مستثمرون يحوّلون أنظارهم لأسواق بعيدة عن مرمى ترامب!

يدفع عصر جديد تستعصى فيه التنبؤات وتخيّم عليه تهديدات فرض رسوم جمركية وتصاعد التوتّر العالمي مستثمرين في الأسواق الناشئة إلى البحث عن ملاذ في أسواق واعدة آمنة نسبياً من تحوّلات السياسة التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأدّت عودة ترمب إلى البيت الأبيض إلى تقلّبات حادّة للبيزو المكسيكي وأذكت تثبيط الحماسة للاستثمار الأجنبي في الصين وأحبطت الآمال في عصر ذهبي للأسواق الناشئة.

أمّا ما يسمى بالأسواق الواعدة فهي الأكثر خطورة في الأسواق الناشئة وغالباً ما تكون من الاقتصادات النامية الأصغر حجماً في أفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا وحتى أميركا اللاتينية.

وتلك الأسواق ليست ملاذاً آمناً تماماً لكن مستثمرين يقولون إنّها وجهات استثمارية محتملة للغاية هذا العام لأنّها ليست في مرمى نيران ترامب فيما يتعلّق بالرسوم الجمركية وغيرها من تحوّلات السياسة الاقتصادية.

ويشير مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى "فونتوبل" تييري لاروز إلى أنّه "من المرجّح أن تكون الأسواق الواعدة بمعزل بقدر أكبر من غيرها لأنّني لا أعتقد أن دولاً مثل نيجيريا أو سريلانكا أو باراغواي... ستكون هدفاً في أي وقت قريب لهذه الإدارة".

وأضاف "هذه الأسواق تواجه مخاطرها الخاصة، لكنّها محصّنة إلى حد كبير من تقلّبات المخاطر التي تؤثّر على الأسواق الناشئة المعتادة"، ووصف تلك الأسواق بأنّها "محرّك قوي للغاية للتنويع" في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات.

ويرى أنطون هاوزر، وهو مدير كبير للصناديق في شركة "إيرستي" لإدارة الأصول، أن الأصول مثل السندات المحلية الصربية تشكّل رهانات جيّدة للاستفادة من النمو الاقتصادي المعزز في أوروبا الشرقية.

عائد وأداء مرتفع؟
المناخ العالمي الذي تتزايد فيه المخاطرة يدفع المستثمرين عادة إلى المسارعة في البحث عن أصول الملاذ الآمن مثل سندات الخزانة الأميركية أو الذهب أو سندات الحكومة الألمانية.

وأدّت جائحة كوفيد-19 وتداعيات غزو روسيا لأوكرانيا إلى تخلّي المستثمرين عن الأسواق الوليدة لمصلحة الملاذ الآمن، وسقطت أسواقاً عدّة منها في فخ التخلّف عن سداد الديون السيادية.

لكن المشهد قد يكون مختلفاً مع رئاسة ترامب الثانية المعروف بتحوّلاته. وسجّلت بعض أخطر الرهانات على أدوات الدين، مثل السندات الدولية في الأرجنتين ولبنان وأوكرانيا والإكوادور، أداء متفوّقاً مذهلاً في العام الماضي.

ويتوقّع كثيرون أن تؤدّي قصص فريدة مماثلة، تقودها في المقام الأول عوامل محلية، إلى منح دفعة جديدة للعوائد خلال 2025.

وقال الرئيس المشارك للأسواق الناشئة لدى فانغارد نيك إيسينجر "حقّقت العوائد المرتفعة أداء جيّداً بشكل عام أيضاً. أنّها تؤدّي بشكل جيّد منذ بضعة أشهر الآن... ما زلنا نعتقد أن هذه مناطق مثيرة للاهتمام من السوق".

وعلى غرار لاروز أشار إلى الأسواق الواعدة وخاصة في أفريقيا باعتبارها "ليس مرجّحاً أن تتأثّر بشكل ممنهج بالعوامل الجيوسياسية أو عوامل الاقتصاد الكلي العالمية".

وأشار مستثمرون إلى العديد من الدول الأخرى التي واجهت صعوبات في جذب النقد الأجنبي بوصفها وجهات استثمارية جيّدة بما في ذلك مصر ونيجيريا وجمهورية الدومينيكان.

وأضافوا أن زامبيا وغانا وسريلانكا، وهي دول خرجت مؤخّراً من اتّفاقات إعادة هيكلة ديون، تمثّل أيضاً رهانات جذّابة هذا العام.

لكن لا تزال هناك بعض النقاط المضيئة بين الاقتصادات الناشئة الأكبر حجماً أيضاً مثل تركيا وجنوب أفريقيا.

وأصبحت تركيا وجهة جاذبة للنقد الأجنبي منذ عودتها إلى السياسة المالية التقليدية في 2023، وشرعت مؤخراً في دورة لخفض أسعار الفائدة ويمكن أن تستفيد من إعادة الإعمار في سوريا وأوكرانيا.

وقال مستثمرون إن جنوب أفريقيا تعتمد بدرجة أقل على التصدير إلى الولايات المتحدة ويمكن أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط، ولديها مزيج من صادرات السلع الأساسية التي يمكن أن تساعدها في التغلّب على الاضطراب الجيوسياسي.

وذكر كبير خبراء الاستراتيجيات في مناطق أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا لدى "سوسيتيه جنرال" ماريك دريمال أن "الصفقات القليلة التي فاجأت الأسواق في الأسابيع القليلة الماضية كانت صفقات منخفضة المخاطرة وارتباطها أقل بالدولار... تركيا مثال قوي على ذلك. حقّقت أداء جيّداً للغاية".

وأشار دريمال أيضاً إلى الرهانات على عقود الصرف الأجنبي الآجلة في مصر وسندات الخزانة في كينيا.

لكن هذا ليس منطبقاً على كل الاقتصادات الناشئة. إذ خفض بنك "جي.بي مورغان" توصيته بشأن سندات بنما بعد أن صعد ترامب تهديده هذا الأسبوع "باستعادة" قناة بنما.

وربّما لا تنال القصص الإيجابية خلال إدارة ترامب السابقة نفس القدر من الحظ خلال ولايته الجديدة أيضاً، وخاصة هؤلاء الذين استفادوا من تحويل التجارة الصينية.

وقالت ماجدة برانيت، رئيسة الأسواق الناشئة في شركة "أكسا" لإدارة الاستثمار "ستكون المكسيك وفيتنام وماليزيا أكثر استهدافاً... وسيسعى ترامب إلى سد هذه الثغرات".