"مزحة" استقالة الحلبي: استنجاد بالثنائي الشيعي وضغوط على المانحين

كتب وليد حسين في المدن:

"ينطبق على وزير التربية عباس الحلبي المثل الشعبي "مثل بالع الموسى"، فإن أصعده مصيبة وإن أنزله مصيبة أكبر، كما يقول أحد المتابعين للملفات التربوية العالقة في الوزارة، التي تعيق إطلاق العام الدراسي في القطاع الرسمي. فحيال نفاد الأموال من صناديق المدارس، وعدم قدرة الأخيرة على تسيير الأعمال اليومية، قرر الحلبي فرض رسم تسجيل على الطلاب لصالح صناديق المدارس بقيمة لا تتعدّى الخمسين دولاراً. ثمّ استدرك سريعاً أنّ فرض الرسم يخالف قانون مجانية التعليم في التعليم الأساسي، فما كان منه إلا أن غيّر القرار ليصبح مساهمة في صناديق الأهل.

سهام الاشتراكي تصوّب عليه
ظنّ الحلبي أنه بهذا القرار الجديد سينقذ المدارس ويمكّنها من فتح أبوابها أمام الطلاب، لينتقل بعدها إلى حل معضلة مطالب روابط المعلمين بزيادة بدلات الإنتاجية. فتفاعلت قضية رسم التسجيل ورفضته غالبية السياسيين والمرجعيات الدينية، لا سيما السنّية منها. ثم زايد عليه رئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد، بأنه سيسجّل كل طلاب القرى الحدودية مجاناً في حال أتوا إلى شبكته المدرسية. فرد الحلبي بالمثل بأنه سيعفي طلاب الجنوب من رسم التسجيل، وصدرت توصيات بهذا الخصوص.

سريعاً تزايدت النقمة على الحلبي بعد جلبة فرض الرسوم. ونال الانتقادات من يمّه أيضاً. إذ اعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي بأنّ قرار الحلبي يخالف مبدأ عدالة التعليم ومجانيّته وتكافؤ الفرص، وطالبه بالعودة عنه. وكذلك فعل الرئيس السابق للحزب، وليد جنبلاط، الذي اعتبر أنّ مقاربة الحلبي "مخالفة للدستور وللحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعية ولمبدأ مجانية التعليم، لذا أرفض هذا الإجراء جملة وتفصيلاً".

الهروب إلى الأمام
وجد الحلبي نفسه محاصراً من كل الجهات وقرر الهروب إلى الأمام، من خلال تسريب نيته بالاستقالة من الحكومة. والذريعة أنّ عدم فرض هذا الرسم يعني إقفال المدارس الرسمية أمام الطلاب. فهل ينقذه الثنائي الشيعي من هذا المأزق بتبني قرار الرسوم وأخذ موضوع تسهيل مروره على عاتقه؟

حالياً، لم يبقَ أمام الحلبي إلا الثنائي الشيعي لإنقاذه من "ورطة" الرسوم المرفوضة شعبياً، لكن من دونها لا إمكانية للوزارة بفتح المدارس الرسمية أبوابها. إنما ثمة معلومات متضاربة بهذا الشأن.

وفق مصادر "المدن"، ستجتمع كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة بممثلين عن روابط المعلمين، لعرض واقع المدارس والتعليم الرسمي. وسيوضع النواب بصورة الوضع القاتم في المدارس الرسمية، التي لا تستطيع فتح أبوابها في حال حرمت من مداخيل الرسوم التي أقرها الحلبي. فهذه الأخيرة ليست رسماً على التسجيل يخالف قانون مجانية التعليم، بل هي مساهمة من أهالي الطلاب لصناديق الأهل. وتستطيع المدارس من خلالها تأمين بعض المستلزمات الأساسية ودفع أجور الأساتذة المتعاقدين على حساب الصناديق والعمال. ومن دونها لا يمكن بدء العام الدراسي.

في المقابل، تشاور النائبان في لجنة التربية النيابية بلال الحشيمي (السنة المستقلون)، وأشرف بيضون (حركة أمل)، بمواضيع تربوية عدة، وحددا موعداً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأسبوع المقبل لنقاشها. فإلى ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية وزيادة أجر ساعات الأساتذة المتعاقدين، لا سيما في التعليم المهني، ورفع بدلات الإنتاجية لأساتذة التعليم الرسمي، سيطالبان ميقاتي بإلغاء رسم تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية. وتقول المصادر أن الأوضاع الاقتصادية ضاغطة جداً على الأهالي الذين يعلمون أولادهم بالرسمي، والأمر لا يقتصر على النازحين من القرى الحدودية، لا سيّما أنّ الحرب ضربت الموسم السياحي وتراجعت المداخيل التي كانت تنعش الاقتصاد. وبالتالي من الأفضل عدم تطبيق الرسوم لهذا العام الدراسي، وإعداد المواطنين إلى العام المقبل من الآن، لجهة أنهم سيكونون شركاء في تعليم أبنائهم بالمدارس الرسمية من خلال دفع رسوم شبه مجانية.

سوء استخدام التمويل الدولي
مصادر مطلعة في وزارة التربية شرحت لـ"المدن" أن تراجع الحلبي عن قرار إلزام الأهل بدفع المساهمة لصندوق الأهل يضعه أمام مأزق تأمين البديل. ففي حال قرر إلغاء الرسم، أمامه حل من اثنين: تكفّل الحكومة دفع هذه الرسوم، أو تأمين الأموال من الجهات المانحة. علماً أن فكرة فرض الرسم على الأهل أتت بعدما أقفلت أبواب الدول المانحة أمام الحلبي.

وتلفت المصادر إلى أن الحلبي تسرّع في تلك التسريبات بشأن توجهه لتقديم استقالته. فهو أراد ممارسة ضغوط على الداخل والخارج لإنقاذ العام الدراسي. لكن فُهمت الخطوة بأنها لقبول الجميع بفرض رسوم على أهالي الطلاب، ما يعني أنه "بدل ما يكحّلها عماها". فمشكلة وزارته لا تقتصر على تأمين نحو عشرين مليون دولار من الرسوم لتغذية صناديق المدارس، بل إنّ إشكالية تلبية مطالب الأساتذة والمعلّمين، ورفع قيمة أجر ساعات العمل في كل قطاع التربية أعقد من ذلك بكثير، لأنها تحتاج إلى عشرات ملايين الدولارات.

في مقابل تخبط الحلبي، تقصير الدولة واضح جداً في هذا الملف. فقيمة الرسم عن كل طالب لصناديق المدارس تؤمنها الحكومة التزاماً بقانون مجانية التعليم في مرحلة التعليم الأساسي. وكانت قيمة الرسم 150 ألف ليرة، أي نحو مئة دولار قبل انهيار العملة، تتكفل بدفعها منظمة اليونيسف عملاً بحقوق الطفل بالتعليم. واليونيسف باتت تدفع بـ"القطّارة"، وتكفلت العام الماضي، بدفع 40 دولاراً عن كل تلميذ فقط لا غير. لكن أساءت الوزارة استخدام التمويل الذي ذهب جزء أساسي منه لإنتاجية الأساتذة. وقصّرت في دفع المتوجبات لصناديق المدارس.

حالياً ما زالت قيمة الرسوم التي تقع على عاتق الحكومة لتغذية صناديق المدارس على حالها والتي باتت نحو 1.5 دولار فقط لا غير. ما يستوجب وضع الحكومة في الحسبان "دولرة" هذا الرسم. إذ لا يجوز "دولرة" كل شيء إلا هذا الرسم."