المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رنى سعرتي
الأربعاء 2 تموز 2025 06:45:35
رغم الارتياح الذي عبّر عنه اللبنانيون بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، بسبب الانعكاسات الإيجابية المحتملة على لبنان، ومنها تخفيف محاولات التهريب عبر الحدود، إلّا أنّ المخاوف تتجاوز العقوبات إلى ما هو أخطر. وقد بدأت تظهر مؤشرات حول انحسار دور بيروت كمركز اقتصاديّ وتجاري في المنطقة، وتحديدًا دور مرفأ بيروت، أمام المرافئ السورية، التي تتحضّر للعب دور إقليميّ، قد يسلب مرفأ العاصمة وظيفته التي كان يتباهى بها.
فُتحت الأبواب أمام سوريا من كافة النواحي، ولا تزال مغلقة أمام لبنان الذي كان من المفترض أن يسبقها بالازدهار والنموّ وفي التقاط الفرص الدولية والإقليمية. بعد الاتفاقيات الاقتصادية المتعدّدة التي وقّعتها شركات ودول مع سوريا، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، أمرًا تنفيذيًا ينهي الإطار القانوني للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، ويعطيها «فرصة شاملة لإعادة تشغيل الاقتصاد السوري»، وفق ما أعلنه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم برّاك، حيث سيلغي القرار الذي يدخل حيّز التنفيذ اليوم، إعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا الذي صدر عام 2004، كما يُلغي خمسة أوامر تنفيذية أخرى كانت تشكّل الأساس لبرنامج العقوبات، ويُوجّه الوكالات الأميركية المختصّة لاتّخاذ إجراءات بخصوص الإعفاءات، وضوابط التصدير، والقيود الأخرى المتعلّقة بسوريا.
وفي ما يبدو أن ورشة إعادة الإعمار ستنطلق في سوريا قبل لبنان، فهل يمكن أن تتجاوز الحدود السورية لتنعكس على لبنان بشكل إيجابي؟ وكيف سيستفيد لبنان بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه التطوّرات؟ وهل ستلتقط سوريا الفرص ويفوّتها لبنان? وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي صرح بأن رفع العقوبات عن سوريا سيساعدها ويسرع عملية إعادة إعمارها، وستجلب الازدهار إلى البلاد". ولفت إلى أن "إعادة الإعمار ستتجاوز الحدود السورية لتنعكس على لبنان بشكل إيجابي. بيروت ستستفيد بشكل غير مباشر من هذه التطورات"، مشيراً إلى أن "تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا سيقود إلى انخفاض أعمال التهريب على الحدود مع لبنان".
في هذا الإطار، أوضح الخبير الاقتصادي بيار الخوري أنّ لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق اقتصادي وسياسي حسّاس. مشيرًا إلى أنّ التطوّرات الأخيرة في سوريا، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد وصعود أحمد الشرع إلى الحكم، فتحت نافذة جديدة من الفرص والتحدّيات أمام بيروت. «وقد كان الرئيس ترامب، في بيانه الذي رافق قرار رفع العقوبات، واضحًا في شرطه الأساسي: أيّ انفتاح اقتصادي تجاه سوريا يجب أن يقترن بضمانات حقيقية لوقف العنف من جانب الدولة المركزية في دمشق، وتأمين بيئة آمنة للاستثمار وعودة النازحين. وحتى اللحظة، تبدو الحكومة السورية الجديدة وكأنها ما زالت في بداية طريق طويل لتحقيق هذا الهدف».
وأكّد الخوري لـ «نداء الوطن» أنه على مستوى البنية التحتية، لا مجال للمقارنة بين ما هو متاح اليوم في لبنان وما هو موجود في سوريا، «بيروت وجبل لبنان ما زالا يمتلكان بنية تحتية مؤسسية وتشغيلية قابلة لإعادة التفعيل بسرعة نسبية، رغم الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تمرّ بها البلاد». لافتًا إلى أنّ المرافئ، المطارات، المناطق الصناعية، شبكات الاتصالات، وحتى بعض المؤسسات المصرفية، كلّها لا تزال قائمة وتحتاج فقط إلى إصلاحات إدارية ومالية وهيكلية لتعود إلى العمل بكفاءة. بالتالي، فإنّ هذا الامتياز الجغرافي والبنيوي يمكن أن يجعل من لبنان نقطة جذب طبيعية لأي شركات دولية ترغب في الدخول إلى السوق السورية لاحقًا ولكن تخشى المخاطر الأمنية واللوجستية هناك.
أما سوريا، فرغم الانفتاح السياسي النسبي، فاعتبر الخوري أنها تعاني من غياب شبه كامل للبنية التحتية. لا تزال المدن الرئيسية مثل دمشق، حلب، حمص، وحماة تحت وطأة الدمار. كما أن شبكات الطرق، الكهرباء، المياه، والخدمات الأساسية بحاجة إلى إعادة بناء من الصفر تقريبًا. هذا الواقع يجعل من الاستثمار المباشر داخل سوريا مخاطرة كبيرة في المرحلة الأولى، خصوصًا في ظل استمرار المخاوف من انفلات أمني محتمل أو عودة أعمال العنف، وهي المخاوف التي دفعت واشنطن أساسًا إلى فرض سلسلة من الشروط على حكومة الشرع.
لهذا السبب، يرجّح الخوري أن يلجأ العديد من الشركات الدولية والإقليمية إلى استخدام بيروت كمحطة انطلاق لعملياتها المرتبطة بإعادة الإعمار في سوريا. موضحًا أن المطارات اللبنانية، الموانئ، الشركات اللوجستية، ومكاتب الدراسات الهندسية اللبنانية قد تلعب دور الوسيط بين المستثمرين الخارجيين والسوق السورية.
لكنه حذر من أن هذه الفرصة لن تستمر إلى الأبد لأن لبنان يحتاج إلى تحرك سريع وحازم لإجراء إصلاحات اقتصادية، إصلاح القضاء، ضبط الوضعين المالي والأمني، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي. «فالعالم لن ينتظر، وإذا تأخرت بيروت عن اللحاق بموجة التعافي السوري، قد تجد نفسها متجاوزة من قبل مراكز بديلة في المنطقة مثل الأردن، قبرص أو حتى تركيا».
في الخلاصة رأى الخوري أنّ لحظة التحوّل في سوريا فتحت بابًا كان موصدًا لسنوات أمام لبنان. لكنه باب مشروط، يتطلّب من بيروت العمل بأقصى سرعة لترميم مؤسساتها، وإقناع المجتمع الدولي بأنها الشريك الطبيعي والآمن في عملية إعادة إعمار الجار السوري المنهك.
دور لبنان الاقتصادي مُهدّد
في موازاة ما قد يعتبره البعض إيجابيات تتعلّق بانعكاسات إعادة تحريك الاقتصاد السوري على الاقتصاد اللبناني، تبرز حقائق أخرى تدفع إلى القلق حيال إمكان أن يفقد لبنان وظيفته الاقتصادية القائمة على مبدأ كونه جسرًا تجاريًّا واقتصاديًّا بين دول المنطقة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر اقتصادي لـ «نداء الوطن»، إنّ ما يجري على مستوى مرفأي اللاذقية وطرطوس يدعو إلى القلق. وفيما كانت الآمال معلّقة على الدور الفرنسي في إعادة إحياء دور مرفأ بيروت كمركز لإعادة الشحن البحري إلى دول المنطقة، وبعدما تبيّن أنّ الدولة اللبنانية قاصرة عن إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وعاجزة عن تسريع الخطوة الأهم المرتبطة بإعادة سيادة الدولة بشكل كامل من خلال حصرية السلاح، بدأ الاهتمام يزيد بمرفأ اللاذقية الذي يمكن أن يصبح محطة إقليميّة لإعادة الشحن البحري في دول المنطقة.
ومع تسلّم الفرنسيين من خلال شركة CMA-CGM مرفأ اللاذقية، وتسلّم الإمارات العربية المتحدة مرفأ طرطوس، وبدء العمل في المرفأين، هناك تخوّف من أن ينحسر دور مرفأ بيروت تدريجيًّا، وبالتالي دور لبنان الاقتصادي.
ويوضح المصدر نفسه، أنّ التلميح بإمكان الوصول إلى اتفاقيات سلام بين سوريا وإسرائيل أو عملية التطبيع بين الدولتين، ستجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى اللبنانيين. إذ سيكون هناك نوع من التكامل التجاري بين مرفأ حيفا من جهة، ومرفأي اللاذقية وطرطوس من جهة أخرى.
مع العلم أن الشركة الفرنسية التي تعمل في مرفأ بيروت لديها النية في الحفاظ على دور هذا المرفأ الإقليمي. إلّا أنها لا تستطيع الانتظار إلى الأبد. وهي بدأت العمل في اللاذقية على أساس أنه سيكون مكمّلًا لدور مرفأ بيروت، لكنّها ستضطر إلى تقوية دور اللاذقية لاحقًا، إذا تأخرت الدولة اللبنانية في مشروع الانتقال إلى السيادة الكاملة، والتخلّص من أثقال ما يُعرف بمحور الممانعة. إذ إن سوريا أصبحت خارج هذا المحور تمامًا، وانضمّت إلى المحور العربي والدولي، في حين أن لبنان لا يزال غارقًا في نقاشات تجعله أسير هذا المحور حتى الآن، رغم كل المآسي التي أصابته.
هل يعني ذلك أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يشكل ضررًا على لبنان؟
يجيب المصدر الاقتصادي: رفع العقوبات هو نتيجة وليس سببًا أو بداية المسار. نقطة التحوّل بدأت مع خروج سوريا من محور الممانعة وعودتها إلى الحاضنة العربية وإلى المجتمع الدولي. الآن لبنان لا يزال يملك الفرصة للإفادة من تحريك الاقتصاد السوري، وورشة الإنماء وإعادة الإعمار. لكن عليه أن يسارع إلى إنجاز المطلوب منه، سواء على مستوى حصرية السلاح للإعلان رسميًا عن مغادرة محور الممانعة، أو على مستوى بدء الإصلاحات وإعلان خطة النهوض والخروج من الانهيار لإتاحة الفرصة أمام عودة الاستثمارات، وإعادة فتح المصارف اللبنانية في سوريا، للمساهمة في الحصول على حصة مقبولة من كعكة إعادة الإعمار هناك، والتي تقدّر بمئات مليارات الدولارات.
وأخيرًا، النقطة الإيجابية في شأن إعادة نهوض الاقتصاد السوري، ترتبط بملف النازحين السوريين في لبنان، لأن انتعاش الأعمال في سوريا من شأنه أن يشجع على عودة النازحين إلى بلادهم، لأن الدافع الاقتصادي، هو من أهم الأسباب التي تدفعهم إلى البقاء في لبنان في الوقت الراهن.