مسرح "دوار الشمس" يغلق أبوابه... والحريق أتى على ذاكرته

خبر أليم، هو احتراق مسرح دوار الشمس في منطقة الطيونة في بيروت، ولكن على قدر الألم هو الأمل في أن كل شيء سيعود قريباً إلى ما كان عليه، كما قالت لـ"الشرق الأوسط" الممثلة المعروفة برناديت حديب، رئيسة جمعية شمس لشباب المسرح والسينما، الجهة التي تعمل على إدارة هذا المركز الثقافي الحيوي الناشط على مدار السنة.

عند السادسة والنصف صباح فجر اليوم (الخميس)، شعر الجيران بالدخان يتصاعد من المبنى فاتصلوا بالمسؤولين عن المسرح والدفاع المدني الذي تدخّل سريعاً لإطفاء الحريق والحد من الخسائر.

والمبنى مكون من طابقين، الأرضي فيه المدخل، حيث يستقبل الجمهور، والكافتيريا والمكتبة وشباك التذاكر، ثم طابق سفلي فيه قاعة المسرح الرئيسية بخشبتها ومقاعدها المخملية الحمراء وملحقاتها الفنية والعملية.

وقد أتت النيران على الطابق الأرضي برمته بجميع محتوياته. وقالت الممثلة المسرحية حنان الحاج علي لـ"الشرق الأوسط"، وهي من المؤسسين وعضو في الجمعية العمومية للمسرح: "ما فقدناه اليوم في هذا الحريق، هي الذاكرة. في هذا الطابق الذي أتت عليه النيران كل الملصقات القديمة التي رافقت المسرحيات المعروضة، والمقالات التي كُتبت، والوثائق التي جُمعت، منذ افتتحنا المسرح. حقاً هذا ما نحزن عليه، ونأسف لفقدانه، لكننا في الوقت نفسه نشعر بالارتياح لأن الأضرار اقتصرت على الماديات، ولم يُصَب أي أحد بأي أذى ولا حتى ناطور المبنى".

تعتقد حنان الحاج علي أن الأمر كان يمكن أن يكون غاية في السوء لو أن الحريق اندلع في أثناء أحد العروض وحاصر الجمهور في المسرح. ذاك أمر لا يمكن تصوره.

وتشرح حديب: "صحيح أن الحريق توقف عند الطابق الأول، لكنّ اللهب والشحتار أتى أيضاً على الطابق السفلي بالتخريب. ثمة أضرار بالمعدات الفنية ومقاعد المسرح جميعها اتّسخت بالسواد. بمعنى آخر المسرح بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل وإن على مستويات مختلفة بطابقيه".

ومنذ علم محبو دوار الشمس بما حلّ به وهم يتصلون ويساندون، ويسألون عما بمقدورهم فعله.

"بالطبع نحن بحاجة لمساندة الجميع"، تقول حديب، "لكننا لا نزال تحت تأثير الصدمة، ونحن أنفسنا لا نعرف ما نستطيع أن نفعله".

سيلتقط الفنانون المؤسسون، وعلى رأسهم المسرحي الكبير روجيه عساف، وكذلك هناك المسرحي المخرج كريم دكروب، والمسرحي عصام بوخالد، والممثل محمد أبو سمرا وآخرون، أنفاسهم، ليروا كيف سيتدبرون أمرهم. بعد أيام تكون نتائج التحقيقات قد اتضحت، علماً بأن الرأي الغالب لدى الجميع أن ماساً كهربائياً هو الذي تسبب في كل هذا الخراب. وهو ما يوجه أصابع الاتهام إلى إدارة غاية في السوء لقطاع الكهرباء في لبنان.

فقد أكد جيران المسرح أن التيار الكهربائي كان متذبذباً يعلو ويخفت طوال ساعات الفجر، مما حدا ببعضهم إلى فصل معداتهم الكهربائية عن التيار كي لا يتسبب باحتراقها وتلفها. لكنّ المسرح لم يكن فيه من يتخذ إجراء من هذا النوع في ساعات الفجر الأولى، ويبدو أن هذا الخلل الكهربائي تسبب باندلاع الحريق.

وتأسف حنان الحاج علي، لأن التحديات التي تواجهها المسارح، والمؤسسات الثقافية عموماً، كبيرة جداً: "لم يكن ينقصنا هذا الحادث، بعد الإغلاق القسري بسبب الوباء والأزمة الاقتصادية، والمشكلات الأخرى. مهما كانت الأضرار طفيفة وتكاليفها قليلة، فهي مؤذية وتفرمل نشاطنا".

وكان المسرح قد اعتذر من جمهوره وكذلك من الذين برمج مسرحياتهم للفترة المقبلة. فقد كان الأطفال على موعد مع مسرح الدمى اللبناني، خلال عطلتهم الصيفية من 23 هذا الشهر حتى 23 آب. كذلك كان طلاب الجامعة اللبنانية قد حجزوا صالة المسرح لتقديم مشاريع تخرجهم على خشبته، وهناك عروض لجمعيات متعددة. "كل هؤلاء عليهم أن يجدوا بدائل لتقديم عروضهم"، حسب حديب، "لكننا متفائلون، وسنفتح أبوابنا بعد فترة قريبة، والمسرح لن يغلَق".

ولعب مسرح دوار الشمس دوراً محورياً منذ افتتاحه عام 2005، حيث كان أشبه بخرابة متروكة، وجرى تأهيله بجهود جمعية شمس، وارتبط اسمه بالمخرج والممثل الشهير روجيه عساف، الذي قدّم فيه من يومها أجمل أعماله واستقطب نخبة من الأعمال المسرحية، وفيه أُقيم مهرجان الربيع لسنوات طويلة بأنشطته المختلفة وعُقدت الندوات، وكذلك شهد مئات العروض المسرحية للأطفال، واستقبل نجوماً مسرحيين عرباً على خشبته.

ولهذا المسرح أهمية كبرى، لأنه افتُتح بعد إغلاق مسرح بيروت بتاريخه العريق، ولحظة إقفال لمسرح المدينة في كليمنصو وانتقاله إلى مبنى جديد. بدا حينها أن المسارح في بيروت، تقلصت، وأن مساحة العرض ضاقت على الفنانين.

مسرح دوار الشمس في منطقة الطيونة، في هذا المكان الحساس الذي يشكل ما يشبه خط تماسٍّ بين طوائف وفئات وتيارات، قررت جمعية شمس أن تستكمل نشاطها الذي بدأته في مسرح بيروت.

وكتب المخرج كريم دكروب الذي شارك في التأسيس، على صفحته على فيسبوك العام الماضي، قائلاً إن هذا المشروع أبعد عنه شبح الهجرة. وأكمل دكروب: "خلال 17 سنة من عمره، صمد المسرح أمام التحديات: حرب 2006، والأزمة الاقتصادية، وحوادث السرقة، وحروب الطيونة المتنوّعة، والتوقّف القسري بسبب الجائحة، وانفجار المرفأ، والشح في التمويل في فترات متعددة". طوال هذه الفترة، لا يخفي دكروب أنّ مشروع الهجرة لم يغب عن باله. "لكن بعد كل أزمة في لبنان، كنت أُفاجأ بالحجم المتزايد للجمهور الذي يأتي لحضور أعمال مسرح الدمى، كأنّ الناس يلجأون إلى المسرح مع أولادهم بحثاً عن توازن نفسي في مواجهة الأزمات. وفي لحظات كثيرة كانت عيناي تدمعان وأقول لنفسي: هناك ما يستحقّ البقاء".