المصدر: المدن
الكاتب: علي نور الدين
السبت 3 كانون الاول 2022 23:54:12
أشارت ميزانيّة المصرف المركزي النصف شهريّة إلى عودة احتياطاته للانخفاض، إنما بوتيرة منخفضة مقارنة بالأشهر الأولى من هذا العام، التي شهدت توسّع مصرف لبنان في عمليّات ضخ الدولار في السوق. ومع عودة الاحتياطات إلى مسارها التنازلي، يكون مصرف لبنان قد أنهى مرحلة امتدت لنحو شهرين، رفع من خلالها الاحتياطات عبر شراء الدولار من السوق، وحافظ عليها عبر الامتناع عن استعمال العملة الصعبة الموجودة بحوزته. أمّا السؤال الأهم اليوم، فيتمحور حول خطط مصرف لبنان وخياراته، بالنسبة لكيفيّة استعمال الاحتياطات التي تم جمعها، في ظل الضبابيّة والغموض التي تحيط بسياسة المصرف المركزي النقديّة.
انخفاض الاحتياطات
بعد أن لجأ مصرف لبنان إلى زيادة احتياطاته بنحو 656 مليون دولار بين منتصف أيلول ونهاية تشرين الأوّل الماضي، من خلال شراء الدولارات من السوق، وبعد أن تمكن طوال النصف الأوّل من شهر تشرين الثاني الماضي من الحفاظ على مستوى هذه الاحتياطات عند حدود ال10.27 مليار دولار، عاد المصرف المركزي خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني إلى استنزاف الاحتياطات من جديد. فخلال النصف الثاني من تشرين الثاني، خسرت الاحتياطات ما يقارب ال87.83 مليون دولار من قيمتها، لتستقر عند حدود ال10.18 في نهاية الشهر.
ومع ذلك، يمكن القول أن المصرف المركزي مازال يحافظ على مستويات الاحتياطات المرتفعة، التي وصل إليها بعد موجة شراء الدولار التي قام بها طوال شهر ونصف في السابق، والتي لم تكن تتجاوز قبلها احتياطات مصرف لبنان حدود ال9.62 مليار دولار. مع الإشارة إلى أنّ مستوى الاحتياطات الحالي مازال أعلى بنحو 565.78 مليون دولار، مقارنة بمستوى الاحتياطات في منتصف شهر أيلول، أي قبل أن يبدأ مصرف لبنان عمليّات شراء الدولار مباشرة من السوق. إلا أنّ مستوى الاحتياطات الحالي ظلّ أقل بنحو 2.64 مليار دولار مقارنة ببداية السنة الحاليّة، نتيجة عمليّات ضخ الدولار التي قام بها مصرف لبنان خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الراهن، عبر منصّة صيرفة والتعاميم 161 و158.
خيارات مصرف لبنان
حتّى اللحظة، يبقى السؤال الأساسي مرتبطًا بالخيارات التي يملكها مصرف لبنان للتصرّف بالاحتياطات التي راكمها نتيجة التدخّل في سوق القطع، وشراء الدولارات خلال الربع الأخير من العام. الأكيد، أن جزء أساسياً من هذه السيولة سيتم استخدامه لتمويل المرحلة الأولى من خطّة الكهرباء، عبر بيع الدولارات لمؤسسة كهرباء لبنان بسعر منصّة صيرفة، على أن تسدد المؤسسة كلفة هذه الدولارات تدريجيًّا من عوائد التعرفة الجديدة، التي تم رفعها ابتداءً من الشهر الماضي. وبهذه الطريقة، سيستعيد المصرف المركزي جزءًا أساسيًا من السيولة التي ضخّها بالليرة في السوق، عندما قام بشراء هذه الدولارات باستخدام الليرات الورقيّة.
في الوقت نفسه، من الواضح أنّ مصرف لبنان يخطط لاستخدام جزء آخر من هذه السيولة، بالدولار النقدي، لتوفير رواتب موظفي القطاع العام والمساعدات الاجتماعيّة التي تم إقرارها بمفعول رجعي، ضمن إطار موازنة العام الحالي. وكما هو معلوم، سيقوم المصرف المركزي ببيع هذه الدولارات بسعر المنصّة للموظّفين، عملًا بالتعميم 161، وهو ما سيسمح بسداد المساعدة الاجتماعيّة دون التأثير على قيمة الليرة في سوق القطع. وفي الوقت نفسه، ستسمح هذه الآليّة باستفادة العاملين في القطاع العام من الفارق بين سعر صرف المنصّة، وسعر صرف السوق الموازية الفعلي. إلا أنّ هذه الخطوة لن تساهم باستعادة المركزي للسيولة التي ضخّها بالليرة عن شراء هذه الدولار، إلا إذا قامت الدولة بسداد قيمة هذه المساعدات بالليرات النقديّة من عوائد الرسوم والضرائب.
في جميع الحالات، من المرتقب أن تبيّن خطوات المصرف المركزي المقبلة كل هذه التفاصيل، إلا أنّ الأكيد أنّ سعر الصرف في السوق الموازية لن يشهد قريبًا أي انفراجات على المدى المتوسّط، طالما أن جميع الإجراءات تصب في خانة التعامل مع الحاجات الداهمة حصرًا، دون الارتكاز على أي خطّة تعافي شاملة ومتكاملة. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أنّ المصرف المركزي يملك حتّى اللحظة أي تصوّرات لكيفيّة استكمال مسار توحيد أسعار الصرف، حتّى إذا ما باشر في بداية شهر شباط خطوة رفع سعر الصرف المعمول به في المصارف لغاية 15 ألف ليرة مقابل الدولار، وهي الخطوة التي يعتبرها الحاكم مرحلة انتقاليّة باتجاه توحيد أسعار الصرف.