ما قصة "كهربة" الأجساد التي يشعر بها اللبنانيون في الآونة الأخيرة؟

تسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة على بيروت وضاحيتها الجنوبية أضرار بيئية ضخمة، خصوصاً لسكان العاصمة. وتناقلت وسائل السوشيال ميديا مزاعم لا أساس، سوى ربما شيء من التأثير النفسي، عن "كهربة" تصيب الأجساد في مناطق شاسعة من لبنان، ولكن لا أساس علمي لتلك "المشاعر".

 "هل شعرت بذلك؟"، "عم بكهرب كل ما دق بشي"، "شو قصة الكهرباء الزايدة"؟ تلك عبارات يرددها اللبنانيون في الآونة الأخيرة وكأن شيئاً في الأجواء يزيد من هذه الشحنة الكهربائية التي يشعر بها كثيرون. ولم يتردد البعض في ربطها مع الغارات الإسرائيلية العنيفة على بيروت وضاحيتها الجنوبية.  ولكن، علمياً لا صحة لتلك العبارات وغيرها التي تتناثر على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ولعل ذلك التناقل لأشياء لا أساس علمياً لها يذكر بظواهر كثيرة معروفة تتعلق بمنصات السوشيال ميديا، وبالحروب وأجوائها أيضاً.  

لا علاقة للصواريخ والقنابل بـ"كهربة" الأجساد

تشرح دكتورة الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت نجاة عون صليبا بوضوح ما يشعر به بعض اللبنانيين، وقد تلقت اتصالات عنها. وتؤكد لـ"النهار" أن "الشعور بالكهرباء لا علاقة له بالقنابل والصواريخ التي تقصفها إسرائيل. وقد يشعر بها البعض بوقت قصير جداً في المنطقة المستهدفة، ولكن لا يمكن أن يشعر بها اللبنانيون على بُعد جغرافي أوسع".

طُرحتْ فرضيات كثيرة عن تلك المسألة التي "تبرعت" شاشات السوشيال ميديا بربطها مع انخفاض الحرارة نتيجة القصف والقنابل.

وبشكل حاسم، أوضحت عون صليبا أنه "في مثل هذا الوقت من السنة، أي في تشرين الأول وتشرين الثاني، نكون عُرضة لهواء بارد قادم من أوروبا إلى فوق الصحراء – بادية الشام ( أي يكون الهواء شمالياً شرقياً). ويحمل هذا الهواء برودة وجفافاً".

ووفق شرحها، "لقد تعرض لبنان خلال الساعات الـ72 الماضية،  إلى هواء شرقي شمالي. وحينما تمتزج البرودة بالرطوبة المنخفضة تحدث هذه "شحطة الكهرباء".

إذاً، هذا الشعور السريع بالكهرباء حينما نلامس شيئاً أو أحداً ليست سوى نتيجة البرودة والرطوبة المنخفضة التي تجعل الشخص يشعر بهذه الشحنة للحظات. ولا شيء فيها يدعو للقلق ولا تُسبب أي ضرر صحي للجسم. ولا علاقة للقنايل والدخان في زيادة هذه "الشحنة" الكهربائية.

مواد سامة محملة بجزئيات مسرطنة

ثمة أشياء فعلية وعميقة تقلق صليبا، تتجسد بالغيوم الرمادية التي تحمل سمومها وتنشرها في سماء بيروت والضواحي. هذا المشهد التي يسيطر على المدينة اليوم يخفي وراءه علامات مقلقة لتلوث الهواء الذي نتشقه أخيراً والذي سيخلّف آثاراً قريبة وطويلة المدى.

ولا تُخفي عون أن "الحريق الذي اشتعل بالأمس بعد الغارة ما زال مشتعلاً حتى اليوم، وما أراه أمامي من نافذة منزلي غيمة بيضاء مع رائحة كريهة. نحن نجهل حقيقة ما الذي يحترق، وما هي المواد التي ما زالت مشتعلة. وبالتالي نحن عرضة لهذه الغيوم السوداء والبيضاء المحملة موادّ سرطانية ، بالإضافة إلى بقاء هذا الدخان السام فترة طويلة في الهواء والذي من شأنه أن يؤذي الناس".

 

وتتابع صليبا حديثها شارحة "أن المواد المحترقة مثل الخشب والموبيليا الموجودة والتي عادة يتم دهنها بمواد كيميائية حافظة كالـ"فورم ألديهايد" (Form aldehyde) التي تُصنف كمواد سرطانية. ويضاف إلى ذلك الذخائر والمواد الكيماوية الأخرى التي قد تكون موجودة في المناطق المستهدفة مثل المبيدات ومواد التنظيف والدهان والمفروشات والمعادن الثقيلة التي تتبخر وتشتعل وينتج عنها جزئيات سامة ومؤذية. وتجمعت تلك المواد كلها في سماء بيروت وخالطت هواءها وغيومها".

كيف نحمي أنفسنا؟

من المهم جداً تجنب هذه السموم المتواجدة في الهواء نتيجة عملية الاحتراق التي تشهدها المناطق المستهدفة، وذلك من خلال:

- عدم الخروج إلى الشرفات والجلوس عليها في الوقت الحاضر.

- عدم نشر الغسيل في الخارج لأنها تمتص هذا التلوث أو الدخان السام.

- ينصح بوضع الكمامة للأشخاص الذين يسكنون قريبين من المناطق التي تستهدف والحرائق الناتجة من القصف.

- الجلوس في المنزل وإقفال النوافذ والأبواب لعدم تنشق هذه الجزيئات السامة.

- تجنب البقاء لفترة طويلة في أمكنة الدخان لأن التعرض له قد يُسبب أمراضاً رئوية وقلبية وسرطانية.