مخالفات المولّدات: 90 بالمئة من البلديات لا تقوم بواجباتها

"إذا بعد بتحكي كلمة، بقعدك بلا كهرباء"، بهذه الفجاجة والاستقواء، ردّ أحد أصحاب المولدات في كسروان، على امرأة سبعينية اشتكت له من فاتورتها التي بلغت 50 دولاراً، على الرغم من أنها لا تستهلك سوى القليل جداً من الكهرباء، حتى أنها تقطعها عن البراد ليلاً.

صاحب المولد، كالعشرات غيره، يبتز المواطنين بخدمة حيوية، هي من أبسط حقوقهم. وفيما الدولة عاجزة، والناس تحت التهديد المتواصل بالانقطاع الشامل للكهرباء، وهو ما اختبروه أكثر من مرة، يتحكم  أصحاب المولدات بالناس. والانقطاع الأخير الشامل للكهرباء سمح لاصحاب المولدات بالاستقواء مجدداً على الناس الذين يشعرون بخوف دائم من فقدان هذه الخدمة.

معاناة المواطنين
واقعة أخرى في شرق صيدا. أثناء تواجد جابي الموتور في احد الصالونات لتصفيف شعره، بدأ يوجه كلمات غير لائقة لصاحبة محل نسائي مجاور. طرد صاحب المحل الجابي رفضاً لتصرفاته، فما كان منه إلاّ أن هدده: "ستندم". ولم تمضِ أيام حتى نفّذ تهديده، إذ قام بقطع الكهرباء عن الحلاق في ذروة موسم العمل.

ومن الجنوب إلى الشمال، هي القصة نفسها. يروي صالح أنه طلب من صاحب المولّد إيقاف اشتراكه نظراً لسفره إلى خارج البلاد. لكن الأخير أكد له أن بإمكانه ذلك، إلا أنه عند إعادة تزويده بالخدمة من جديد عليه أن يسدد قيمة الاشتراك عن جميع الأشهر السابقة .

في منطقة بقسطا، تروي إحدى المواطنات معاناتها مع صاحب المولد الذي يعتمد على العدادات لكنه لا يلتزم بالتسعيرة الرسمية المحددة من قبل الدولة. بدلاً من ذلك، يسعّر الكيلو واط بسعر 70 سنتاً، أي ضعف التسعيرة الرسمية، بالإضافة إلى فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 11%، ليصل السعر النهائي إلى حوالي 77 سنتاً لكل كيلو واط. وتقول: "إذا أردت أن أشغل الأساسيات فقط، تصل فاتورتي في الحدّ الأدنى إلى 50 دولاراً".

لجأ بعض المواطنين إلى الطاقة الشمسية للاعتماد على عليهما كمصدر أساسي للطاقة. محمد منهم، لكن يواجه تحدياً في فصل الصيف حيث لا تكفي الطاقة الشمسية لتشغيل المكيفات. طلب من صاحب المولد أن يركب له الاشتراك على العداد بدلاً من التسعيرة المقطوعة، نظراً لأنه يمتلك جزءاً من احتياجاته من الطاقة عبر النظام الشمسي، ويرى أنه من غير العادل أن يدفع قيمة مقطوعة ثابتة. لكن صاحب المولد لم يتجاوب، مما يعكس مشكلة أخرى في مرونة التعامل مع المستهلكين وغياب التفاهم حول احتياجاتهم المتنوعة.

اصحاب المولّدات: بين العداد و"المقطوعة"
قلة من أصحاب المولّدات ترحب بالتحدث إلى الإعلام، على اعتبار أنهم، في معظم الأحيان، لا يسمعون سوى الانتقاد. أبو كريم، صاحب مولدات في منطقة طريق الجديدة، من بين اولئك القلّة. يرفض تركيب العدادات ويفضل تسعيرة "المقطوعة". ويبرر: "السبب الأساسي هو أنني لا أستطيع ضمانة أن المشترك سيدفع لي في نهاية الشهر". وبسؤاله "الاّ تواجه المشكلة نفسها مع التسعيرة المقطوعة، خصوصاً أنك لا تأخذ دفعات مسبقة؟" يرد قائلاً: "عندما تكون تسعيرة المولد ثابتة يعرف المواطن تلقائياً كيف يدير ميزانيته، على عكس العداد الذي قد تفاجئه فاتورته".

وعند لفت انتباهه إلى أن "العداد يساعد المواطن على التحكم بمصروفه بشكل أفضل وغالباً ما تكون الفاتورة أوفر مقارنة بالمقطوعة".يعلّق أبو كريم "إذا أردت تركيب العدادات، فهذا يعني أنني ملزم بتأمين الكهرباء على مدار 24 ساعة، وهذا ليس ضمن إمكانياتي، إذ يتطلب الأمر مولداً إضافياً"، فيما أبو كريم يؤمن الكهرباء لمدة 18 ساعة يومياً فقط.
أما بخصوص تسعيرة "المقطوعة"، فأوضح أبو كريم أنها تعتمد على سعر المازوت قائلاً: "أنا لا يمكنني أن أتحمل تكاليف إضافية من جيبي لتأمين سعر المازوت".

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الاقتصاد قامت بزيارة لمنطقة طريق الجديدة في عام 2021، للتشديد على ضرورة تركيب العدادات من قبل أصحاب المولدات بعد أن صدر القرار من العام 2017 عن وزير الاقتصاد الأسبق رائد خوري. إلا أن الوزارة غادرت بعد إصرار أصحاب المولدات في المنطقة على رفض تركيب العدادات، وحتى الآن لا تزال العدادات غير موجودة في المنطقة.

أبو سمير صاحب مولدات أيضاً يعتمد على العدادات ويلتزم بالتسعيرة الرسمية. يقول لـ"المدن" "أنا رجل أعمال، أملك عدة شركات، ومن ضمنها المولدات. أفهم أخلاقيات العمل وألتزم بها". ويشير إلى أن تجربته الطويلة في أوروبا ساهمت في تشكيل التزامه بأخلاقيات المهنة واحترام القوانين، حيث يوضح: "إذا الدولة وضعت آلية للعمل وحددت التسعيرة، فلماذا لا ألتزم بها؟".

أبو سمير يرى أن احترام القوانين ليس خياراً بل ضرورة أخلاقية ومهنية، مشدداً على أن الالتزام بالقوانين يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي عمل. ويختم: "إذا كان المشروع لا يحقق أرباحاً ويؤدي إلى الخسارة، فمن الطبيعي أن نقوم بإغلاقه. لا أحد يعمل في مجال لا يحقق عائداً".

وزارة الاقتصاد ودور البلديات
مدير مصلحة حماية المستهلك طارق يونس يوضح لـ"المدن" أن وزارة الطاقة هي الجهة المسؤولة عن تحديد التسعيرة الرسمية للمولدات، والتي تَصدر كل شهر. حاليًا، تبلغ التعرفة 32 ألف ليرة لكل كيلو واط/ساعة، بينما ترتفع إلى 35 ألف ليرة لكل كيلو واط/ساعة في المناطق الواقعة فوق 700 متر أو التي لا تشهد اكتظاظًا سكانيًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك تعرفة ثابتة تعتمد على سعة القاطع الكهربائي؛ حيث يدفع المشترك 385 ألف ليرة لخدمة 5 أمبير، و685 ألف ليرة لخدمة 10 أمبير، مع زيادة 300 ألف ليرة لكل 5 أمبير إضافية. تهدف هذه التسعيرة إلى ضمان العدالة لأصحاب المولدات وتأمين مبلغ ثابت لهم حتى إذا لم يستهلك المشترك أي طاقة".

يشدد يونس على أن "مصلحة حماية المستهلك تراقب التزام أصحاب المولدات بهذه التسعيرة، وتنظم محاضر ضبط في حالة وجود أي من المخالفات الثلاث: عدم تركيب العدادات، عدم الالتزام بالتسعيرة، أو التلاعب في العدادات لزيادة الاستهلاك. وفي العام الماضي، تم تسجيل أكثر من 300 محضر ضبط لمخالفات المولدات".

وعن عدم تركيب العدادات في منطقة طريق الجديدة، مثلا، يوضح يونس أن "دور مصلحة حماية المستهلك يقتصر على تسجيل المخالفات، بينما يتعين على البلدية، التي تلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال، أن تتولى هذه المسؤوليات، حيث إن أكثر من 90% من البلديات لا تقوم بهذا الدور. ويضيف أن "أصحاب المولدات غالبًا ما يستولون على أملاك البلدية مثل الأعمدة، مما يعطي البلديات الحق في إدارة هذه المولدات بموجب إشارات قضائية، بالإضافة إلى تنظيم محاضر ضبط". ويذكر يونس أن "بعض البلديات قامت بالفعل بهذه الإجراءات، مما دفع أصحاب المولدات للتعهد بالالتزام بالتسعيرة الرسمية مقابل استرجاعهم لمولداتهم".

يتفق اللبنانيون على أن أصحاب المولدات انضموا إلى فئة اصحاب النفوذ والسطوة في البلد يحكمون سيطرتهم على يوميات الناس من خلال خدمة حيوية هي الكهرباء. صاروا فئة يُخشى  غضبها فتقطع عنهم الكهرباء وما يتصل بها، وصولاً إلى الحياة نفسها لأفراد يحتاجون إلى آلات الأوكسيجين ليتنفسوا.