحصيل فائض ربحي إضافي من خلال فنجان قهوة او نسكافيه". واشار الى "ان هذه الأسعار لا تواكب ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالمقارنة ما بين مكان وآخر نجد ان الفارق شاسع لجهة التسعيرة المتفاوتة. هذه الأسباب مجتمعة، تجعل المواطن ضحية الفساد والجشع المنتشر في البلاد، واساسه السوس الذي ينخر بمؤسسات الدولة ويغذيه السادة من أصحاب المعالي".

بالتوازي، فان الازمة المالية والاقتصادية سرمدية الى ما شاء الله، ولا صحوة من قبل المعنين، وكأن لبنان بالنسبة لهم في "شهر عسل"، كما ان التراخي في انتخاب رئيس للبلاد يكشف ان جميع من في السلطة متآمر ومتخاذل على كينونة هذا الوطن، لا بل يشاركون في النزول السريع لما تبقى من أعمدة ترفعه او تفصله عن الجحيم الأعظم!

التقرير الكارثي لم يهز ضمائرهم!

بالموازاة، أظهر التقرير الأخير للبنك الدولي، الواقع الاقتصادي المهترئ للبنان، فقد سجل التقرير اعلى نسبة تضخم اسمية في أسعار الغذاء حول العالم، فتضاعفت الأسعار بنسبة 350 في المئة وبقيمة واقعية بلغت 80 في المئة، وذلك من الفترة الممتدة بين نيسان 2022 ونيسان 2023. ويبرر المسؤولون اللبنانيون هذا التعاظم الى ان لبنان يستورد حوالي 86 في المئة من السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، ما يعني ان التدهور في قيمة الليرة اللبنانية يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين والاجراء من أصحاب الدخل المتدني جدا. ونصف هؤلاء يشغل القطاع العام، والنصف الاخر يمتهن الاعمال الحرة ويتقاضى "باليومية".

على خطِ موازِ، قامت "الديار" بجولة ميدانية على الأسواق و"السوبرماركات" لمعاينة أسعار الخضراوات والفواكه، والانفلات في التسعير الذي وصل الى الحد الاقصى، بحيث ان كيلو الجزر بلغ 114 الفا، البندورة 56 الفا، الخيار 79 الفا، الخسة الواحدة 46 الفا، ضمة البقدونس 20 الفا، رزمة البصل الأخضر 56 الفا، الباذنجان المدعبل 79 الفا....

بالموازاة، الفواكه سجلت ارتفاعا ملحوظاً ايضاً، بحيث ان سعر كيلو المانغا بلغ 600 الف، الخوخ الأحمر 149 الفا، البرتقال 66 الفا، الافوكادو 400 الف، الجريب فروت 56 الفا، الشمندر الأحمر 79 الفا...

في الخلاصة، لا يمكن للأجير الذي يتقاضى راتبا شهريا ضمن حدود الـ 20 دولاراً، ان يشتري احتياجاته الضرورية حتى وان كان بالحبة. ومن خلال عملية حسابية سريعة، إذا أراد المواطن ان يبتاع بالقطعة، فأنه يحتاج حوالى 500 الف بالحد الأدنى يومياً، وهذا لا يتضمن شراء الخبز او الفواكه، ما يعني ان الراتب لا يكفي مصروف ليوم ونصف اليوم لـ "فرد واحد فقط".