المصدر: المدن
الكاتب: فتات عيّاد
السبت 25 تشرين الثاني 2023 21:41:04
تزداد مخاطر التغطية الصحافية للحرب في جنوب لبنان، مع 3 استهدافات متعمدة ومباشرة من قبل اسرائيل، للطواقم الاعلامية، اثنتان منها، تحولت إلى مجازر راح ضحيتها مصور وكالة "رويترز" عصام عبدلله في 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومراسلة قناة "الميادين" فرح عمر ومصور القناة ربيع المعماري، قبل أيام.
ويعني استهداف اسرائيل للصحافة، أن الطواقم الاعلامية كافة في خطر. وهو ما عبر عنه مراسل قناة "MTV" نخلة عضيمي، أحد الناجين من الاستهداف الاسرائيلي للطواقم الاعلامية في بلدة يارون منذ أيام: "انكتب لنا عمر جديد".
وتوقفت "المدن" عند تجارب ثلاثة من مراسلي "MTV" في الجنوب، هم جويس عقيقي وصبحي قبلاوي وماريان زوين. فرغم أن القناة تحرص على سلامة مراسليها كأولوية، لكن لا "سلامة" بالمعنى المطلق للمراسلين أمام غدر آلة القتل الاسرائيلية.
MTV والبيئة الجنوبية و"حزب الله"
كانت حادثة طرد عقيقي من قبل عنصر من "حزب الله" مع بداية المعركة جنوباً، وهي حادثة "فردية" سرعان ما استنكرها الحزب، بمثابة مقدمة لتغطية "هادئة" ضمن البيئة اللبنانية الداخلية لحرب الجنوب. ورأت عقيقي أن التغطية في الجنوب قربت أكثر وجهات النظر بين "MTV" و "حزب الله".
وللمحطة تاريخ من الاختلاف السياسي مع حزب الله، إلا أن اختلاف الآراء السياسية، "لم يمنعني من التنسيق مع الحزب من منطلق صحافي ومهني"، وأكملت عقيقي: "أنا أتواصل مع مصادره في أي تقرير أعده يرتبط بالحزب، وهذا عمل كل صحافي موضوعي، يتعاطى بمهنية".
من جهته، أضاء قبلاوي على موقف المحطة الوطني الثابت الذي يعلو على الخصومات الداخلية، والذي تجلى بموقفها ضد اسرائيل والاعتداءات على الجنوب. فيما أشارت زوين إلى علاقة مراسلي المحطة بالناس في الجنوب: "نحن اليوم نشاركهم مخاوفهم وهواجسهم، وبتنا كسكان البلدات الحدودية الذين رفضوا المغادرة تحت وابل القصف، نحصي عدد الغارات بعد أن كنا نرتعد خوفاً لدى سماعها في أولى أيام تغطياتنا".
عرضة للاستهداف "في أي لحظة"
وأشارت عقيقي التي تغطي القطاع الشرقي من نقطة مرجعيون، إلى شح المعلومات مقابل طبيعة الاشتباكات غير متضحة المعالم جنوباً. وأكملت: "جولاتنا في البلدات تحصل وفقاً لمعطيات قليلة نملكها، عبر التنسيق على الأرض مع الجيش وحزب الله أو مصادرنا الأمنية والعسكرية، إلا أن المعلومات الاستباقية التي تتوافر بين أيدينا، لا تحمينا بالمطلق، فنحن وبكل صراحة، لا نعلم كيف ومن أين وفي أي ساعة تقصف اسرائيل أي بلدة أو موقع نتمركز فيه. ولعل هذه هي أبرز الصعوبات التي تواجهنا".
وأكملت عقيقي: "في إحدى التغطيات، تم قصف المكان الذي كنت أنقل منه رسالة مباشرة قبل ساعات، وبالتالي، كنا في مكان كان بالفعل عرضة للقصف. وفي حادثة أخرى، وقفت مسيرة إسرائيلية فوق رؤوسنا على إحدى التلال في العديسة، فيما كنت، مع عدد من زملائي الإعلاميين نغطي الأخبار، وكان القصف مكثفاً".
سياسة "الإخلاء الآمن"
وتعتبر "الأحداث" هي المعيار الأساسي لتجول المراسلين بين البلدات بهدف إعداد التقارير الإخبارية أو النقل المباشر.
وأوضحت زوين في هذا السياق أن "المواضيع الخاصة التي نعدها، تقربنا من الناس فنسمع قصصهم وننقل هواجسهم والمشاكل والأضرار التي منيوا بها نتيجة القصف، أما رسائل النقل المباشر، فتتطلب منا الوقوف في بلدة تطل على بلدات تعرضت للقصف، وكل هذه التنقلات تتطلب منا أعلى درجات الحيطة".
وأكملت زوين: "كمراسلين نجري تقييماً للمخاطر حول البلدة التي نزورها قبل الذهاب إليها، بدءاً من التنسيق مع الجيش اللبناني. كما أنني أؤمن مصدراً أو أكثر من البلدة، لأن ابن المنطقة يعرفها جيداً ويعرف أماكن الخطر فيها، ويمكنه مساعدتنا في الجولات وفي المغادرة الآمنة في حال تعرضت البلدة أثناء وجودنا للقصف".
وعقبت زوين بأن الخوف الأكبر يتجلى خلال البث المباشر: "يخيل إلينا أنه في أي لحظة قد تتوقف اسرائيل عن القصف بجانبنا، فتقصف التلة المكشوفة التي نقف عليها، وبما أن الأولوية لسلامتنا لدى المحطة، فإن الإخلاء في حال الشعور بامتداد القصف الاسرائيلي ناحيتنا، يكون فورياً".
التغطية الآمنة قدر الإمكان
وبدأت الصعوبات التي واجهت زوين، منذ قبولها التغطية جنوباً. وأوضحت: "المحطة خيّرتنا ولم تجبرنا، لكنني قررت تغطية مناوشات قد تتصاعد إلى حرب شاملة لأني رفضت الهروب من هذا التحدي".
وأكملت زوين: "هي حرب لا أعرف قواعدها. لم أغطِّ حرباً من قبل، ولم تكن لدي فكرة عن كيفية تفاعلي مع مخاطر التغطية، خصوصاً بعد استهداف اسرائيل للمصور عصام عبدلله، والمراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري". مضيفة أن العائلة تشكل عامل ضغط مضاعف على المراسل الحربي، "فلا أحد يريد أن يخسر أحداً".
وعقبت زوين: "من هنا، كان لا بد من طمأنة عائلتي من اتخاذي جميع الاحتياطات التي تؤمن سلامتي كارتدائي للخوذة والدرع، وعدم التهور بالتغطية. هدفي هو نقل الصورة بمهنية لا عرض البطولات، وإدراكي لهذه المسؤولية خفف من خوف عائلتي علي كثيراً".
ضغوط نفسية
أما قبلاوي الذي غطى، من رميش، الحرب في القطاعين الغربي والأوسط، فأشار إلى تقلص تحركات المراسلين مع اشتداد المعركة. وقال أن "التكتيك المتبع كان التمركز في بلدات خارج نطاق الاستخدام العسكري من قبل حزب الله، وأقل خطراً من غيرها".
وأكمل قبلاوي: "أخذ حزب الله هذا الهاجس بعين الاعتبار سهّل التنقل علينا، كونه كان حريصاً على عدم اطلاق صواريخ من جميع البلدات أو بين المنازل. كما أن تجمعنا كصحافيين ومراسلين في بلدة رميش في مركز واحد، والتنسيق مع الجيش واليونيفل وحزب الله، انطلاقاً من التعامل مع أمر واقع على الأرض، كلها أمور سهلت تنقلاتنا، ونبهتنا لضرورة الاخلاء في حال الخطر. وحتى حزب الله الذي تختلف معه المؤسسة في السياسة، تهمّه سلامة الصحافيين على الأرض".
وكانت حادثة استشهاد المصور عصام عبدلله محورية، بالنسبة للمراسلين جنوباً، كإنذار لغدر اسرائيل واستهدافها المتعمد للصحافة. وعليه لا يتوانى قبلاوي عن استخدام كافة أدوات الحماية كالدرع والخوذة، لكنها برأيه لا تحمي كلياً من اسرائيل، فهي غدارة، ولا تحيّد المدني ولا الصحافي من جرائمها. وأكمل: "ظروف العمل الخطرة، مع تغطية من مسافة 3 كيلومترات من القصف، وتحليق الطيران الاسرائيلي فوقنا، وانطلاق الصواريخ والصواريخ المضادة من كلا الجهتين، تزيد من خطر التنقل".
وأوضح قبلاوي أن هناك صعوبات من نوع آخر لا تقل شأناً: "الضغط النفسي ليس سهلاً البتة، وأحياناً يصلنا خبر نخشى قوله أمام الكاميرا، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باستشهاد مدنيين، وهذا عامل ضغط بحد ذاته، فهناك أهل يشاهدون وقد يعلمون بمقتل ذويهم من الإعلام، وهنا تكمن مسؤوليتنا بالتأكد من الخبر قبل بثه، وهذا ليس إلا جزءاً بسيطاً من الضغط النفسي الذي نعيشه في كل يوم تغطية جنوباً".
لسنا مجرد رقم
وأجمع قبلاوي وزوين وعقيقي على أن سلامتهم أولوية لدى "MTV" وليس الخبر، وهذا الأمر يجعل المراسل يشعر بأنه ليس مجرد رقم في المحطة، لكن هذا الأمر لا ينطبق على اسرائيل، التي لطالما خرقت كل القواعد الانسانية للحروب، وليس فقط قواعد الاشتباك بينها وبين "حزب الله" جنوباً.