ما دلالات القيمة الاستراتيجية والسياسية للإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بالنقاط الـ5؟

مع قرب موعد انتهاء المهلة الثانية لانسحابها النهائي المفترض من الجنوب، تبدي إسرائيل إصراراً على الاحتفاظ بخمس نقاط ، تسمى بـ" تلال حاكمة " في مناطق حدودية في الأراضي الجنوبية.

وفي سياق هذا الإصرار رفضت القيادة الإسرائيلية عروضاً وافكار تسوية أبرزها عرض فرنسيّ بتسليم تلك النقاط للقوّة الدولية "اليونيفيل" حصراً على أن تتعزّز بجنود فرنسيين من أجل مزيد من التطمين لها.

وعليه يبدو أن إسرائيل عازمة على أن تكرّس بقاءها عملياً في هذه النقاط بعد انتهاء مهلة انسحابها الممدة بموافقة أميركية، ليكتسب الأمر "شرعية" ولو بقوّة الأمر الواقع .

جغرافياً تقع تلك النقاط الخمس على طول الحدود اللبنانية والمقدرة بنحو 139 كيلومتراً بدءاً من الناقورة وصولاً إلى الخيام. وأولى هذه النقاط هي تلّة اللبونة الواقعة في خراج بلدتي الناقورة وعلما الشعب المجاورة، وهي عبارة عن منطقة حرجية كثيفة، لا تبعد أكثر من 300 متر عن خطّ الحدود التاريخيّ، وتشرف عملياً على كلّ القطاع الغربيّ.

أمّا النقطة الثانية فهي المعروفة بجبل بلاط ويقع بين بلدتي مروحين (صور) وراميا (بنت جبيل) وتؤمّن الإشراف أيضاً على كامل القطاع الغربي والأوسط. وممّا يذكر أنّ تلك النقطة لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن الخطّ الأزرق.

أمّا ثالث تلك النقاط فهي تلة العويضة التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن الحدود، وهي تقع بين بلدتي العديسة وكفركلا، وأهميتها أنّها تشرف على مستوطنة المطلة بالكامل إضافة إلى مستوطنات أخرى.

أمّا تلة العزية فهي النقطة الرابعة وهي تبعد نحو كيلومترين عن الحدود وتقع في خراج بلدة دير سريان (مرجعيون الشرقي) وتشرف على مجرى الليطاني من المحمودية إلى الزوطرين.

ونقطة الحمامص هي النقطة الخامسة تقع عملياً في خراج الخيام، وسبق لإسرائيل أن اتّخذت هذه النقطة منطلقاً لهجماتها البرية على الخيام خلال معارك الـ66 يوماً، وهي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن الحدود وتشرف على الخيام وسهلها وعلى المطلة.

والسؤال المطروح هو هل من أهداف ومقاصد أخرى غير تلك التي تعلنها إسرائيل، من وراء هذا الإصرار على الاحتفاظ بهذه النقاط مع أنّ ذلك يشكّل تحدياً كبيراً؟

لا ينكر الخبير الاستراتيجي والممثل السابق لقيادة الجيش في لجنة الناقورة اللواء عبد الرحمن شحيتلي لـ "النهار" أنّ لهذه النقاط أهمية استراتيجية "لكن للإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بها على رغم علمها بأنّ هذا الإجراء يشكّل خرقاً فاضحاً لاتفاق وقف النار الساري منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، ولمندرجات القرار 1701، أبعاد أخرى تتعدّى الأهمية العسكرية" .

ويضيف شحيتلي: "في زمن الدرون والمسيرات المتطورة تصير المبررات التي تسوّقها إسرائيل لإبقاء سيطرتها على تلك النقاط بلا قيمة، بل إنّها تصير ذرائع واهية.

وبمعنى آخر فإنّ ما تريده تل أبيب حقيقة أن تكون هذه التلال بمثابة "مسمار جحا" وجسر عبور مستقبليّ لفرض اتفاق سياسي على لبنان، لذا أعتقد جازماً أنّ جوهر الموضوع ليس كما تزعم إسرائيل لضمان أمنها ومنع تكرار هجمات المقاومة عليها".

ويروي شحيتلي أنّه في "أحد اجتماعات لجنة الناقورة عرض علينا ممثل إسرائيل أن نستعيد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في مقابل أمر واحد وهو أن نرفع مستوى التفاوض بيننا وبينهم من تفاوض على مستوى عسكريّ إلى تفاوض ديبلوماسي ولو بأدنى المستويات. وعليه أنا لا أقف أمام ادعاءات إسرائيل وتبريراتها للاحتفاظ  بهذه النقاط، بل أرى أنّ مقصدها بلوغ مرحلة التفاوض السياسي. وثمّة أمر آخر تريده إسرائيل وهو أنّ ذلك سيؤمّن لها حرية الحركة في العمق اللبناني بحيث يصير دخول دورياتها إلى هذه النقاط وتحرّكها في محيطها ساعة تشاء بمثابة تكريس لمبدأ حرية الحركة لها، ونحن نعلم أنّ هذا الأمر أصرّت عليه إسرائيل في كلّ مراحل التفاوض لبلوغ اتفاق وقف النار، وفيما ينفي لبنان قبوله بهذا الأمر ويدحض أن يكون قد ورد في متن الاتفاق، إلّا أنّ الكيان العبري يؤكّد أنّه أمر مشروع ومكتسب بالنسبة إليه رغم أنّ ذلك استباحة لسيادة لبنان. وإذا نجحت إسرائيل في الاحتفاظ بهذه النقاط إنّما تكون قد نجحت في إقامة "دفرسوار" آخر يمهّد لاحقاً في فتح باب التفاوض السياسيّ مع لبنان، وهذا هو جوهر كلّ مساعيها".