المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الثلاثاء 4 آذار 2025 07:42:10
شكّل الوضع المسيحي في لبنان مادة نقاش أساسية بين مكونات سياسية وحزبية مسيحية وجدت في بودابست مساحة للحوار والتلاقي حول أولوية هذا الملف، ولا سيما من البعد المتصل بتزايد الهجرة المسيحية، في ظل الإضرابات الأمنية والسياسية وتراجع فرص العمل أمام الشباب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً.
ما لم يتمكن لبنان بمساحته الصغيرة من جمعه على طاولة واحدة، نجحت فيه المجر من خلال تنظيمها ورعايتها واستضافتها مؤتمر "مستقبل لبنان من حيث المنظور المسيحي"، انطلاقاً من حرص غربي تقوده هذه الدولة الأوروبية لدعم الوجود المسيحي في الشرق وتعزيزه، بعد تزايد نسبة الهواجس حيال هذا الوجود والتهديد الذي يتعرض له في ظل تنامي الحركات الإسلامية المتشددة في المنطقة، بما يهدد نموذج العيش السلمي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. والحال أن هذه الهواجس بدأت تبرز مع تراجع التمثيل المسيحي في الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وحتى في المواقع القيادية.
وكان كلام وزير الخارجية والتجارة المجري بيتر سيارتو الذي رعى المؤتمر، واضحاً لجهة التعبير عن حرص بلاده على أن "تطلق من خلال هذا المؤتمر برامج تسعى إلى إبقاء المسيحيين في بلادهم وتوفّر لهم الوظائف وتدعم قطاعات التعليم والمراكز الدينية"، معتبراً أن "على المجتمع الدولي أن يعمل على العودة السريعة إلى الدعم لتخفيف هذا العبء".
وقد لاقى المطران بولس الصياح الذي مثّل البطريرك الماروني بشارة الراعي بعدما اضطرّ إلى العودة بسبب وعكة صحية ألمت به، الديبلوماسي المجري في مواقفه بقوله "إن وجود مجتمع مسيحي قوي في لبنان ساهم في تعزيز نموذج العيش السلمي مع المسلمين في المنطقة، كما ساعد في الحد من التطرف الإسلامي والإرهاب"، مشيراً إلى أن "المسيحيين في لبنان واجهوا في الأعوام الأخيرة تحديات داخلية وخارجية، نتيجة الصراعات المستمرة في سوريا والعراق وإسرائيل التي أدت إلى الضغط على لبنان، ما أفضى بدوره إلى زيادة الهجرة مع مغادرة عدد كبير من المسيحيين بحثاً عن قدر أكبر من الأمن والفرص"، معتبراً أن تقديم الدعم للمسيحيين سيعود بالفائدة الكبرى على الجميع.
كانت لافتة مشاركة حزبي الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فضلاً عن مشاركة نواب وقيادات مسيحية تمثل تيارات وتوجهات مختلفة في هذا المؤتمر الذي هدف إلى مناقشة مستقبل الوجود المسيحي في لبنان، وآليات المساعدة في الحفاظ عليه واستعادة مكوناته، من خلال اقتراح تأسيس صندوق دعم يتم تمويله عبر المساعدات من الجاليات اللبنانية في العالم، فضلاً عن الدول والمنظمات الأوروبية والأميركية المهتمة والتي شاركت عبر ممثلين لها في المؤتمر، منها النمسا وإيطاليا وقبرص والسويد وفرسان مالطا وغيرها من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات قريبة من الإدارة الأميركية الجديدة.
وقد التقى النائب سامي الجميّل على هامش المؤتمر رئيس الوزراء المجري بدعوة من الأخير، ولمس منه اهتماما استثنائيا ورغبة جدية في المساعدة والدعم، واتفقا على المتابعة والتواصل.
وفُهم أن المؤتمر أوصى في نهاية أعماله بإنشاء صندوق للدعم تتولى المجر في المرحلة الأولى إدارة أعماله لجهة وضع آليات إنشائه، فيما تم التوافق على عقد مؤتمر ثان مطلع الصيف لم يحدد بعد موعده، وهو رهن بمدى التقدم في حشد الدعم، علماً أن بعض المشاركين كشفوا أن الدعم المالي سيكون من خلال المجر ودول أوروبية أخرى، فضلاً عن الولايات المتحدة ولبنانيين في دول الانتشار للمساهمة في دعم عدد من القطاعات التعليمية والاجتماعية والصحية والمؤسسات، ولا سيما تلك التي تعنى بتحصين مفهوم التعايش ونبذ العنف والإرهاب.
يذكر أنها ليست المرة الأولى تبادر المجر إلى دعم مسيحيي لبنان انطلاقاً من إيمانها بالدور الحيوي والمنفتح بين دول المنطقة. إذ كان لها مبادرات سابقة على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ولا سيما في مجال ترميم كنائس، وأفضت تلك المساعي إلى تنظيم هذا المؤتمر الموسع.