المصدر: النهار
الكاتب: محمد غسّاني
السبت 25 كانون الثاني 2025 09:40:37
يُعتبر القطاع الزراعي في الجنوب اللبناني، وبخاصة زراعة التبغ، من الأنشطة التقليدية التي سادت المنطقة منذ سنوات طوال، والتي تتميز بقدرتها على التأقلم مع الظروف المناخية القاسية، إذ إنها لا تتطلب كميات كبيرة من المياه. وقد ساهمت هذه الزراعة في تعزيز الوضع الاقتصادي للمجتمعات المحلية، إضافة إلى الدعم المستمر الذي تقدمه إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) الى هذا القطاع.
وتسببت الحرب الإسرائيلية على لبنان بخسائر فادحة على مختلف الصعد، وأدت إلى شلل كبير في قطاع الزراعة، خصوصاً في المناطق التي طاولها القصف المتواصل. وتزامن اندلاع الحرب مع العديد من المواسم الزراعية، ولاسيما منها التبغ والزيتون.
وبحسب تقرير للبنك الدولي، بلغت الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال فترة توسع الحرب من 23 أيلول/ سبتمبر الماضي حتى الأسبوع الثالث من تشرين الثاني 127 مليون دولار.
وأفاد التقرير بأن الخسائر التي لحقت بموسم زراعة نبتة التبغ كانت كبيرة أيضاً، إذ تصل تكلفة زراعة الهكتار وحصاده إلى 14,300 دولار.
ويبلغ إنتاج الجنوب من التبغ أربعة آلاف و627 طناً بحسب أرقام إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية، وهو الرقم الأكبر مقارنةً بالمحافظات الأخرى، في حين تستفيد نحو 25 ألف عائلة من إنتاجه.
إلى ذلك، أعلنت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية "الريجي" أنها شرعت في توزيع المساعدات المالية المقررة لمزارعي التبغ في قرى المواجهة في الجنوب.
أمام كل ما تقدم، ما أهمية المساعدات المالية؟ وكيف أثرت الحرب الإسرائيلية على مزارعي التبغ؟
"حافز للموسم المقبل"
يؤكد مدير الزراعة والمشترى في "الريجي" جعفر الحسيني، في حديثٍ خاص إلى "النهار" أنه كإدارة لحصر التبغ والتنباك اللبنانية، "لا يحق لنا التعويض، ولكننا اتخذنا قراراً بموافقة سلطة الوصاية، وهي وزارة المال، أن أي مزارع لم يستطع القيام بعمله سنة 2024، سيجري تقديم مساعدة اليه كحافز للموسم المقبل، عبارة عن دولارين ونصف دولار عن كل كيلوغرام من الكمية التي سلمها في موسم 2023".
وعمدت "الريجي" الى تقديم موعد شراء المحصول مع بداية حرب تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأعتمدت مستودعات بعيدة عن خط التماس الحدودي جنوباً، بعد "تقدير الإدارة أن الوضع سيزداد سوءاً"، كما يقول الحسيني.
وجاءت هذه الخطوة حينها لكي يتمكن المزارع من تسليم محصوله إلى "الريجي" وتكون الطريق آمنة للشاحنات والعمال. وبحسب مدير الزراعة والمشترى، فقد جرى شراء المحصول "بسرعة قياسية" قبل بدء الحرب في عام 2023.
"نقلة نوعية"
ومع بداية الحرب الإسرائيلية، هجر المواطنون قراهم، ما أدى إلى عدم قدرتهم على الزراعة، باستثناء أهالي رميش".
ويوضح أن "الزراعة تبدأ من شباط إلى حزيران، وخلال هذه الفترة كانت العائلات قد هجرت قراها مع اشتداد الحرب، ولا سيما منها القرى الحدودية الأمامية. وبالتالي، كان هناك غياب تام للزراعة، وهي الحال أيضاً في القرى البعيدة عن خطوط التماس مثل طيرحرفا والجبين وغيرهما".
ويبلغ عدد القرى التي غاب عنها موسم الزراعة عام 2024 نحو اثنين وستين، باستثناء رميش ودبل والقليعة، وفقاً للمصدر ذاته الذي أكد أن "هناك خسائر غير مباشرة نتيجة عدم القدرة على تسليم المحصول، وهنا يأتي دور المساعدة التي أُعلن عنها".
ويكشف الحسيني لـ"النهار" أن "عام 2019 كان موسم الجنوب قد وصل إلى خمسة ملايين كيلوغرام، وتزامن مع أزمة اقتصادية حادة أثرت سلباً، إذ انخفض الإنتاج إلى مليون و500 ألف كيلغ. وعانى حينها بعض المزارعين من ارتفاع تكلفة الزراعة، أسمدة ومعدات وشراء سائر المكونات بالدولار، ووقتها كانت "الريجي" لا تزال تُسلم بالليرة اللبنانية".
ومرَّ الموسم الزراعي بعامين صعبين كما يصفهما الحسيني، مع عدم ثبات سعر الدولار، حتى اتخاذ "الريجي" قراراً عام 2023 بالدفع بالـ"فريش دولار"، مؤكداً أنها كانت "نقلة نوعية"، ما أدى إلى زيادة الإنتاج إلى مليون و900 ألف كيلغ عام 2022.
في عام 2023، توقعت "الريجي" زيادة الإنتاج مع تحسن نوعي في الوضع، "لكن الحرب بدأت، وهنا توقفنا عن التقدم". ويشير إلى أن "عام 2024 شهد تراجعاً في الإنتاج بـ300 ألف كيلو مقارنةً بالسنة الفائتة، وهو لا يُعتبر من أضرار الحرب".
في السياق نفسه، يؤكد الحسيني أن "أضرار الحرب بشكل مباشر على مزارعي التبغ كانت قليلة، إذ أن الأشخاص الذين دُمر محصولهم كان عددهم ضئيلاً جداً".
"قرار سياسي"
وفي ما يتعلق بالأراضي الزراعية والخسائر في البنى التحتية، يقول إنَّ "ما من أحد عاد إلى أرضه، حتى القرى التي دخل إليها الجيش اللبناني... وهنا أطرح سؤالاً: هل سيكون هناك زراعة في المنطقة؟". بذلك، يوضح الحسيني أن "موسم 2025 سيكون مشابهاً للموسم الفائت، لأن الأرقام لم تتغير".
وعن أهمية زراعة التبغ لأهالي الجنوب، يشدد لـ"النهار" على أنها "تُعتبر فعّالة، أي يُسلم المزارع محصوله وعلى الفور يتسلم المبلغ المستحق له، إضافة إلى الدعم المقدم"، مشيراً إلى أن "هذا الدعم هو قرار سياسي قبل أن يكون قراراً لـ"الريجي"، فنحن لدينا سلطة وصاية هي من تقرر ونحن ننفذ".
وعلى المدى المنظور، وفقاً للحسيني، سيبقى هذا الدعم من دون معرفة حجمه، لافتاً إلى أن "لزراعة التبغ تاريخها، ولا يمكن إلغاؤها أو تخفيف الدعم عنها".
"الحرب تمنعنا"
جعفر المزارع من قرية عيتا الشعب جنوب لبنان الذي نزح إلى مدينة صور، يقول لـ"النهار": "أرضنا التي كنا نزرعها سنوياً بالحب والشغف، أصبحت خالية. موسم التبغ، الذي كان مصدر رزقنا الأساسي، غاب تماماً في 2024. وكلما حاولنا العودة الى عملنا، كانت الحرب تمنعنا".
وبالنسبة إليه "التبغ ليس مجرد زراعة بالنسبة إلينا، هو جزء من حياتنا وتاريخنا. عندما لا نزرعه، لا نعيش".
يبقى مزارعو التبغ في الجنوب يواجهون تحديات كبيرة جراء غياب موسم 2024 وتداعيات الحرب التي دمرت الكثير من المقومات الحياتية والزراعية في المنطقة.
ورغم الظروف الصعبة، يبقى الأمل في استعادة الأرض والزراعة قائماً، إلا أن المستقبل لا يزال غامضاً. ويحتاج المزارعون إلى تكاتف الجميع وقرارات حكومية تضمن استمرارية هذا القطاع الحيوي الذي يشكل جزءاً أساسياً من اقتصادهم وحياتهم.