مصرف لبنان يشارك الدولة بالادّعاء على سلامة: حفظ لحقوق "المركزي"

بعد نحو سنة من تسلم مهامه كحاكم بالانابة لمصرف لبنان، كان مفاجئاً للبعض أن يتخذ وسيم منصوري صفة الادعاء أمام القضاء الفرنسي، ودخوله شريكاً رسمياً في الدعوى المرفوعة ضد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ليصبح طرفاً مدنياً إلى جانب الدولة اللبنانية التي تطالب بحقها من أموال سلامة.

المفاجئ هو الاندفاعة المستجدة وتوقيتها غير المتوقعين، وترافقهما مع أسئلة حيال ماهية المستجدات المالية والقضائية التي دفعته إلى فعل ذلك.

في الشكل، ثمة ادعاءات قضائية عدة في لبنان وخارجه، مرفوعة في وجه سلامة، يجري التحقيق فيها، بعضها جديد فيما غالبيتها تعود إلى أكثر من عام، ويتابع محامو الادعاء والدفاع عملهم فيها.

وفي المضمون، تعتبر جميع الأموال المطالب بها، موضوع الدعاوى العالقة أمام المحاكم، أموالاً تعود إلى مصرف لبنان وحده، ولا شراكة بالملكية فيها مع أي طرف ثالث، خصوصاً مع المدعين داخل لبنان وخارجه، أفراداً كانوا أو الدولة اللبنانية.

هذا المعطى المستند إلى مضامين الدعاوى المرفوعة، هو ما حتم على الحاكم بالإنابة الإيعاز بالادعاء، ودخول مصرف لبنان شريكاً مدنياً في جميع الادعاءات ضد سلامة، من جهة حفظاً لحقوق المركزي، ومن جهة أخرى خوفاً من توزع هذه الحقوق على المدعين الآخرين، إن صدرت أحكام لصالحهم، وتم تنفيذها على المصادرات القيمة التي تحتجزها المحاكم لصالح الدعوى.

وعليه، فإن الدعوى ليست اتهاماً شخصياً من الحاكم بالإنابة ضد الحاكم السابق سلامة كما يحاول البعض تسويقه، وإنما غايتها حصراً حفظ حقوق مصرف لبنان المالية إذا ما صدرت احكام في الخارج.

الادعاءات ضد سلامة موجود بعضها منذ وقت طويل، وتتوزع بين فرنسا وبريطانيا وسويسرا، وأخيراً نيوجيرسي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الادعاءات داخل لبنان، وقرار دخول مصرف لبنان شريكاً في بعضها ليس جديداً، وقد اتخذ منذ وقت طويل، وهيأ له المركزي منذ أشهر عدة ما يلزمه من وثائق ومستندات تمكنه من الدخول في ادعاءات أخرى، دون ضجيج إعلامي و"طنة ورنة"، وبيع الشعبويات والمزايدات التي لا تعيد حقوقاً.

ما أقدم عليه "المركزي" ليس ادعاءً قضائياً مشابهاً للادعاءات الأخرى، إنما هو إجراء ملزم للمسؤولين فيه، لحفظ الحق القانوني لمصرف لبنان، ولتأكيد ملكيته للمال موضوع الادعاءات، العائد له أصلاً، بحكم تكونه من أصول تعود لمصرف لبنان وفق الادعاء، في جميع الأموال والمصادرات والتعويضات التي يمكن أن تقرها المحاكم ضد سلامة، وإعادة توجيه مسارها نحو خزائن مصرف لبنان بدلاً من ضياعها لدى المدعين الآخرين. وكذلك فإن الادعاءات المذكورة لا تشمل الحاكم السابق فحسب، بل أيضاً كل من يُعتَبَر فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.

ما يحصل ليس جديداً، فالادعاءات كانت موجودة قبل تسلم منصوري الحاكمية بالإنابة، وهو تابع جميع مساراتها وقدم نموذجاً من التعاون مع القضاء في الملفات والتحقيقات كافة التي أجريت أو لا تزال قيد المتابعة. وقد وضع بتصرف القضاء اللبناني جميع الوثائق والمستندات اللازمة للتحقيقات الجارية، بما فيها حركة حسابات الحاكم السابق رياض سلامة. كذلك استجاب لمطالب القضاء الفرنسي، وزوده بما تسمح له صلاحياته كحاكم بالإنابة، وعبر النيابة العامة التمييزية في لبنان وموافقتها، بالإجابات القانونية والمستندات التي طلبها، ومحتوى تقارير التدقيقات الداخلية أو التي أجرتها مؤسسات دولية.

مشاركة مصرف لبنان بالدعاوى المقامة محلياً ودولياً، ليست إلا محاولة لمنع خسارة أموال جديدة عائدة له، قد تولد من رحم الأحكام القضائية العتيدة، إذا اعتبرت مشبوهة، خصوصاً أن بعضها كما الحال في دعوى "فوري" قد يصل إلى 300 مليون دولار، بالإضافة إلى عشرات ملايين الدولارات الأخرى موزعة على ادعاءات بملفات استشارات وغيرها.

وفيما ينتقد البعض خطوة مصرف لبنان ودخوله طرفاً مدنياً في الدعاوى التي تقدمت بها الدولة ضد سلامة، على اعتبار أن الدولة ستحفظ حق لبنان، أكدت مصادر متابعة أن قرار الحاكم بالانابة جاء خوفاً من عدم إقرار القضاء الاوروبي بأن الاموال التي قد تصادر، في حال أدين سلامة، هي ملك للدولة اللبنانية بما قد يطيح بحقها وحق مصرف لبنان في استرجاعها.

وتضيف المصادر أن "المركزي اتخذ منذ فترة طويلة قراره بالتعاون مع القضاء، وبدأ فعلياً بتقديم المستندات المطلوبة منذ آب 2023، اي منذ عام تقريباً، ما يشكل مشاركة في الادعاء على كل المدعى عليهم في هذه القضايا، ومنهم سلامة في كل الدول وليس فقط فرنسا". ووفق المصادر عينها "المصرف المركزي أرسل كل المستندات التي طلبها القضاء، تحديداً الى النيابة العامة التمييزية التي يراسلها القضاء الخارجي. وتضم هذه المستندات الحسابات التي أشار اليها تقرير "الفاريز اند مارشال"، كحسابات سلامة وحساب الاستشارات الذي تبلغ قيمته 111 مليون دولار وحسابات "فوري" و"اوبتيموم."

بالنسبة لشركة "اوبتيموم" ودورها في إدارة عمليات البيع وإعادة الشراء بالنسبة إلى السندات، استناداً إلى عقد وقعته مع مصرف لبنان عام 2014، بناءً على قرار رسمي من المجلس المركزي الذي يضم الحاكم ونوابه الاربعة والمدير العام للمالية والمدير العام للاقتصاد، تشير المصادر الى أن العمل بموجب العقد استمر حتى عام 2020، وأن المخصصات التي حققتها منصوص عليها في العقد، وتندرج في إطار العمولة لإدارة هذه المنصة. وفي انتظار كلمة القضاء النهائية بموضوع اوبتيموم، الذي له وحده كلمة الفصل، فإن ما توفر من معلومات يدل على أن الملف ليس فيه مخالفات قانونية كما يروج البعض.

وتوضح المصادر عينها أن المدعية العامة في جبل غادة عون استحصلت على كل المستندات التي طلبتها في هذا الخصوص في آب 2023، ومن ثم سلم المركزي بقية المستندات الى النائب العام التمييزي جمال الحجار الذي يتابع التحقيق بنفسه.

وأكدت أن موضوع الدعاوى المذكورة أعلاه وحتى لو تمت الادانة بها، هي بحدود 300 مليون دولار، فيما يتجاهل البعض أن الفجوة المالية في لبنان هي أكثر من 70 مليار دولار، وتالياً فإن الاموال المتهم بها الحاكم السابق توازي 0.4 بالالف من الفجوة المالية. هذه الفجوة تتحمل معظمها الدولة اللبنانية وكهرباء لبنان تحديداً التي كلفت الخزينة اللبنانية ومصرف لبنان أكثر من 40 مليار دولار. فكما هو معلوم كهرباء لبنان كانت دائماً بحالة عجز كبير ومستمر وكان يتم تمويلها بسلف خزينة وعبر مصرف لبنان (أي من أموال المودعين).