فرويدية علي حسن خليل.. أزمة وجودية تواجه النخبة السياسية التقليدية

كان يمكن للنائب علي حسن خليل أن يلجأ، في هجومه على النائب الشابّ فراس حمدان، إلى سلّة هائلة من الأوصاف، غير التي استخدمها.

كان الأمر ليمرّ من دون الكثير من الدهشة التي أثارها، حين صدح في وجه حمدان، بأنّه وصحبه "مافيات".

لو اتّهمه بقلّة الخبرة، أو السذاجة الرومانسية، أو لو قال إنّه والمجموعة التي يمثّل مجرّد أدوات عند سفارات عربية وأجنبية، أو أيّ شيء آخر من قاموس السلطة لمرّ الأمر، بوصفه من عاديّات الحياة النيابية في لبنان.

زلّة لسان

بيد أنّ النائب علي حسن خليل، وفي زلّة لسان فرويديّة، نسبة لمؤسّس علم النفس الحديث سيغموند فرويد، أدهش اللبنانيين باتّهامه نوّاب الثورة بأنّهم مافيات.

ثمّ أضاف النائب خليل جملة مفتاحيّة أخرى توفّر نافذة على الحال النفسيّة التي تعيشها  السلطة، ممّن يذكّرهم اللبنانيون يومياً أنّ زمنهم انتهى. قال خليل: "سكتنا على قرطة ولاد صرلنا سنتين"، مفصحاً عن حجم الانزعاج من حضور نواب مختلفين في البرلمان عمّا اعتاد عليه في سابق الدورات البرلمانية.

أدوات الصراع السياسيّ

كلام خليل أداة كلاسيكية من أدوات الصراع السياسي في المجتمعات المريضة، وهي تقنيّة "الإسقاط النفسيّ"، أي أن يتّهم طرف ما الآخرين بما هي في الواقع صفات المنظومة. لا يقتصر أمر هذا الأداء على علي حسن خليل. تخيّلوا مثلاً أنّ زعيم حزب مذهبي في لبنان كحسن نصرالله لا يكفّ عن قدح المذهبية والطائفية المقيتة والتحريض الطائفي الذي يتّهم به الآخرين.

تقنيّة الإسقاط، التي مارسها خليل، مصمّمة لتكون درعاً نفسيّاً ضدّ النقد، وآليّة دفاعية بغية صرف اللوم عن المتّهمين الحقيقيّين، عبر محاولة السيطرة على السرديّات المتعلّقة بالانهيار، وسحبها من يد أصحابها بهدف الحفاظ على السلطة، والتعمية على المشاكل الحقيقية الأعمق في لبنان.

حقيقة الأمر أنّ ملفّات المحسوبية موثّقة بشكل جيّد في لبنان، لا بفعل جهود نواب المعارضة، بل بفعل التراشق الموسميّ بين قوى منظومة المافيا نفسها، التي يفضح بعضها بعضاً عند المنعطفات السياسية الكبرى. في ضوء ذلك، يعدّ امتلاك النائب علي حسن خليل الجرأة على اتّهام الآخرين بالمافيويّة، تجسيداً للأعطال البنيوية والجمود المنهجي الذي ابتُلي به الحكم في لبنان منذ فترة طويلة.

الجرأة أيضاً في محاولة إلباس بعض النوّاب الشباب، التهم نفسها التي يكافحون ضدّها، تمثّل سعياً حثيثاً من المنظومة التي تحاول إحباط تطلّعات اللبنانيين التوّاقين إلى التغيير، وسحق كلّ الجهود من أجل الإصلاح والشفافية في السياسة اللبنانية.

معركة سرديّات

بيد أنّ ردّة الفعل الواسعة التي استنكرت كلام خليل، وعبّرت عن فهم دقيق للمضامين العميقة لجرأته البرلمانية، تشي هي الأخرى بأنّ ما حصل في الانتخابات الماضية أكثر من مجرّد وصول نواب جدد إلى البرلمان. ولو وضعنا جانباً التنوّع الأيديولوجي لهؤلاء النواب والارتباك الذي رافق تجربتهم السياسية في البرلمان في الكثير من الملفّات، ولو تغاضينا عن منتحلي صفة التغيير بينهم، فإنّ الحالة البرلمانية التغييرية، بمجرّد وجودها كما هي الآن في البرلمان، هي تعبير عن تحوّل جيليّ وأيديولوجيّ وسياسي قيد التكوّن في قلب مؤسّسات النظام السياسي في لبنان.

يعرف علي حسن خليل أنّ البرلمانيين الشباب، يمثّلون في الشارع اللبناني أملاً لبنانياً بأن تتوافر، في لحظة ما، قيادة تمتلك منظوراً جديداً، للسياسة والخدمة العامّة والمؤسّسات والدستور، يتحدّى الوضع الراهن الذي يسعى إلى الحفاظ عليه. ويدرك خليل أنّ الأمر ليس مجرّد صراع على السلطة، بل معركة على السردية المتعلّقة بروح ومستقبل لبنان، وهو ما يفسّر مستوى الانزعاج عنده.

اشتباك النائبين علي حسن خليل وفراس حمدان، يغري بالقول إنّه أكثر من مجرّد شجار برلماني معتاد، بل مؤشّر إلى أزمة وجودية أكبر تواجه النخبة السياسية التقليدية التي تخوض معركة علنية مع تطلّعات اللبنانيين الساعين إلى إحداث تحوّل حاسم في مسار البلاد. فلبنان، بفضل المنظومة عالق بين حدَّي الانهيار الداخلي شبه الشامل والحرب التي تلوح في الأفق مع إسرائيل، وهما الحدّان اللذان لا تملك المنظومة غيرهما لتقديمه حتى لجماهيرها المباشرة.

وعليه فإنّ ما ينتهي في لبنان واضح وضوح الشمس، وإن كان ما يبدأ لا يزال يشبه الظلال.