ما بين 15 و20 في المائة من المرضى لديهم تأمين... السواد الأعظم من اللبنانيين خارج التغطية الصحية

كتبت بولا اسطيح في الشرق الاوسط:

لم يعد قسم كبير من المرضى اللبنانيين يزور المستشفيات على الرغم من حَرَج أوضاع بعضهم، إذ باتوا يبحثون في مناطق قريبة من منازلهم عن مستوصفات مجانية وعيادات تابعة لمنظمات إنسانية دولية للحصول ولو على حد أدنى من الطبابة، بعد ارتفاع فواتير المستشفيات الخاصة بشكل جنوني نتيجة ارتفاع أسعار الخدمات كما المستلزمات الطبية، مع تجاوز سعر صرف الدولار مؤخراً عتبة الـ35 ألف ليرة.

واعتادت أكثرية المواطنين دخول المستشفيات على نفقة وزارة الصحة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وجهات ضامنة أخرى، فلا يضطرون إلا لدفع مبالغ صغيرة، وفي أحيان كثيرة رمزية لتغطية الفروق. لكن مع الانهيار المالي الكبير الذي يشهده البلد منذ عام 2019، وانخفاض الاحتياطات لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إلى أدنى مستويات لها، لم تعد الجهات الضامنة قادرة على تغطية الفواتير الاستشفائية، باعتبار أن معظم موازناتها لا تزال على سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة للدولار الواحد.

وأعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس أبيض، بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل أيام، عن توجه لرفع تعرفة (أي موازنة) وزارة الصحة، على أن تصبح 6 أضعاف أو أكثر مما هي عليه اليوم، لافتاً إلى أن «ذلك من شأنه أن يريح المواطن، ويرفع عن كاهله الفروق المضخمة التي يدفعها».

وتتجه كل القطاعات لرفع موازناتها لتتناسب مع سعر الصرف الجديد، وهو ما أقدمت عليه وزارة الاتصالات مؤخراً، عبر رفع التعرفة، وما تتجه لفعله وزارة الطاقة.

ويوضح رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب الدكتور بلال عبد الله، أن هناك تعاوناً بين اللجنة التي يرأسها ووزارة الصحة، لرفع موازنة الوزارة من خلال مشروع الموازنة العامة التي تمت الدعوة لدراستها في المجلس النيابي الأسبوع المقبل، لافتاً إلى أن «المبالغ المرصودة ليست بالقدر الكافي لتغطية الفروق بشكل كبير؛ لكن ما نأمله أن ترتفع النسبة التي تدفعها الوزارة والجهات الضامنة، باعتبار أنها لم تعد تتجاوز الـ20 في المائة، ونحن نطمح إلى أن تصبح 30 أو 40 أو حتى 50 في المائة من الفاتورة الاستشفائية».

ويشير عبد الله -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- إلى أن «وزير الصحة استحصل على قرض من البنك الدولي بقيمة 25 مليون دولار، لدعم الاستشفاء، وقد أصبح مشروع قانون تدرسه اللجان النيابية»، لافتاً إلى أنه «على الرغم من ذلك فإن القطاع الاستشفائي ينهار، وهو الأكثر تأثراً بأزمة سعر الصرف، ما دفع تلقائياً السواد الأعظم من اللبنانيين خارج التغطية الصحية العادلة».

ويشهد القطاع الاستشفائي في لبنان الذي لطالما احتل على مر السنوات المراكز الأولى في منطقة الشرق الأوسط، أزمات شتى أدت لهجرة مئات الأطباء والممرضين، وإقفال عدد كبير من الصيدليات، وسط تحذيرات جدية من إقفال عدد من المستشفيات التي لم تعد قادرة على تأمين مصاريفها ورواتب موظفيها.

وبحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، فإن ديون الجهات الضامنة للمستشفيات الخاصة تتجاوز 1500 مليار ليرة لبنانية (أي ما يقارب 43 مليون دولار وفق سعر الصرف في السوق الموازية)، لافتاً إلى أن «هناك الكثير من الفواتير العالقة منذ عام 2021، ثم إن معظم فواتير عام 2022 لم تسدد بعد».

ويوضح هارون -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- أن ما بين 15 و20 في المائة من المرضى فقط لديهم تأمين صحي يغطيهم، بينما يتكل ما بين 80 و85 في المائة على الجهات الضامنة، ما يضطرهم لدفع فروقات تصل لحدود 80 في المائة. ويضيف: «نحن ننتظر ما ستكون عليه التعرفة الجديدة لوزارة الصحة، لتحديد كم ستنخفض هذه الفروقات».

وانعكس الشح الكبير في السيولة لدى مصرف لبنان على تقنين استيراد أدوية الأمراض المستعصية، وتلك المزمنة، كما أدوية البنج التي لا تزال تخضع لدعم المصرف المركزي، بعدما تم رفع الدعم عن معظم الأدوية الأخرى كما المستلزمات الطبية.

وأُعلن مؤخراً عن تخصيص 5 ملايين دولار للأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة، إضافة إلى مبلغ 35 مليون دولار أميركي الذي رصد لوزارة الصحة سابقاً من مصرف لبنان، لزوم شراء أدوية الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية وحليب الأطفال ومستلزمات طبية ومواد أولية لصناعة الدواء.

وفي شهر حزيران الماضي، أعلنت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان، ومنسقة الشؤون الإنسانية، نجاة رشدي، تمديد خطة الاستجابة للطوارئ في لبنان حتى نهاية سنة 2022، وطلبت من الجهات المانحة مبلغ 163 مليون دولار، لتوفير الحاجات الضرورية للبنانيين والمقيمين الأكثر حاجة.