محكومية السجناء في رومية تنتهي في الآخرة...إهمال طبي أم ذريعة لتحريك العفو الشامل؟

كان من الأجدى وضع حادثة وفاة السجين عمر حميد(37 عاما)  نتيجة إصابته بأزمة قلبية داخل زنزانته في سجن رومية عصر السبت الفائت تحت عنوان "إهمال طبي"  بسبب عدم وجود طبيب مناوب ومستشفى ميداني في السجن بدل استغلالها لفتح ملف العفو العام الشامل عن "الموقوفين الإسلاميين".

طبعا الكلام ليس انتقاصا من دور الأجهزة الأمنية في سجن رومية التي سارعت إلى ضبط الأمن منعا من تطور حالة الشغب التي تسبب بها بعض السجناء إثر وفاة حميد،  ولا حتما دفاعا عن سجين محكوم عليه بعقوبة الإعدام نتيجة التورط في جريمة قتل عسكريَين، إنما حث الوزارات المعنية وتحديدا وزارتي الصحة والداخلية على إيجاد منفذ حل لأزمة الطبابة في سجن رومية عن طريق إنشاء مستشفى ميداني وإرسال طبيب مناوب يوميا إلى السجن من المستشفيات الحكومية.

ما حصل في سجن رومية عصر السبت لا يشكل سابقة يقول الناشط والمدافع عن حقوق الإنسان المحامي محمد صبلوح.  "فقبل عشرة أعوام توفي سجين نتيجة إصابته بأزمة قلبية وتأخر وصوله إلى مستشفى ضهر الباشق التي تبعد عن السجن مدة عشر دقائق سيرا على الأقدام" وخمس دقائق بالسيارة. وكان يفترض أن يخرج السجين بعد شهر من تاريخ وفاته بعدما قضى مدة محكوميته المحددة بـ 15 عاما في سجن رومية ، إلا أنه توفي نتيجة تأخر وصول فرق الإسعاف لمعالجته عند إصابته بالذبحة القلبية بحسب رواية السجناء.  اكد بيان صادر عن القوى الأمنية أن فرق الإسعاف وصلت بعد 3 دقائق وتم نقله إلى مستشفى ضهر الباشق، إلا أنه توفي فور وصوله . ولو تمت معالجة جذور هذه المشكلة المستعصية في السجون اللبنانية كافة لما شهدنا على حادثة وفاة جديدة وربما هناك حوادث أخرى مشابهة ولكن يجري التكتم عنها أو تمر تحت عناوين حوادث أخرى".

حميد الذي كان صدر بحقه حكم وجاهي بالإعدام بتهمة قتل الرائد في الجيش اللبناني بيار بشعلاني، والمعاون أول إبراهيم زهرمان، في أطراف بلدة عرسال مطلع شهر شباط 2013، كان ينتظر جلسة المرافعة بعد قبول التمييز . ويروي صبلوح أن سجناء معه في الزنزانة رووا أنه تم نقله منذ حوالى الأسبوع إلى مستشفى ضهر الباشق بعدما كان شعر بأعراض أزمة قلبية. إلا أن الأطباء أعطوا تقريرا مفاده أنه بصحة جيدة ولا مانع من إعادته إلى الزنزانة. وهكذا حصل. إلا أنه توفي بعد أسبوع ".

وينفي صبلوح حصول أي عملية تمرد أو احتجاز ضابط وثلاثة عناصر في السجن إثر وقوع الحادثة،  وقد تم نفي الخبر الأخير جملة وتفصيلا. أما بالنسبة إلى انتشار أخبار مفادها عن مداهمة عناصر تابعة لتنظيم إرهابي سجن روميه" فهذا كلام لا يمت الى الواقع بصلة والهدف منه تعمية الرأي العام عن حقيقة وفاة السجين حميد وتظهير ما حدث على أنه "عمل إرهابي"، وهذا ما تطلب إرسال عناصر ضبط الشغب إلى محيط السجن ونشرها في داخله.

في السياق يطرح صبلوح جملة أسئلة من شأنها أن تصوب على واقع السجون اللبنانية، منها لماذا لا توجد غرفة طوارئ مجهزة للحالات الطارئة في سجن رومية وكل السجون اللبنانية؟ ماذا يمنع من إرسال طبيب يعمل في مستشفى حكومي إلى السجن للمناوبة يوميا؟ لماذا الإستهتار بحياة الإنسان حتى لو كان محكوما  بالإعدام؟".

في الخلاصة يشير صبلوح إلى أن "السجين الذي يمضي فترة محكوميته يتمتع بكامل بحقوقه ولا يحق لأي فرد أن يحاسبه خلال فترة قضائه مدة محكوميته، كما لا يحق لأحد أن يهمل وضعه الصحي عند إصابته بأزمة قلبية أو سواها من الحالات الطارئة". وإذ ينفي أن تكون حصلت أي عملية تمرد أو عصيان في السجن، بل اعتصام سلمي عفوي في باحة المبنى (ب) نتيجة الصدمة التي تلقاها السجناء بوفاة عمر حميد، دعا "مشغلي الغرف السوداء التي تفبرك الشائعات، وتعمل على تضليل الرأي العام، الى التوقف عن ممارسة هذه الأساليب التي باتت مكشوفة أمام الرأي العام وهي تستعمل للتغطية على فشل الإدارة ووزارة الصحة في الملف الطبي. واعتبر ما حصل بمثابة إخبارسيتقدم به أمام النيابة العامة التمييزية ويطالب مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار أن يتولى شخصيا التحقيق في ملف وفاة حميد من خلال الكاميرات الموجودة في السجن،وتشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الوفاة، وإيجاد حل سريع لأزمة الطبابة المستفحلة في سجون لبنان".

من سجن رومية إلى طرابلس، المشهدية واحدة لكن بسيناريو مختلف. فقبل حوالى الأسبوعين نفذ عدد من السجناء تمرداً محدوداً داخل سجن القبة في طرابلس، متهمين القوى الأمنية المسؤولة عن حماية السجن بـ"مضايقتهم وتعذيبهم وإلحاق الأذى الجسدي والمعنوي بهم لأسباب طائفية"، في حين نفى مصدر أمني هذه المزاعم، وأكد أن "إشكالاً نشب مع موقوفين آخرين، وأن السجناء المنتفضين استغلّوه وزعموا تعرضهم للتعذيب، وخلق واقع غير موجود أصلاً".

فهل تكون حادثة وفاة سجين محكوم عليه بالمؤبد الأخيرة، أم ثمة ثالثة قد لا تحمد عقباها وراء قضبان سجن رومية؟