المصدر: النهار
الكاتب: منال شعيا
الثلاثاء 10 كانون الاول 2024 08:20:12
أكثر من شائك، مسار المعتقلين في سوريا. مشوار ارتبط بأسماء ووجوه ومحطات. واليوم، بات لزاما الفصل بين المفقودين والمعتقلين.
المسار الأول يرتبط بالإخفاء والمقابر الجماعية، والمسار الثاني بنظام الظلم والأقبية في سوريا، ومن هنا نبدأ.
ملف متفلت من العدالة والمحاسبة، انتهت الحرب وبقي ينزف.
ما قبل الـ2005 وما بعدها: تاريخان مفصليان، إنما القاسمان المشتركان بينهما هما جبران تويني وغازي عاد. اسمان يكادان يشكلان "كلمات مفاتيح" في هذه الأرشفة. 34 عاما يصعب إيجازها أمام وجع هذه القضية.
مطلع التسعينيات، سكت المدفع. دخل لبنان تحت وصاية سورية، كان أحرار البلد يسمونها "احتلالا" أطبق على مفاصل الحياة السياسية - الأمنية والقضائية. وأمام الاحتلال، ارتفع صوت المعارضة. برز صوت غازي عاد بعدما بات رئيسا لـ"سوليد". حمل ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية على كتفيه، وشكلّ "داتا" بالأسماء، فكان الحلقة التي تجمع الأهالي، من أمهات وزوجات حملن وجعهن أعواما، بل عقودا: صونيا عيد، فيوليت ناصيف، أوديت سالم، جانيت خوند وغيرهن كثيرات. كنّ أجمل الأمهات، تحدين القبضة السورية وأدواتها اللبنانية، ليطالبن، إلى جانب عاد، "بعودة المعتقلين من سوريا".
كان من بين هؤلاء، عسكريو 13 تشرين 1990، ومدنيون أبرياء وحزبيون.
داخليا، بُحّت أصوات الأهالي. نظموا تظاهرات وواجهوا خراطيم المياه والضرب، متسلحين بصور أولادهم. يريدونهم أحياء أو أمواتا. وفي المقابل، أتقنت السلطة الصمت. وتحت شعار "العلاقات المميزة بالشقيقة"، دُفن وجع الأهالي وطال الإهمال.
وحده القلم الحر ساندهم. شرّع جبران تويني صفحات "النهار" أمام وجعهم، وتتالت المقالات والتحقيقات. كان الصوت الذي لا يُبح. ولطالما قال: "نريد تحرير المعتقلين في سوريا".
وللتعمية، كانت تشكل لجان رسمية، أشهرها "لجنة العميد أبو اسماعيل"، لكن آلية العمل لم تنمّ مرة عن جدية.
من عهد إلى آخر، كان الرد الرسمي أن لا معتقلين في سوريا. وفجأة، في عهد الرئيس إميل لحود، حرّر دفعة واحدة، نحو 200 معتقل، فيما استمر خروج البعض إفراديا.
قلم جبران لم يستكن. وجّه "الكتاب المفتوح إلى بشار الاسد" عام 2000، وقال فيه: "اللبنانيون يريدون الموقوفين في سجون دمشق"!
لاحقا، وثّق 625 معتقلا وقدمت الأسماء إلى سوريا عام 2004، عبر لجنة لبنانية - سورية تألفت من القاضيين جوزف معماري وجورج رزق.
2005 والسند
كان عاد، من كرسيه، يحرّك المحافل الدولية، إلى أن دقت الساعة: 26 نيسان 2005، انسحب السوري!
كانت خيمة أهالي المعتقلين في وسط العاصمة قد بدأت تشهد سلسلة الاعتصامات والندوات واللقاءات مع تويني وغيره من الناشطين. خيمة استمرت 11 عاما وأحيت القضية، إنما كانت تشهد على الخسارات. ففي أحد الأيام، توفيت أوديت سالم، الأم التي دهستها سيارة وهي تجتاز الطريق لتدخل الخيمة. ماتت وهي تنتظر ولديها المعتقلين.
وسط كل ذلك، كانت "النهار" تواصل نضالها. كشفت مقبرة اليرزة. هناك دُفن رفات 22 عسكريا، فأعيد نبشه لتتسلّم فيوليت رفات ابنها جوني!
12 – 12 – 2005: استشهد جبران وخسر الأهالي السند. هو الذي كتب مقاله الأخير عن "المقابر الجماعية"، ووُجد في حقيبته نص السؤال النيابي الذي قدمه مطالبا بتقصي مصير المعتقلين.
استمر النضال ولم يتبدل التعاطي الرسمي، فخروج السوري عسكريا لم تقابله ترجمة في ملف المعتقلين. تشكلت لجان مشتركة عديدة، وكانت كلها شكلية. مرّت الأعوام قبل أن يخسر الأهالي سندهم الثاني. هذه المرة، توفي عاد بغيبوبة قاتلة عام 2016.
بات ميشال عون رئيسا، هو من أراد يوما أن "يكسر رأس حافظ الاسد". ذهب إلى سوريا وعاد بلا معتقلين. من قلب دمشق، أراد فتح صفحة جديدة مع بشار الأسد، لكنه فشل في إراحة قلوب الأهالي. قال: "لا معتقلين هناك"، وطالب اللبنانيين بالاعتذار أولا قبل السوريين!
أعطيت سوريا "صك البراءة". دُفن الملف على الرغم من إقرار "قانون المخفيين" عام 2018، وتشكيل "الهيئة الوطنية". ما من معتقل عاد، وما من آلية مشتركة فعالة أفرجت عنهم. هو مسار تعمد بالدم والوجع، حتى حانت لحظة سقوط رأس الأسد، فهل من بصيص أمل جديد؟!