مخاطر المواجهات الحدودية بين "العشائر البقاعية" و"تحرير الشام"!

لم تستنفر "الحرب" التي شنتها "هيئة تحرير الشام" على مسلحي العشائر اللبنانية، أحداً. تعاطى معها كثيرون، في الداخل والخارج، كما لو كانت "حادثة بديهية". وحده رئيس الجمهورية العماد جوزف عون تدخل، فكسر الصمت بينه وبين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وبحث، بعد التهاني البروتوكولية المتبادلة– ولو متأخرة- في التطورات الحدودية بين البلدين، وأكمل ذلك بتعزيز انتشار الجيش اللبناني مع أوامر بالرد على مصادر النيران التي تستهدف الجانب اللبناني.

الرد الرئاسي اللبناني لم يأتِ من فراغ، فالعشائر اللبنانية التي طالما قاومت نفوذ الدولة مستفيدة من الخدمات المتبادلة، على مدى العقود الماضية، مع "حزب الله" والنظام السوري، استنجدت بمؤسسات الشرعية العسكرية والأمنية.

أضف إلى ذلك أنّ النظام السوري الجديد هو الذي يتبنّى العملية العسكرية على حدود لبنان، من خلال أداته العسكرية الأهم: هيئة تحرير الشام!

ما حصل ويحصل وقد يستمر، يُخشى أن تكون له تداعيات "مقلقة للغاية"، إذ يأخذ، في الحملات المتبادلة في وسائل التواصل الاجتماعي، منحىً خطراً يتعدى الحديث عن معابر التهريب، وعن اختباء فلول النظام السوري المنهار بين صفوف العشائر اللبنانية، ليصل إلى "تهاجم" طائفي بين السنة والشيعة، وتبادل التهديدات على هذا المستوى.

وهذا التطور الحدودي بما يعتمل فيه من معطى طائفي، يثير قلقاً كبيراً، لأنّه ينقلب على الارتياح الذي أثارته مواقف الشرع، منذ سيطرته على دمشق، عندما رفع شعار "سوريا أوّلاً وللجميع"!

وليس خافياً على أحد أنّ مواصلة استثمار المواجهات الحدودية طائفياً، من شأنها إحياء أحلام مجموعات لبنانية متطرفة، لا تزال مقتنعة بأنّ لا حدود يمكن أن تفصل مسلماً عن آخر، وهي بذلك تريد أن تستعيد لمصلحتها، الشعارات المعلنة والمستترة التي كان قد استعان بها "حزب الله" أمام الطائفة الشيعية، لتبرير تدخله الدموي المكلف دفاعاً عن النظام السوري.

القلق اللبناني، حيال ما يحصل، نابع أيضاً من أسئلة محورية كثيرة، إذ يعرب بعض المسؤولين المخضرمين عن مخاوفهم من إمكان أن تكون الولايات المتحدة الأميركية عادت إلى "استخدام" تنظيمات الإسلام السياسي، من أجل تحقيق أهدافها في المنطقة.

وفي هذا السياق، يمكن أن تكون "هيئة تحرير الشام" التي هرب الرئيس السوري من أمامها، عندما حصلت على الضوء الأخضر للسيطرة على سوريا، تعمل لمحاصرة واحد من أهم مصادر تمويل "حزب الله" وتسليحه، بحيث ينضم الحصار البري إلى الحصارين الجوي والبحري.

ومحاولة "حزب الله" الاستعانة ببيئة شعبية من أجل التصدي لهذا المشروع، يمكن أن تدخل لبنان الرسمي في صراع، إما مع فئة من شعبه أو مع النظام الجديد في سوريا، بكل المخاطر التي يمكن أن يعكسه ذلك على الاستقرار الداخلي.

أين يكمن الحل؟

ليس في ترسيم الحدود اللبنانية-السورية، لأنّ الرئيس السوري أحمد الشرع كان قد أبلغ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، عندما زاره في دمشق، بأنّ موضوع الترسيم مهم، ولكنّ أوانه لم يحن بعد، لأنّ المؤسسات الدستورية في سوريا مؤقتة وغير مكتملة.

إنّ استلام الجيش اللبناني الحدود البرية خطوة مهمة ولكنها ممكنة بشكل مؤقت وليس بشكل دائم، بسبب مساحة الحدود الضخمة، من جهة وكثرة الأعباء الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية، من جهة أخرى.

ولذلك، لا بد من تفعيل الوساطة التي سبق أن عرضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لحل معضلة الحدود اللبنانية-السورية، بحيث يضمن والاتحاد الأوروبي وبموافقة أميركية، تصوراً لبنانياً-سورياً مشتركاً يقوم على احترام القرارات الدولية وسيادتي لبنان وسوريا، ويعفي المنطقة من اضطراب طائفي لا تحمد عقباه!

الملحّ في الوقت الحاضر، وحتى يكتمل انتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة ونيلها الثقة، بأن تتركز الجهود على تمكين الجيش اللبناني من السيطرة على كل المعابر غير الشرعية، ومنع المظاهر المسلحة غير الشرعية، واعتبار التعاطي الطائفي مع هذا التطور الإقليمي الجيو-سياسي… جريمة!