مرفأ بيروت بعد 4 أعوام على تفجيره: استعاد 100% من نشاطه... وإجراءات لعدم تكرار مشهد 4 آب

 

لا يزال تراكم الدمار والخراب الذي حل بمرفأ بيروت إثر انفجار 4 آب 2020، شاهداً على جريمة العصر، وعلى لامبالاة الدولة واستهتارها بمواطنيها، يوم تركت بيروت تعيش على فوهة بركان لسبع سنوات متتالية إلى أن حلت ساعة الشؤم، فتحوّل يومها أعرق مرفأ على المتوسط، وصلة الغرب بالشرق، إلى مساحات من ركام تفوح منها روائح الموت والعفن.

يخرق مشهد الدمار هذا، بضع رافعات وحاويات ملونة، تعيد رسم صورة الحياة على يوميات ما بقي من المرفأ، وتشي بأن الحياة فيه لم تتوقف كلياً. فالحاجة الماسّة لخدماته ولدت لدى المسؤولين عنه، حماسة وتصميماً لإعادته إلى العمل بأسرع ما يمكن، من جهة لدفعه إلى ممارسة وظيفته التجارية الضرورية للاقتصاد، ودوره في حركة النقل، ومن جهة أخرى للمحافظة ما أمكن على الدور الريادي لبيروت، الذي شكَّل المرفأ أحد أعمدته.

وحده "مجسّم" الأهراء لم تعد إليه الحياة بعد، وبقي في انتظار ما يقرره له أهل السلطة والدولة، الذين باتوا تحت تأثير الرأي العام وأهالي الضحايا، أكثر ميلاً إلى إبقائه شاهداً حيّاً على ما ارتكبه الفساد السياسي والإداري، من تفجير لأكبر المرافق اللبنانية، وتدمير نصف العاصمة بيروت.

اليوم وبعد 4 أعوام على التفجير، استعاد مرفأ بيروت 100% من عافيته وقدرته التشغيلية خصوصاً في ما يتعلق بالحاويات خصوصاً بعدما تسلّمت مجموعة CMA CGM إدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت، علماً بأنه بعد ثلاثة أيام على وقوع الانفجار استعادت محطة حاويات المرفأ 30% من قدرتها على العمل، وارتفعت هذه النسبة بعد أسبوع من الانفجار الى 70%، حتى وصل عدد الحاويات النمطية الى نحو 900 ألف حاوية في عام 2023 هو رقم قياسي نسبة لأوضاع لبنان السياسية والاقتصادية، وحجم الانفجار الذي حصل في الرابع من آب 2020".

فهل من مشاريع تطويرية للمرفأ؟ وهل من إجراءات تُتخذ لعدم تكرار مشهد 4 آب 2020؟ رئيس مجلس الإدارة، المدير العام للمرفأ عمر عيتاني أكد لـ"النهار" أن "المرفأ في مسار تطويري دائم، لكن ثمة العديد من المشاريع توقفت بعد الانفجار كمشروع ردم الحوض الرابع"، عازياً السبب الى "الابتعاد عن الاعتماد على المستودعات في عمل المرافئ حول العالم. فقبل الانفجار كان لدينا 21 مستودعاً نستخدم منها حالياً 3 أو 4 فقط"، لافتاً الى أن "المنطقة الحرة والمستودعات خضعت لعملية خصخصة وهي جزء من خطة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص".

وفيما لا يزال انفجار المرفأ راسخاً في أذهان الناس، ولديهم قلق من تكرار المشهد وخصوصاً عند حصول حريق في المرفأ أو في محيطه، يطمئن عيتاني أن لا وجود للعنابر في المرفأ، أما التخزين بعد عملية الخصخصة، فيتم عبر القطاع الخاص الذي يلتزم المعايير والمواصفات الدولية مع التقيّد بالقرارات والتعاميم التي تمنع تخزين أيّ موادّ خطرة أو قابلة للاشتعال، علماً بأن التوجه المعمول به حالياً هو تسليم هذه المواد الى مستوردها مباشرة من دون تخزينها"، كاشفاً أنه "في الفترة الأخيرة وصل الى المرفأ نحو 100 مستوعب تبيّن أنها تحتوي على موادّ قابلة للاشتعال، فوجهنا إنذاراً الى المستورد وطلبنا من الأجهزة الأمنية إخراجها من المرفأ".

إعادة الإعمار؟

ما إن تكشّف حجم الدمار الذي أحدثه انفجار مرفأ بيروت، حتى سارعت شركات أجنبية ومحلية الى إعلان مشاريعها لإعادة الإعمار ومنها شركات لبنانية، وألمانية، وروسية وصينية وتركية، من دون أن تثبت أي جدية في العمل أو المتابعة، الى أن أطلقت وزارة الأشغال العرض الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير المرفأ، الذي أعدته فرنسا. وفي السياق، يلفت عيتاني الى التعاون مع مرفأ مارسيليا الذي أمّن خبراء ومستشارين من شركات أوروبية كـ"expertise France" و”artelia”، بغية مواكبة التطورات التي حصلت في المرافئ حول العالم، وللغاية سيتم إطلاق 6 أو 7 دفاتر شروط، تتعلق بمشاريع المسح الطبوغرافي للمرفأ وإعادة تعميق الأحواض، وإجراء دراسات للتربة، وإعادة تنظيم الباحات، وصيانة الرصيف من دون المسّ بالأهراء".

ولكن أيّ مصير للأهراء؟ يؤكد عيتاني أن "إدارة المرفأ لا تتدخل بموضوع الأهراء، إذ إن صلاحية إدارتها تعود لوزارة الاقتصاد، فيما قرار الهدم أو عدمه يخضع للتجاذب السياسي".

وفيما شملت خطط الشركات التي أبدت رغبتها في إعادة إعمار المرفأ إنشاء مشاريع سياحية، لا يرى عيتاني أن ثمة مشاريع جدّية لإنشاء فنادق داخل المرفأ على اعتبار أن إنشاء مثل هذه المشاريع لا يخدم الدور الذي يتطلع لتأديته المرفأ في المنطقة، إذ التوجّه هو أن يكون للمرفأ دور رئيسي في المنطقة وفي إعادة إعمار سوريا". وبحسب عيتاني، من ضمن الخطط الموضوعة للمرفأ، محطة الركاب على الرصيف رقم 3، على أن يكون من ضمنها إنشاء "مول" تجاري مع مطاعم كما هو معمول به في عدد من المرافئ حول العالم.

وبالحديث عن حجم إيرادات المرفأ يشير عيتاني الى أن "إيرادات العام الماضي قُدّرت بنحو 150 مليون دولار أي بمعدل 12 مليون دولار شهرياً، فيما المصاريف التشغيلية بين الـ18% والـ20% والبقيّة حُوّلت الى خزينة الدولة".

وفي موضوع السكانر، وعلى الرغم من أنها من صلاحية إدارة الجمارك، يكشف عيتاني أن لدى إدارة المرفأ بالتعاون مع شركة "CMA" خطة جاهزة في هذا الإطار سترسل قريباً الى المعنيين لخصخصة "السكانر" بغية معالجة مسألة الصيانة، على أن تكون صلاحيات الكشف عن البضائع للجمارك والجيش اللبناني.

المنطقة الحرّة: شركات غادرت وأخرى صمدت

الوضع في المنطقة الحرة لم يكن أفضل حالاً من بقية مساحات المرفأ، حيث لم يكن أمام #شركات الشحن خيارات كثيرة لمواصلة العمل فانتقلت موقتاً الى مرفأ طرابلس ومن بعدها أمنت لهم إدارة المرفأ والجمارك مستودعات صغيرة لفترة انتقالية قصيرة.

ويقول نقيب وسطاء النقل الجوي والبحري والبري في لبنان وليد لطوف إن "شركات الشحن بقيت تستخدم هذه المستودعات لنحو 7 أشهر قبل أن يعود الوضع الى طبيعته تقريباً مع إعادة إعمار المكاتب بعد نحو عام ونصف من الانفجار". ويؤكد أن حركة الشحن استعادت نحو 70% من طبيعتها التي كانت قبل الانفجار وتحديداً في عامي 2018 و2019، علماً بأن ثمة عوامل أخرى أثرت منها الأزمة الاقتصادية والمالية. وأوضح أن ثمة 7 شركات شحن عادت الى المنطقة الحرة من أصل 12 شركة، واحدة منها تركت المنطقة كلياً والبقية لم تعاود ترميم المستودعات الخاصة بها.

وتطرّق الى التعويضات من شركات التأمين، إذ أكد أن الأخيرة تأخرت بعض الشيء لدفع التعويضات للتأكد من أسباب الانفجار، ولكنها في النهاية عوّضت غالبية المبالغ التي سدّدناها.