المصدر: المدن
الأربعاء 20 تشرين الأول 2021 17:09:03
كتب نادر فوز في المدن:
بات شبه محسوم أنّ مجلس القضاء الأعلى سيستضيف المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يوم غد الخميس. وحسب ما تشير مصادر مواكبة لملف المرفأ والأزمة التي أوجدها ثنائي حزب الله وحركة أمل حول القاضي البيطار، أنّ "المجلس الأعلى يتواصل مع البيطار ليس بهدف الاستدعاء ولا المساءلة، إنما للنقاش وتبادل الآراء لا أكثر، فيُترك أمر القضاء للقضاء ليحّل الموضوع في ما بينه، من دون أي تدخّل من السلطة الإجرائية أو أي سلطة أخرى". فلا يمكن فرض أي قرار على المحقق العدلي، الذي يملك وحده حق التنازل أو الاستمرار، فهو "سيّد هذا الملف" كما قال وزير العدل قبل أيام.
هدوء الحملة.. والحكومة
وحسب ما هو ظاهر على الساحة الإعلامية، فإنّ الخطاب السياسي حول ملف جريمة المرفأ والتحقيق فيه قد هدأ، وكأنّ الأفرقاء المعنيين في السلطة وصلوا إلى حائط مسدود في ظلّ انعدام المخارج القانونية لمسعى الإطاحة بالبيطار (سقوط طرحي الإحالة إلى التفتيش القضائي وتشكيل الهيئة الاتهامية). وانسحب هذا الهدوء أيضاً على مستوى جلسة مجلس النواب أمس. وقد يتمّ البناء على هذا الهدوء لمحاولة إعادة إطلاق العمل الحكومي. فقد أفادت دوائر قصر بعبدا لـ"المدن"، إنه يتوقع حصول اجتماع بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، للاتفاق على تحديد موعد لانعقاد مجلس الوزراء. وفي هذا الإطار أيضاً، كان السؤال حول مطلب ثنائي حزب الله وحركة أمل بإحالة ملف أحداث الطيونة إلى المجلس العدلي، وكان الجواب "ليجتمع مجلس الوزراء ويقرّر".
خسارة المعركة
جراء الهدوء السياسي وانخفاض حدّة الهجوم على التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، لا يمكن تصوير المشهد سوى أنّ ثنائي حزب الله وحركة أمل وبعض حلفائهما خسر جولة جديدة بوجه المحقق العدلي والقضاء. حتى أنّ موقف وزير الثقافة، محمد مرتضى، بعد الجلسة التشريعية أمس كان واضحاً بأنه "إذا دعا الرئيس ميقاتي إلى جلسة للحكومة سنحضرها". وبالتالي، يمكن القول إنّ الشروط التي وضعها الثنائي لاجتماع مجلس الوزراء، في تنحية البيطار وإحالة "الطيونة" إلى المجلس العدلي، قد سقطت. على أنّ الثنائي يخوض معركة جديدة، وبالعمق، في ملف التحقيق في جريمة 4 آب.
شقاق في صفّ الأهالي
بعد أحداث الطيونة، حرّك ثنائي حزب الله وحركة أمل ورقة جديدة لزرع الشقاق في وحدة صف أهالي ضحايا وشهداء انفجار مرفأ بيروت. بفعل ضغوط أو ترهيب، لا يهمّ، نجح الثنائي في شقّ مجموعة من أهالي الضحايا باتت تتمثّل بشقيق شهيد فوج الإطفاء ثروت حطيط، إبراهيم حطيط ومعه أهالي آخرين. كما فرض الثنائي الصبغة المذهبية على المجموعة الجديدة، باعتبارها لجنة أهالي الضحايا الشيعة، التي باتت تتبنى موقف الثنائي من التحقيق ومن المحقق العدلي. وإضافة إلى هذا الأمر، ثمة طرح يؤكد على الهوية الطائفية لهذه اللجنة ويتمثّل في ضم أهالي ضحايا أحداث الطيونة إلى ضحايا المرفأ.
الفرز الطائفي والتنحية
وتردّد أنّ العائلات التي انشقّت عن التجمّع المركزي لأهالي الضحايا والشهداء، هي حطيط والمولى وعطوي وزهر الدين. وهنا يتّضح جلياً ما سبق وقاله أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، قبل أسبوع بأنه "نحن معنيون بملف تحقيق المرفأ ولدينا شهداء فيه". فتمّ، على ما يبدو، فرز الضحايا والشهداء الشيعة عن سواهم في منطق تلوّح به منظومة الطائفية والمذهبية والحروب الأهلية عند كل استحقاق. فزار اليوم وفد ترأسه حطيط، وزير العدل القاضي هنري خوري، وسلّمه كتاباً موجهاً إلى مجلس القضاء الأعلى يطلب فيه تنحية البيطار عن مهامه. ولو أنه لا ثقل قانونياً لهذا الكتاب، إلا أنّ ثقله المعنوي والسياسي وقع بمجرّد شق صفوف الأهالي.
الاعتداء والخوف
ليل 11-12 آب الماضي، تعرّض أهالي الضحايا إلى اعتداء منظّم في محيط مقرّ عين التينة، إثر تحرّك استبق انعقاد جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب، للنظر في قرار الاتهام الصادر في ملف انفجار المرفأ. بعد الهراوات وتكسير الأجساد والسيارات والدراجات النارية، لم يجرؤ عدد من الأهالي الذين تعرّضوا للضرب المبرح على تقديم دعاويهم وإفاداتهم. يومها كلّفوا عدداً من الوكلاء القانونيين المثول عنهم لتقديم الإفادات خوفاً من التعرّض لاعتداءات جديدة. فأثمر الاعتداء الأخير، مصحوباً بهول أحداث الطيونة والتجييش الطائفي، ثماره. هذا ما يمكن قوله واستنتاجه، من دون الغوص في تصنيف الأهالي المنشقّين أو حتى تخوينهم. وفي المحصلة هؤلاء لهم الخيار في اتخاذ أي إجراء يرونه مناسباً طالما أنهم فعلياً يسعون وراء الحقيقة والعدالة والمحاسبة.
في قصر العدل، لقاء مرتقب يوم غد بين مجلس القضاء الأعلى والمحقق العدلي. وخارجه، شقاق فُرض على أهالي الضحايا. وعلاقة القاضي البيطار لا بد وأن تتأثر بأهالي الضحايا بفعل هذا الشقاق. كأنه مسعى لعزله عنهم. كأنه مشروع لاستنباط الشكّ والارتياب به. وحول قصر العدل، افتعال فتن ودماء جديدة وجرّ إلى ساحات اقتتال داخلي. وعلى الرغم من كل ذلك، القاضي البيطار في مكتبه وفي عمله، لاستكمال التحقيق والبحث الدؤوب عن الحقيقة لإحقاق العدالة.