المصدر: الراي الكويتية
الجمعة 19 نيسان 2024 00:43:42
فيما المنطقةُ تقف على «رِجْلٍ ونصف» استعداداً للردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية والذي يراوح، بين أنه بات مسألةَ وقتٍ بعدما أوحتْ تل أبيب بأن تحديدَ الأهداف اكتمل ولم يبْقَ إلا الضغطُ «على الزر»، وبيّن أنه وُضع on hold أو ضُيِّق مسرحُه وطبيعته لأقصى حدود في إطار مقايضةٍ إسرائيلية مع واشنطن ثمنها اجتياح رفح، تَزدادُ على جبهة جنوب لبنان «العينُ الحمراء» لـ «حزب الله» الذي يَمْضي في مراكمةِ الرسائل التحذيرية على حافة المواجهةِ الإسرائيلية – الإيرانية التي انزلقتْ لتصبح «وَجْهاً لوجه» وربما تنجرف إلى ما هو أدهى.
سياق مثلّث الضلع
وفيما كانت الجبهةُ المستجدّةُ بين طهران وتل أبيب تشهد ما يشبه «العاصفةَ الغباريةَ» المدجَّجة بسيناريوهاتٍ حمَّالة أوجه حيال احتمالات الضربة في ذاتها وتوقيتها أو نجاح تل أبيب في انتزاعِ «ضوء أخضر» من واشنطن في ما خص عملية رفح مقابل «الضوء البرتقالي» لضربةٍ على إيران تُترك على طريقةِ «للردّ صلة» في موازاة تفعيل العقوبات على الحرس الثوري وسلاح المسيَّرات (والبرامج العسكرية الأخرى)، بقي الميدانُ في جنوب لبنان على ارتجاجاته فوق العادية التي يتمّ التعاطي معها في سياق مثلّث الضلع:
- أنها لمحاولة استعادة توازن الردع على مستوى زيادة اسرائيل وتيرة اغتيالاتها لكوادر وعناصر منه.
- للتناسُب مع المرحلة الجديدة في الصراع التي دشّنْتها الضربة الإيرانية لإسرائيل في 14 الجاري، على قاعدة أن ما كان «يمرّ» قبْلها لم يعد كذلك بعدها، لا بين طهران وتل أبيب ولا بين «حزب الله» واسرائيل.
- وأن العصفَ المتصاعِدَ جنوباً من جانب «حزب الله» يحتمل أن يكون من باب جذْب «القرش» الاسرائيلي بـ «رائحة الدم» واستدراجه إلى ملعب نار إما اعتقاداً بأن تل أبيب تخشاه أكثر لأنه ذات قابلية أكبر للتفلت من الضوابط ولتحقيق الأذى الأقرب «إلى سرعة الصوت»، وإما على قاعدة أنه حين تصبح إيران في ذاتها على المحكّ العسكري يكون تقدُّم الذراع الرئيسية ضرورياً، في ما يشبه تبادُل الأدوار الذي كان أول مظاهره خروج طهران نفسها اضطرارياً من الظلّ للتصدّي لإسرائيل رداً على ضربة القنصلية في دمشق، من دون أن يكون مضموناً أن تتجرّع الأخيرة «كأس السم» وتدير «الخدّ الأيسر».
وجاءت العمليةُ المركّبة التي نفّذها «حزب الله» أول من أمس «رداً على اغتيال العدو لعدد من المقاومين في عين بعال والشهابية» (الثلاثاء) حيث استهدفَ بالصواريخ الموجّهة والمسيّرات الانقضاضية مقر قيادة سرية الاستطلاع العسكري المستحدَث في عرب العرامشة ما أدى لسقوط 18 جريحاً في صفوف الجيش الاسرائيلي، العنوانَ الأبرز للارتقاء النوعي للحزب في استهدافاته.
وإلى جانب أن حصيلةَ الإصابات الإسرائيلية (7 راوحتْ بين خطيرة وحرجة ومتوسطة) كانت الأعلى في ضربةٍ واحدة منذ بدء الحزب، حرب المشاغَلة عبر الجنوب في 8 أكتوبر الماضي، فإنّ خفايا العملية تحمل أبعاداً أكثر دلالة على صعيد إظهار تفوّقٍ على مستويات عدة سرعان ما بدأ الجيش الاسرائيلي يتفحّصه بإمعان.
ووفق معلومات لـ «الراي»، فإنّ المسيّرة التي انفجرت في عرب العرامشة حلّقت في اتجاه الهدف لمسافة 800 متر خط نار، وأنها كانت تحمل 50 كيلوغراماً من المتفجّرات، وأن نجاح الضربة دلّ على أن «حزب الله» يملك معلوماتٍ استخباريةً عالية، تم تجميعها على المستوييْن البشري والتقني، وأن أحد عناصر العملية ارتكز على «الاستماع إلى الحركة».
وفي حين تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن الطائرة التي انفجرتْ في عرب العرامشة هي «مسيّرة إيرانية الصنع من نوع (أبابيل - ت)»، أشارت مصادر قريبة من محور الممانعة لـ «الراي»، إلى أن العِبرة في الضربة كانت تحذير الإسرائيليين «بإمكاننا أن نؤذيكم أكثر إذا أردْنا من دون خرق قواعد الاشتباك» (باعتبار أن الأهداف عسكرية).
قصف شمال بعلبك
في المقابل، عَكست الردود الإسرائيلية حرصاً مضاداً على إبقاء وتيرة الاستهدافات على نَسَقها التصاعدي، وفق ما عبّر عنه قصف شمال بعلبك (إيعات مساء الأربعاء) وتحديداً ما ذكر الجيش الاسرائيلي انه «بنية تحتية كانت تستخدمها قوة الدفاع الجوي التابعة لجماعة حزب الله»، لتستمرّ طوال الليل ويوم أمس، الغارات والقصف العنيف الذي تركّز على الخيام التي تعرّضت لِما لا يقل عن 6 غارات وأكثر من 100 قذيفة، وكفركلا حيث سقط اثنان من «حزب الله».
وردّ الحزب تباعاً باستهداف «تحرك لجنود العدو في موقع المالكية بالأسلحة الصاروخية» ثم «قوة معادية أثناء محاولتها سحب الآلية العسكرية التي تم استهدافها في موقع المطلة مساء الأربعاء»، قبل أن يُعلن أنه «بعد رصد دقيق وترقب لحركة العدو في موقع المرج، ولدى وصول جنود العدو وآلياته إلى الموقع المحدد (أمس) استهدفهم المجاهدون بالأسلحة الصاروخية وأصابوهم إصابة مباشرة وأوقعوهم بين قتيل وجريح». وبعدها أكد تنفيذ عملية ضد «تجمع لجنود العدو في حرش حانيتا بالأسلحة الصاروخية».
ماكرون وميقاتي وعون
وفيما كان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب ينقل عن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان الذي التقاه في طهران، أن «الردّ على الرد سيقابله رد بأضعاف هذا المستوى»، يحضر الملف اللبناني اليوم بمجمل مخاطره العالية ربْطاً بجبهة الجنوب واحتمالات جنوح المنطقة نحو مزيد من التصعيد، وقضايا ساخنة أخرى ليس أقلها موضوع النازحين السوريين وسُبل دعم الجيش اللبناني، في قصر الاليزيه، حيث يستقبل الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وكان عون غادر إلى باريس، بدعوة من رئيس أركان الجيوش الفرنسية تييري بوركهارد، للمشاركة في اجتماع تنظّمه السلطات الفرنسية لبحث وسائل دعم المؤسسة العسكرية بهدف تمكينها من الاستمرار في أداء مهماتها خلال المرحلة الاستثنائية الراهنة، وسط ترقُّب لنتائج محادثات ميقاتي وقائد الجيش في العاصمة الفرنسية التي تضطلع بدور مزدوج:
- على صعيد محاولة إيجاد أرضية لمنع انزلاق «بلاد الأرز» إلى فوهة الانفجار الكبير عبر بوابة الجنوب.
- والسعي لتوفير مَخْرج يكسر المأزق الرئاسي على متن ديبلوماسيةٍ مكوكية استعادتْها «مجموعة الخمس» التي تضمّ إلى فرنسا كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، وقد أكملت أمس عبر سفرائها لقاءاتها مع القادة اللبنانيين، بزيارتين لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (غابت عنه السفيرة الأميركية ليزل جونسون كون باسيل معاقَب أميركياً) ورئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد (غاب عن اللقاء كل من جونسون والسفير السعودي وليد بخاري)، قبل أن يعقد السفراء اجتماعاً تقويمياً لتحديد الخطوة التالية.