"مشاوير يوم الأحد": الترفيه ممنوع على محدودي الدخل

لم يكن أمام عائلة يوسف الخطيب سوى شاطئ الرملة البيضاء لقضاء أيام الأحاد خلال العطلة الصيفية. الشاطئ الذي شكل بالنسبة للعديد من اللبنانيين منتفساً هاماً، بعدما وصلت أسعار الدخول إلى المسابح الخاصة والمنتجعات السياحية إلى أكثر من 15 دولاراً، أي ما يفوق حينها مليون ونصف المليون ليرة تقريباً.

أما الترفيه في مواسم الخريف والشتاء فلا تتعدى زيارة الأصحاب والأقارب. ويقول الخطيب لـ"المدن": "لم يعد من السهل على رب الأسرة، الإنفاق على الترفيه كالسابق، أي قبل الأزمة، لأن معدل الرواتب اختلف بشكل كبير"، ولم يعد يتقاضى كالسابق 800 دولار، بل أصبح راتبه مجزأ بين الدولار والعملة اللبنانية. 

معايير مختلفة
اختفت معالم السياحة الداخلية، أو حتى مفهوم الخروج يوم الأحد عند فئة كبيرة من اللبنانيين، واقتصرت على زيارة بعض الأقارب، أو زيارة الأماكن المجانية، على غرار السير بجانب البحر في فترة المساء. إذ تفضل الكثير من العائلات توفير المبالغ المخصصة للترفيه، لشراء الأساسيات اليومية من المأكل والمشرب.

على طول الرصيف البحري لمنطقة البيال في العاصمة بيروت، تجتمع العشرات من العائلات اللبنانية لتمضية فترة بعد الظهر. تصطحب منى العربي أهلها وبناتها إلى الكورنيش البحري للعب واللهو. تقول لـ"المدن": لم يعد بإمكاني زيارة المطاعم كالسابق، أو حتى الترفيه عن البنات في مناطق اللعب داخل المولات الكبيرة، ولذا، فكرت في شراء دراجات هوائية لبناتها، واصطحابهن في نزهات إلى الطبيعة". تختار العربي مناطق مختلفة، لقضاء عطلة يوم الأحد، بشرط أن تكون مجانية.

ارتفاع التكلفة
الترفيه في لبنان للأغنياء فقط، وهذه العبارة يمكن قراءتها من خلال الأسعار المفروضة على أماكن الترفيه، يصل سعر تذكرة السينما على سبيل المثال إلى ما يقارب من 400 ألف ليرة، فيما تحتاج عائلة مكونة من أربعة أشخاص إلى نحو 800 ألف بالإضافة إلى تذكرتي أطفال بنحو 600 ألف، ما يعني أن سعر التذاكر قد يصل إلى مليون و400 ألف ليرة، يضاف إليها تكاليف تتعلق بشراء العصائر وما إلى ذلك. وهو ما يعادل بالنسبة إلى أسرة الخطيب، ربع راتبه بالدولار.

أما في حال قررت العائلة زيارة المطعم، فلا يمكن الخروج من دون إنفاق ما يقارب 50 دولاراً، وهو مبلغ يصعب تحمله بالنسبة للعائلات التي تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية.

حتى أن المشاوير الأخرى التي تبدو مجانية، على غرار الترفيه في الطبيعة، أو على الشواطئ المجانية، تحتاج العائلة لشراء الطعام، وتسديد نفقات النقل، وهي مبالغ لا يمكن لشريحة كبيرة من اللبنانيين تحملها.

حسب بيانات مركزNumbeo  للأرقام، تحتاج الأسرة في لبنان نحو 2858 دولاراً لإنفاقها شهرياً باستثناء إيجار البيت. ووفق المركز، يتطلب من العائلة أن تسدد ما بين 13 إلى 15 في المئة نظير بند الترفيه، أي ما يقارب من 400 دولار شهرياً، وهو ما يوازي راتب موظف. ووفق البيانات، فإن أسعار الترفيه في لبنان تعد مرتفعة مقارنة مع معدل الأجور. إذ يصل سعر ممارسة رياضة ما، مثل كرة المضرب في الساعة الواحدة إلى 20 دولاراً.

اختلاف المقاييس
فرضت الأزمة الاقتصادية تحولاً جذرياً في نمط تفكير اللبنانيين وسلوكهم. فعلى الرغم من أن "مشاوير يوم الأحد" لم تكن ذات تكلفة عالية بالنسبة إلى الفئات المتوسطة والفقيرة حينها، لكنها اليوم باتت عبئاً حتى بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة، وهي الطبقة التي تتقاضى جزءاً من راتبها بالدولار، لأن فكرة الخروج من المنزل لقضاء يوم العطلة يحتاج لأكثر من 100 دولار، ما بين مصاريف مطاعم، وترفيه، وبنزين. وهو أمر بحسب العربي، مستحيل في ظل الرواتب المعمول بها حالياً.

في المقابل، تسعى ماريانا خليفة وزوجها إلى تخطي هذه التحديات، والحفاظ نوعاً ما على نوعية الحياة الاجتماعية والترفيهية قبل بدء الأزمة. وتقول لـ"المدن": قبل العام 2019، كانت العائلة عادة تتناول طعام الغداء خلال نهاية الأسبوع في أحد المطاعم اللبنانية، أو قضاء اليوم على الشاطئ أو في أماكن التزلج.. لكن هذه العادات اختلفت نسبياً في السنوات الماضية"، ورغم ذلك، ووفق خليفة، فإنها لم تقطع هذه العادة، وبدلاً من الخروج أسبوعياً، يمكن اقتصارها على مرتين في الشهر.

يحاول اللبنانيون الحفاظ على بعض عاداتهم الترفيهية التي تعكس حبهم للحياة في وجه أزمة معيشية اقتصادية خانقة، لكن الواقع المعيشي يفرض عليهم تغييرات جذرية تجعل من المساحات الترفيهية حصرية للميسورين في كثير من الأحيان.