المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الاثنين 27 كانون الثاني 2025 17:33:50
"ما حصل مساء في بيروت من مسيرات لدراجات نارية إقتحمت الجميزة والأشرفية وفرن الشباك وبرج حمود وإطلاق الشعارات الطائفية والإستفزازية، دمّر مشهدية ما حصل في الجنوب". هكذا علق نائب رئيس مجلس الوزراء النائب غسان حاصباني على مشهد مسيرات حزب الله ليل أمس في مناطق طابعها مسيحي بحت وهم يحملون أعلام الحزب ويطلقون الشعارات.
بالتوازي، كتب عضو تكتل الجمهورية القوية النائب بيار بوعاصي عبر حسابه على منصة إكس" ما حصل بالأمس في عين الرمانة مدانٌ بكافة المقاييس وعلى الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها. ولم تتحملها البارحة. فلتكن المرة الأخيرة".
في الخلاصة، المنطق يقول أنه يجب أن تكون المرة الأخيرة، علما أن ثمة شكا كبيرا بأن يسعى حزب الله إلى تكرار محاولات الاستفزاز بهدف الضغط على العهد وتطويعه تارة بالتهديد وزعزعة الأمن وتارة بالوعيد باتهام الفريق الوطني بضرب "الميثاقية". وفي كلتي الحالين تراه يغرد وحده في السرب .
لكن ثمة سؤال يتردد منذ ليل أمس على لسان أهالي المناطق الذين عاشوا لحظات قلق على وقع مسيرات الحزب الاستفزازية"أين كانت الدولة؟".
الكاتب السياسي الياس الزغبي يعتبر أن "حزب الله سارع بنزوة من نزواته الجديدة إلى محاولة قطف ثمار تحريك قاعدته الشعبية في الجنوب واللجوء سريعاً إلى توظيفها في الداخل السياسي اللبناني. فهو لم ينتظر أكثر من بضع ساعات على افتعاله مواجهات الجنوب حتى بادر إلى توظيف من ورّطهم في محاولة تغيير المعادلات الداخلية .فما قام به في الجنوب كان محاولة مكشوفة لإلغاء دور الجيش اللبناني وتحويله إلى ملحق يسير وراء ما يسميه الأهالي، أي مجموعته الشعبية، الأمر الذي أدى إلى سقوط 23 قتيلاً وأكثر من 100 جريح ".
اليوم تبدلت المعادلة إذ أعطى الحزب توجيهاته بالوقوف وراء الجيش وليس أمامه وهذا ما خفّف كثيرا من سقوط الضحايا.
"هدفان حاول حزب الله تحقيقهما مما افتعله في الجنوب وفشل في كليهما". ويوضح الزغبي"في الجنوب حاول استعادة قصب السبق على حساب اتفاق وقف إطلاق النار على رغم وضوحه الحاسم في إلغاء وجوده العسكري جنوب الليطاني واستطراداً في شماله وسائر لبنان. كما حاول أن يستعيد المبادرة في مواجهة إسرائيل، لاغياً كما كان يفعل سابقاً الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية ، وتبين له أن ما كُتب في مندرجات وقف إطلاق النار قد كُتب ولا تغير دماء ضحاياه شيئا من وظيفته المتهالكة ومن خطوات تنفيذ الإتفاق.
أما في الداخل يتابع، فقد سارع أيضاً إلى توظيف دماء الجنوب في استعادة هيمنته الداخلية بالسطوة المسلحة والشعارات المذهبية على طريقته المعروفة في الغزوات التي نفذ منها اثنتين بشكل واسع في 7و11 أيار 2011 وألحقها بغزوات صغيرة ثلاث في الطيونة وخلدة وشويا الجنوبية".
ما أقدم عليه ليل أمس على تسيير مسيرات بالدراجات والأسلحة والهتافات في مناطق مسيحية واضحة سواء في مغدوشة أو في عين الرمانة والجميزة والدورة وفرن الشباك وبرج حمود هو "تقدير خاطئ" بحسب الزغبي، "والواضح أن هذه المسيرات الاستفزازية وجّهت رسالة مباشرة إلى العهد الجديد برمزية الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام بهدف فرض المعادلة القديمة بالسيطرة على الحكومة الجديدة من خلال تكريس وزارة المال للثنائي الشيعي مع حقائب دسمة أخرى.
لكن وعيَ هذه المناطق تحت توجيه قياداتها السياسية أدى إلى احتواء هذا المخطط للمرة الأخيرة وكان واضحاً أن هذه القيادات حذرت من تكرار هذه المسيرات والإستفزاز لأن جرّة العيش الوطني المشترك لا تسلم كل مرة.
أيضا، يشير الزغبي إلى البيان الصادر عن قيادة الجيش لافتا إلى ما ورد في مضمونه بحيث "يكاد يكون فريداً من نوعه لجهة التحذير من الإستفزازات المذهبية وتحدّي البيئات اللبنانية الأخرى ما يؤدي إلى ضرب مرتكزات العيش المشترك". وتعليقا يقول"لا شك أن هذا البيان أعاد الرونق إلى العهد الجديد خصوصاً الفقرات البارزة والمتقدمة في خطاب القسم وتحديداً العبارة التي ركزت على حق الدولة في احتكار استخدام السلاح".
في المحصلة العامة أقدم حزب الله في الجنوب وبيروت على خطيئة مزدوجة لا يمكن أن يستثمرها لا في الميدان الجنوبي ولا في الميدان السياسي الداخلي، لأن المسألة ليست مرتبطة فقط بالإستنفار السياسي الداخلي لإنجاح الحكم، بل أيضاً وأساساً بالرعاية العربية والدولية المباشرة بحيث لم يعد ممكناً إعادة عقارب الساعة اللبنانية إلى الوراء.
وردا على السؤال الشعبي المتداول منذ ليل أمس"أين كانت الدولة" يقول الزغبي"هذا التحدي الذي أطلقه حزب الله لم يعد مجرد فلتان في المجتمع وعلى الأرض، بل دونه مخاطر وطنية كبيرة الأمر الذي يحتِّم على الدولة بما بقيَ من صيغتها السابقة وبما ينتظر من صيغتها الجديدة، أن تتصدى له لتوفير طاقات شعبية ومدنية لدى الطوائف الأخرى يمكن استخدامها بحيث يتحوّل أي صدام جديد إلى فتنة فعلية تذهب ضحيتها وعود الدولة الجديدة".
هل يجرؤ على افتعال فتنة ما في لحظة مفصلية ما؟
" بعد النتائج الثقيلة التي تلقاها الحزب في الحرب الأخيرة وإقفال مسارات تسليحه عبر سوريا وضعف تمويله من إيران، يتبيّن أنها معطيات تضغط على أدائه في السياسة وفي الميدان بحيث يبدو عاجزاً عن تحقيق ما كان يتوعد به من تنفيذ المشروع الإيراني الأكبر. لذلك، فإن خطر اندلاع حرب أهلية يتراجع إلا في حال اتجاه"شمشوني" نحو الإنتحار" يختم الزغبي.