المصدر: النهار
الكاتب: لينا اسماعيل
الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 09:25:13
في غمرة الحرب الدموية التي يعيشها لبنان منذ أيلول الماضي، والانكباب على إنقاذ الناس من براثن آلة الموت الاسرائيلية، ورعاية العائلات النازحة قسراً الى برّ الأمان النسبي، لايمكن إغفال مصير مخلوقات ضعيفة عايشها كثيرون في منازلهم وأحيائهم وألِفوها، حتى صارت جزءاً محبباً من حياتهم، وصورة إنسانية عن الرحمة والرفق بالحيوان.
رب قائل أن إنساننا اليوم في حاجة الى مثل هذه الرحمة في ظل الوحشية التي تواجهه بها إسرائيل، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الوحشية مهما اشتدت لن تذهب بإنسانيتنا وقيمنا.
بركة البيّاضة والذاكرة البعلبكية
تُحكى في بعلبك قصة طيور البط والإوز داخل بركة البيّاضة، والتي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتها.
حكاية بعلبكية تتشابك خيوطها بين أهلها، فلا يعرف خفاياها إلا من عاش تحت سمائها وخاض تفاصيلها. كل طفل في هذه المدينة أكرمها بلقمة أو منحها أسماءً تعكس هويته وخصوصيته، فمن دون صياحها / أصواتها، يتلاشى شغف الحياة من نبضها، وكأنها الروح التي لا يمكن الاستغناء عنها.
يعيش أهل المدينة في دوّامة من الخوف، يخشون ضياع تلك الأرواح، في ظل نزوح نازف نتيجة العدوان الاسرائيلي المستمر، والذي استهدف محلة رأس العين ومحيطها بأكثر من خمس غارات. لذا، تبذل القلة المتبقية الصامدة في المدينة جهداً مضاعفاً لإطعامها وإبقائها حيّة.
ينسلّ الناشط في "هيئة إنماء بعلبك" محمد الجمال يومياً من منزله، رغم الأخطار القائمة، من أجل رعاية طيور السلام والأمل. ويقول لـ"النهار": "من دون أصواتها، لا تنبض الحياة في رأس العين، فهي صلة وثيقة بها لا يدركها إلا البعلبكي ومن عاش الحرب هنا. لقد فقدنا عائلات بأكملها، فآلة العدوان الإسرائيلي لم تترك شيئاً لم تستهدفه في المدينة؛ لا تاريخ، ولا بشر، ولا حجر أو شجر، ومن الطبيعي أن نعيش في خوف على تلك الطيور التي تمثل أرواحنا".
يضيف: "تلك الكائنات الجميلة، تشكل رابطاً عميقاً يجمع البعلبكي بمكانه، فلا يدرك سحر هذه العلاقة إلا من تربى في كنفها وتعمّق في تفاصيلها الرائعة".
علي... وقططه العشرة
على مسافة خطوات من بركة البيّاضة، نفاجأ بطفل في الثامنة يدعى علي، يلزم ذويه، كل يومين، قطع المسافة من زحلة حيث الملاذ الموقت إلى بعلبك، متحدياً المخاطر التي تحوطهم، من أجل توفير الطعام لقططه العشرة.
ومن مدينة الشمس إلى بلدة تمنين التحتا غرب بعلبك، والتي تعرضت لأكثر من 16 غارة جوية إسرائيلية، تأبى ابنة البلدة الشابة ملاك مرتضى أن تترك قططها وقطط الحي جوعى، متشبثةً بشغفها ورغبتها في العناية بها.
تأسف ملاك بشدة لغياب الجمعيات التي تعنى برعاية هذه الكائنات الضعيفة في منطقة بعلبك - الهرمل، ولعدم توافر مأوى يحميها. وتكرّس كل جهدها لحمايتها، حتى في ظل خطر فقدان حياتها. تتحدث بأسى شديد عن تلك اللحظة القاسية التي استُهدف فيها المبنى المجاور لمنزلها، حيث اضطرت إلى ترك قطتها وصغارها ليلة واحدة. وعندما عادت، وجدت أن الكلاب قد أكلتها جوعاً، مما زاد من ألمها ووجعها.
إصابات وجوع و... تشرّد
كذلك تؤكد ممثلة جمعية "بقاع رسكيو اند شلتر ليبانون" Bekaa Rescue and Shelter- Lebanon روعة ماضي لـ "النهار" غياب أي مأوى للحيوانات في بعلبك - الهرمل، إضافة الى عدم وجود جمعيات متخصصة لرعاية هذه الكائنات". وتلفت الى أن الحرب "تركت آثارها المدمّرة على الحيوانات الأليفة، إذ جرى إنقاذ كلب مصاب من محيط مجزرة وقعت في بلدة بدنايل، كان لديه العديد من الرفاق، لكننا لم نتمكن من العثور عليهم. كذلك عُثر على كلب آخر في موقع المجزرة بترت شظية إحدى قوائمه. واستقبلت أيضاً كلبة من الهرمل، لم تعد قادرة على الحركة نتيجة الصدمة الناتجة من القصف".
وتوضح أنها "أرسلت مجموعة من أكياس الطعام الجاف إلى منطقة بعلبك - الهرمل، ولكن تتوالى عليّ الاتصالات التي تُخبرني أن لا وجود لطعام مخصص للحيوانات في تلك المنطقة. لذا، نعمل على تنظيم حملة لتأمين بعض الطعام للكلاب والحيوانات".
وتشير بحزن الى "أن حالة هذه الحيوانات مذرية بشكل مأسوي، إذ تتسبب كل غارة بقتل عدد كبير منها. لقد بذلنا منذ سنتين جهوداً مضنية لإقامة ملجأ للكلاب والقطط في مدينة بعلبك، لكننا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق، على رغم دعوتنا الى العديد من الاجتماعات التي لم تُثمر عن أي نتائج ملموسة".