محاولات أميركية وأوروبية لإيجاد مخرج حول الترسيم ينقذ الجميع

فجأة انتقل الحديث في لبنان من التركيز على استحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى استحقاق تشكيل الحكومة. منذ تقديم نجيب ميقاتي لتشكيلته المقترحة في 29 حزيران الفائت، بدا الحديث الحكومي خافتاً، فيما كان الإجماع على أن لا حكومة جديدة طالما أن الإنتخابات الرئاسية على الأبواب ولا بد من التركيز على هذا الإستحقاق. تغيّرت الوجهة قبل أسبوعين، فأصبح التركيز اليومي على ضرورة تشكيل حكومة جديدة. عقد لقاءان بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، فيما أطلق أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله ثلاثة مواقف متتالية شدد فيها على ضرورة تشكيل الحكومة.

اقرار بالفراغ
يؤشر هذا الإنتقال إلى حصول متغيرات. فأولاً يعني ذلك الإقرار بالدخول في مرحلة من الفراغ الرئاسي، ولذلك لا بد من البحث في كيفية تجّنب مخاطره بتشكيل حكومة. ثانياً، لا يمكن فصل كل هذه التصورات عن السجال المفتوح حول الصلاحيات وأنه لا يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية.

دفعت مجموعة أسباب إلى التركيز على تشكيل الحكومة بدلاً من الإستسلام لواقع الفراغ. يسمح ذلك بامكانية تأجيل مواجهة الإستحقاقات وتجنّب الأزمات سواء المرتبطة باستحقاق انتخاب رئيس أو بملفات سياسية أخرى، بانتظار ما سيتبلور على صعيد الإقليم وكيفية انعكاسه على الواقع الداخلي.

نصائح لتشكيل حكومة
في هذا السياق تشير مصادر متابعة إلى ممارسة ضغط كثيف من جهات متعددة أبرزها "حزب الله" و"حركة أمل" في سبيل تشكيل الحكومة، وذلك لتجنب أي سيناريو غير محسوب النتائج كمثل رفض رئيس الجمهورية لمغادرة القصر أو تسليم الصلاحيات لحكومة تصريف الأعمال. وتتزايد النصائح الموجهة إلى ميقاتي بضرورة تقديم التنازلات المطلوبة لتشكيل تلك الحكومة.

والأساس وراء ذلك، هو الرهان على حصول متغيرات في موازين القوى، إذ هناك من يعتبر أنه ما بعد خروج عون من القصر الجمهوري والعودة إلى الرابية لا بد أن تحصل بعض المتغيرات في الموازين السياسية. فجبران باسيل لن يعود بالقوة ذاتها، طالما أن رئيس الجمهورية لم يعد في بعبدا، وفي ظل احتمال خروج عدد من نواب التيار الوطني الحرّ من التكتل، وهذا سيجعل باسيل يتعاطى بواقعية أكبر وسيجد نفسه مضطراً لتقديم التنازلات.

من هنا يتضح أن "حزب الله" الذي نجح في تطويع الكثير من خصومه، أو عزل البعض الآخر منهم، ويفرض على الجميع مراعاة وضعه في ملفات داخلية وخارجية، يبقى عاجزاً عن التعاطي مع حليفه الأساسي "التيار الوطني الحرّ"، فلذلك لا بد بالنسبة إليه من إيجاد طريقة التفافية عن التعنّت الباسيلي.

"حزب الله" على موقفه
إذاً، يعتبر تشكيل الحكومة عنواناً لتجنّب انفجار أزمات متعددة سياسية داخلية، وأخرى مرتبطة بالخارج كما هو الحال بالنسبة إلى ملف ترسيم الحدود، وسط عدم وضوح في الوجهة والرأي والقرار على الجانب الإسرائيلي، فيما تهديدات "حزب الله" لا تزال قائمة. فمن الواضح أنه في الداخل الإسرائيلي لا يمكن لحكومة انتخابات الدخول في مفاوضات جدية وتقديم تنازلات، في المقابل "حزب الله" يلتزم بمواقفه التصعيدية وتهديداته. فيما يبحث الإسرائيليون بأفكار متعددة لتجنب التصعيد، أو لإنزال "حزب الله" عن شجرة التصعيد والذهاب إلى حرب، من بينها تفعيل الزيارات المكوكية لهوكشتاين، أو تأجيل الإستخراج من كاريش، أو غيرها.

بناء عليه، أصبحت الوساطة الأميركية مرتبطة بكيفية إيجاد مخرج لحرج الجميع بمن فيهم "حزب الله"، وسط تركيز أميركي وأوروبي لمنع حصول أي تصعيد ولمنع تنفيذ التهديدات، من خلال البحث عن كيفية معالجة شروط الحزب، لا بل أكثر من ذلك السعي لإخراج الحزب من خانة الحرج والذهاب إلى حرب.