مسؤولية عون وسلام المشتركة: منع إحباط اللبنانيين مجدداً!

قُضي الأمر. رئيس الجمهورية جوزف عون ونوّاف سلام رفعا سقف توقعات اللبنانيين منهما، عندما تعهدا بما تعهدا به في خطاب القسم وكلمة قبول التكليف. لم يعد بإمكانهما، إن كانا حريصين، فعلاً، على الاحتفاظ بالزخم الإيجابي الذي خلقاه أن يتراجعا تكتيكيّاً، أقلّه في رحلة تشكيل أولى حكومات العهد!

الرأي العام اللبناني "حسّاس". تجاربه السابقة المرة جعلته، بعدما كواه "حليب" الأمس "ينفّخ على لبن" اليوم، فالواقعية السياسية، إن كان لا بد منها، فهي تبدأ بالخطاب والتعهدات وتنتقل إلى التنفيذ والتجسيد.

وقد بات مستحيلاً على عموم اللبنانيين، ومعهم الكثير من الدول المعنية بشؤون لبنان، أن يتقبلوا وعوداً لا يشرفها التنفيذ، وشعارات مستعصية على التطبيق. هذا النهج السابق أفلس البلاد، ودمّرها، وألحق بها الهزيمة، وقضى على نخبة من شبابها وشيبها، وأصاب الجميع باليأس التهجيري والإحباط الاستلشائي!

لقد تورط عون وسلام برفع سقوف التوقعات، وباتا تحت المجهر، فالجميع يراقبون أداءهما، حتى لا يتكرر معهما ما كان قد حصل مع غيرهما!

عندما حاول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في دافوس، الدفاع عن النهج السعودي الإيجابي تجاه سوريا شدد على أنّ قيادتها الجديدة تقول الأشياء الصحيحة في السر والعلن في آن!

وهذا يعني أنّ تقييم الدولة الخليجية المركزية والمحورية والضرورية في الشرق الأوسط الجديد يقوم على ركيزة مهمة: التناغم بين الشعار والتصميم!

وهذا النهج التقييمي لا بد من أن يأخذه عون وسلام بالاعتبار، وهما يضعان اللمسات الأساسية على حكومة العهد الأولى، فإيجاد فريق عمل وزاري منتج يحتاج إلى إنهاء مسار المحاصصة. وهذا المسار يعني توزيع الحقائب الوزارية حصصاً على القوى السياسية في البلاد التي تقدم مصالحها الفئوية على المصلحة العامة، ورؤيتها الخاصة للبنان على الرؤية العامة المتفق عليها في الدستور وفي وثيقة الوفاق الوطني وفي الحاجات الوطنية الملحة.

وإنهاء المحاصصة يكون بالعمل على إقناع الأغلبية النيابية الخاصة بمنح الثقة للحكومة وتمرير المشاريع الحيوية، بأهمية وحيوية تشكيل حكومة وطنية متحررة من القيود الفئوية!

وليس طبيعيّاً مثلاً أن يجد ناطقون باسم "حزب الله" القدرة على تهديد اللبنانيين، الذين يعارضون هذا الحزب المسلح حتى أسنانه، لألف سبب وسبب، بالإحباط بمجرد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، بحيث تتحوّل الحكومة إلى عامل انتصار لفئة حزبية على حساب الجماعة الوطنية!

واذا سار الرئيسان عون وسلام بالاتجاه الذي يروّج له "حزب الله" فإنّهما، عن عفو أو عن قصد، يكونان قد انتهيا، كقوة دفع إيجابي للبلاد، قبل أن يبدآ عملهما، لأنّ رفع التوقعات إلى المستوى الذي رفعاها إليها، لا يمكن أن يتواءم مع الوقائع التي تحاول القوى السياسية جرهما إليها!

ويملك عون وسلام كل الأدوات اللازمة لعدم حرق مصداقيتهما، فاللبنانيون لا ينشدون حكومة "كيف ما كان"، وهم مستعدون لانتظار ما يكفي من وقت من أجل الحصول على حكومة "لها معنى".

والمجتمع الدولي لن يقدم للبنان ما يحتاج إليه، إن أعاد المعادلات السلطوية إلى ما كانت عليه سابقاً، بدليل أن الأمير بن فرحان تحدث عن "الإصلاحات الضرورية" كتمهيد للحصول على المساعدات المطلوبة.

والسعودية بهذا المعنى تتحدث باسم مجلس التعاون الخليجي وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وقبيل وصوله إلى لبنان، حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إفهام الجميع بأن زيارته إلى بيروت منسقة مع الرياض!

 

إنّ اللبنانيين التوّاقين إلى أكل العنب يريدون التوصل إلى تفاهم مع الناطور، من خلال تحييد أضرار جميع هؤلاء الذين يقتلون الناطور ويسرقون العنب في آن!

إنّ الواصلين إلى المناصب، مهما كانت مهمة، لا يتركونها كما يأتون إليها، فكثيرون منهم يخرجون منها "ملعونين"، مثل حال الرئيسين ميشال عون وإميل لحود، بعدما دخلا إليها، عن حق أو عن باطل، قويين وبطلين. ويقضي هذا الوصول، إن أرفق بسلوكيات مشبوهة، على الإرث التاريخي كما حصل مع الرئيس سليم الحص أو يقتل الوليد في مهده، كما حصل مع حسان دياب… وحبل الأمثلة - ومعظمها جارح للأسف - على الجرار!

وعليه، إنّ تفاهم الرئيسين عون وسلام الجوهري يفترض أن يكون على تشريف تعهداتهما بتشكيل حكومة تلاقي تطلعات غالبية الشعب اللبناني وتُحدث صدمة إيجابية في المجتمع الدولي، حتى لو لم تنل الثقة، لأنّه في هذه الحالة، يضعان اللبنانيين أمام مسؤولياتهم، فإن أظهروا تلاشياً في التعامل مع مسقطي الحكومة الممتازة، سواء في ردات الفعل أو في صناديق الاقتراع، فحينها يتحملون هم مسؤولية الفشل في إنقاذ لبنان من المعادلات التخريبية والتفليسية، فيما يتحوّل عون وسلام إلى منارتين وطنيتين!

في الواقع، الجميع يستعجلون حكومة قادرة على إحداث نقلة نوعية في لبنان، وقلة فقط هي المستعجلة على تشكيل حكومة تزيد الخراب خراباً!