المصدر: الانباء الكويتية
الكاتب: اتحاد درويش
الأحد 22 كانون الاول 2024 07:53:01
لعب الإعلام دورا مهما وأساسيا في تغطية فظائع الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي أدت بنتائجها الدامية إلى سقوط الآلاف من الأرواح وتدمير واسع لقرى الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت، فضلا عن التسبب في موجة نزوح غير مسبوقة.
ولم يسلم الإعلام بمختلف وسائلة منذ الثامن من تشرين الاول 2023 من العدوانية الإسرائيلية، وهو الذي كان شاهدا على فضح جرائم إسرائيل وارتكاباتها، وتحول إلى هدف مباشر، فسقط منه 12 ضحية اضافة إلى عدد من الجرحى، منهم من أصيب بإعاقة دائمة.
للمراسل الحربي دور في نقل الصورة على حقيقتها عندما يقف في المناطق الساخنة، فهو عين الواقع والهدف في أحيان كثيرة. عين تحوله إلى ضحية حرية الإعلام والصحافيين وحمايتهم، والتي تخضع لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي أطاحت به إسرائيل في حربها على لبنان وغزة، وقد بلغ عدد الصحافيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا نحو 200.
وفي هذا الإطار، كان لـ «الأنباء» لقاء مع مراسلة قناة «الجديد» ريبيكا سمعان التي تحدثت عن تجربتها خلال الحرب الإسرائيلية، وعملها الميداني ونقلها للأحداث مباشرة على الهواء عبر رسائل متتالية، لاسيما عند اشتداد الغارات الجوية.
وقالت سمعان: «إنها تجربة فريدة من نوعها ونقلة نوعية في مسيرتي المهنية. كانت المرة الأولى أخوض فيها هذه التجربة. وكانت مريرة لناحية ما شاهدته من فظائع ارتكبتها إسرائيل بحق الآمنين والأبرياء. وقد شعرت بمسؤولية التزمت بها وأخذتها على عاتقي، فكانت تختلط عندي مشاعر الغضب والخوف مع الانتباه بحماية نفسي والحفاظ على سلامتي أنا وفريق العمل، وسط المخاطر التي حاصرتنا عند الانتقال من بلدة إلى أخرى».
وأضافت سمعان التي بقيت أكثر من سبعين يوما في البقاع تتنقل وزميلها المصور من بلدة إلى أخرى: «لقد نجونا بأعجوبة بفعل الغارات العنيفة والمكثفة للعدو. واجهنا الخوف وكنا أمام تحديات، لاسيما عند نقل المشاهد الحية مباشرة على الهواء عبر رسائل متواصلة. وكان علي أن أنقل الصورة بكل أمانة وموضوعية، والتعبير عما هو حاصل بكل أمانة ومن دون إنكار المجازر التي وقعت».
وتابعت: «رافقني الحزن على الدوام، ولا أشعر بذلك إلا عند الخلود إلى النوم في وقت متأخر. وكان شريط الأحداث يمر أمامي بمشاهده المؤثرة من الجثث المقطعة التي كانت تختلط بالركام، والمنازل المدمرة المنبعث منها الدخان الرمادي، والأهالي الذين كانوا يبحثون بين الركام عن أهلهم وأقاربهم وأحبتهم. وكانت أشد المشاهد إيلاما صور الأطفال والمجازر بحق السكان الآمنين ومنازلهم التي تهاوت فوق رؤوسهم، كل ذلك مترافقا مع مشاهد مؤلمة لأهلنا الذين نزحوا باتجاه بيروت وغيرها من المناطق».
ومن المشاهد التي لا يمكن أن تنسى تقول سمعان: «تلك الليلة التي شهدت قصفا على مختلف قرى وبلدات البقاع في اليوم الذي سبق وقف إطلاق النار. كما لا يمكن أن أنسى قصف إسرائيل لمركز الدفاع المدني الإقليمي في بلدة دورس وأودى بجميع عناصره، في وقت كنت فيه على اتصال مع المسؤول عن المركز ولم يرد على اتصالاتي المتكررة وعلمت عندها عن وفاته مع رفاقه».
المصور في «التلفزيون العربي» شربل فرنسيس الذي بقي على مدى أكثر من عام يحمل كاميرته متنقلا بين المنطقة الممتدة من الناقورة جنوب لبنان إلى بلدة مركبا في القطاع الأوسط والغربي قال لـ «الأنباء»: «منذ بداية الحرب وعند فتح جبهة الإسناد في الثامن من تشرين الاول 2023 كانت بلدة رميش مقر إقامة عدد من الصحافيين والمراسلين من وسائل مختلفة. تابعت عملي بشكل يومي من خلال النقل المباشر لتطورات الأحداث والعمليات العسكري. وبعد اشتداد الحرب بين 23 سبتمبر و27 نوفمبر، كنت وزملائي أمام مشهد مختلف، اذ تكثفت الغارات على مختلف مناطق الجنوب، وتعرضت لكثير من المخاطر عندما كنت أنتقل من منطقة إلى أخرى وكنت أنجو بأعجوبة.
وفي الأيام الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار بلغت الحرب ضراوتها لاسيما على بلدة الخيام، وكنا نحصي الغارات التي بلغت أكثر من 12 غارة في دقائق معدودة، مترافقة مع إطلاق للرصاص ليل نهار».
وسبق للمصور فرنسيس تغطية الحرب في أفغانستان والعراق وغيرها من الحروب. وقال: «هي تجربة طويلة حملت معها العديد من المخاطر، إلا أنني كنت أحرص على السيطرة على خوفي، لأن مهتمي التقاط الصورة ووضع كل جهدي. وتحملت الكثير من الماسي كالمجازر والتدمير وزهق الأرواح. لكن لا أخفي أن الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت هي الأعنف لناحية حجم الدمار وسقوط أبرياء وكثافة النزوح.. كل ذلك أدمى قلبي».
و يروي فرنسيس ما حصل معه عند تتبعة بواسطة كاميرته لالتقاط صور الغارات، من مقر إقامته في بلدة رميش على عيتا الشعب التي لحق بها دمار واسع. وقال: «كنت في هذه اللحظة كمن يبحث عن شيء ضائع. لا أثر للبيوت الا القليل، لدرجة أن أحد الأشخاص طلب مني يوم وقف إطلاق النار رصد منزله من خلال الكاميرا ليطمئن إذا كان لايزال قائما أم لا. ووضع عينه على العدسة ليشير بأن تلك المساحة الخالية أصبحت رمادا، وحولت الغارة منزلة إلى كومة من الركام».
ولا يخفي فرنسيس أن أكثر المشاهد التي حفرت عميقا في نفسه، كانت يوم استهداف إسرائيل الصحافيين والاعلاميين، وكان أولهم المصور في وكالة «رويترز» عصام عبدالله الذي كان في مهمة صحافية مع مجموعة من الزملاء في بلدة علما الشعب في 13 أكتوبر 2023، وقد اتخذ يومذاك كل إجراءات الوقاية والسلامة، من وضع الخوذة إلى الدرع التي تحمل إشارة صحافة.. واستهدفت إسرائيل المجموعة بصاروخ فقضى عصام على الفور، ووقعت إصابات خطيرة لزملاء لنا في وكالة «فرانس برس» وقناة «الجزيرة». كان المشهد مبكيا عندما رأيت عصام عبدالله مقطع الأوصال، في وقت كانت المنطقة خالية من الاشتباكات وكان الاستهداف من الجانب الاسرائيلي متعمدا،. كما استهدفت اسرئيل بشكل مباشر زملاء لنا في حاصبيا حيث مقر إقامتهم في فندق، وأودت بحياة ثلاثة منهم.